لا زلنا نحدثك عن الادعية المباركة ومنها الدعاء المعروف بـ(يستشير) وهو دعاء علمه رسول الله(ص) الامام علي(ع) وامره ان يعلمه من بعده، وان يواظب على قراءته صباحاً ومساءاً طيلة حياة الانسان، ووصف بانه احد كنوز العرش، وقد حدثناك عن العبارة الاستهلالية للدعاء وهي: (الحمد لله الذي لا اله الا هو الملك الحق المبين) ونحدثك الان عن الفقرة الجديدة من الدعاء وهي:(المدبر بلا وزير، ولا خلق من عباده يستشير)، ان هذه الفقرة من الدعاء تتضمن جوهر الدعاء الا وهو مفهوم الاستشارة والتدبير حيث يستهدف الدعاء لفت نظرنا الى ادارة الله لخلقه فيما لا يستعين باحد في ذلك، بحيث لا يحتاج الى مستشار او وزير يعضده، ان ما يعنينا من هذه الفقرة هي ارتباطها بما سبقها من الاستهلال وهو انه تعالى الملك الحق المبين، حيث قلنا في لقائنا السابق ان سمة الملك تعني تدبير الظواهر الكونية أي الملوكية او السيطرة او الهيمنة على الخلق وادارة ذلك، من هنا جاءت العبارة من الدعاء بهذا النحو المدبر بلا وزير ولا خلق من عباده يستشير والسؤال الملح الان هو ماذا نستخلص من السمتين المذكورتين وهما انه تعالى مدبر بلا وزير وبلا خلق من عباده يستشيرهم؟
من الحقائق المعروفة في التجارب البشرية بان ادارة الدولة لاتتم الا بمنظومة من المتخصصين وهو امر لا تشكيك في حقيقته ولكن الامر بالنسبة الى الله تعالى يختلف تماماً عن التجربة البشرية انه تعالى هو القوة الوحيدة وهو الخالق الوحيد، وهو المدبر الوحيد في ادارة الكون وهذا المعنى التوحيدي او الوحداني عبر الدعاء عنه بالفقرتين المذكورتين وهما انه تعالى بلا وزير ولا مستشار والسؤال المكرر هو لماذا نواجه امثلة هاتين الفقرتين؟ الجواب هو بالنسبة الى التجربة البشرية فان رئيس الدولة يحتاج الى وزراء يديرون مختلف شؤون البلد بحسب تخصصهم والى مستشار عام يستعين به في ادارة الدولة خارجياً وداخلياً وبدون هاتين القوتين لا يمكن لرئيس الدولة ان يحكم بلاده نظراً لعدم قدرته التخصصية من جانب وعدم امتلاكه للرأي الصائب بنحو مطلق من جانب آخر، والدعاء عندما يعرض لهاتين الظاهرتين يستهدف من ذلك لفت نظرنا الى مطلقية الله تعالى في قدرته بحيث ينفرد في خلقه للكون وادارته بخاصة ان الادارة الكونية بهذا النحو الذي نعجز جميعاً عن الاحاطة بمستوياته تتطلب تعميقاً لوعينا بحقيقته تعالى، بوحدانيته كما هو واضح.
بعد ذلك نتجه الى فقرة جديد هي (الاول غير موصوف، والباقي بعد فناء الخلق) والسؤال الجديد هو ماذا تعني هاتان الفقرتان؟ والجواب هو ان الدعاء يستهدف تعميق وعينا بعظمة الله تعالى بوحدانيته كما قلنا واذا كانت التجربة البشرية تقوم على مبدأ لخلق الانسان ونهاية له فان الدعاء يستهدف دائماً الاشارة او المقارنة بين بشر خلقه الله تعالى محدود القدرات وبين مبدع للخلق لا حدود لقدراته تعالى، يستوي في ذلك ان تكون الوحدانية مرتبطة بالخلق او بظواهر اخرى.
الا ان الملاحظ هنا هو ان الدعاء مستهدف للفت نظرنا الى ازلية الله تعالى حيث لم يسبق بعدله ولم يلحق بعدله بل هو الاول بنحو لا يمكن تصور وصفه والآخر او الباقي دوماً بعد فناء المخلوقات.
اذن المستهدف هو تعميق وعينا بازلية الله تعالى وهو مفهوم تعميق بلا ادنى شك معرفتنا بعظمة الله تعالى وبمفهوم التوحيد او الوحدانية كما هو واضح.
ختاماً قبل ان نواصل في لقاءات لاحقة متابعة الدعاء المذكور نسأله ان يوفقنا الى تعميق معرفتنا بعظمته وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******