بسم الله الرحمن الرحيم وله الحمد كما هو أهله والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين.. حضرات المستمعين في كل مكان السلام عليكم ورحمة من الله تعالى وبركات.. تحية طيبة لكم وأنتم تستمعون الى حلقة أخرى من برنامج "نهج الحياة" حيث سنكمل فيها بإذنه تعالى تفسير ما تبقى من آيات سورة عبس المباركة بدأً بالإستماع الى تلاوة آياتها الرابعة والعشرين حتى الثانية والثلاثين ...
فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ{24} أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبّاً{25} ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً{26} فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً{27} وَعِنَباً وَقَضْباً{28} وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً{29} وَحَدَائِقَ غُلْباً{30} وَفَاكِهَةً وَأَبّاً{31} مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ{32}
"الصب" أيها الكرام، بمعنى تساقط الماء من مكان مرتفع ويشمل نزول المطر من السماء ونزول الماء من الشلالات أيضاً. و"القضب" يطلق على الخضروات التي تقطف وتؤكل طازجة، وتشمل علف الحيوانات كذلك.
أما المقصود من (شققنا الأرض) هو شق الأرض عن طريق براعم النباتات، إذ إنها تشق الأرض لتخرج منها ثم تتابع نموها.
كما تشير الآيات بأنه يجب أن ينظر الإنسان إلى طعامه هل هو حلال أم حرام، هل يملك الآخرون مثل هذا الطعام أم لا، كيف حصل على هذا الطعام وكيف سيصرف الطاقة التي يحصل عليها من الطعام، وأيضاً الطعام يشمل للطعام المعنوي كالعلم.
ومن تعاليم هذه الآيات الشريفة أولاً: لو لم تكن ثمة قيم معنوية، لتساوى الإنسان والحيوان في الإستفادة من الطعام والطبيعة.
ثانياً: التدقيق في إيجاد النعم، وسيلة للبُعد عن الكفر.
ثالثاً: الوجود، مدرسة معرفة الله، سواء في السير التكاملي لباطن الإنسان أو خارجه.
ورابعاً: ثمة هدف لنزول المطر ونمو أنواع النباتات والأشجار، ومن إحدى حكمه تهيئة الطعام للإنسان والحيوان.
أما الآن، إخوتنا المستمعين الأفاضل، ننصت وإياكم الى تلاوة الآيات الثالثة والثلاثين حتى السابعة والثلاثين من سورة عبس المباركة..
فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ{33} يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ{34} وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ{35} وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ{36} لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ{37}
"الصاخة" أحبة الإيمان، تعني الصوت المرعب الذي يكاد يصم الأذن، والمقصود به إما الصيحة لوقوع القيامة أو صراخ الناس وصياحهم في ذلك اليوم.
وكما تحدثت الآيات السابقة عن المعاش، تتحدث هذه الآيات عن المعاد.
وحول آية (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ) يمكن طرح أمور عدة حول دافع الإنسان للفرار من الأب والأم والزوج والأولاد، من بينها أن يفر لكي لا يطالبه أخوه بحقوقه ويضيق عليه ويفر لكي لا يطالبه الآخرون، ويفر لكي لا يفتضح أمره أمام الآخرين، ويفر لينهي عمله ويحدد مصيره بأسرع وقت.
ومما تعلمه إيانا هذه الآيات المباركة أولاً: تتفكك الروابط العائلية يوم القيامة.
ثانياً: يفكر كل شخص يوم القيامة في نجاة نفسه.
وثالثاً: ليس ثمة فرصة في يوم القيامة للإهتمام بشؤون الآخرين.
والآن، إخوة الإيمان، ندعوكم للإستماع الى تلاوة الآيات الثامنة والثلاثين حتى الثانية والأربعين وهي آخر آيات سورة عبس المباركة..
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ{38} ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ{39} وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ{40} تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ{41} أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ{42}
كلمة "مستبشرة" أيها الأطائب، هي من سماع خبر سعيد، تُشرق على أثره البشرة. و"الغبرة" هو الغبار، وهو التراب الدقيق العالق على الشيء، و"قترة" هو الدخان الأسود و"رهق" بمعنى التغشية والتغطية.
وتقسم هذه الآيات الناس يوم القيامة الى مجموعتين: أهل السعادة وأهل الشقاء، وكل مجموعة تُعرف بسيماها ووجهها، لأن وجه الإنسان مرآة سيرته، ويظهر فرحه وحزنه الداخليان على وجهه.
وكما بدأت آيات هذه السورة المباركة، أيها الأحبة، بتقطيب الوجه في الدنيا، وتختتم بالوجوه المسودة في يوم القيامة.
و"كفرة" جمع كافر، و"فجرة" جمع فاجر؛ في الأولى إشارة الى فساد العقيدة وفي الثانية إشارة إلى فساد العمل.
ومما نستلهمه من هذه الآيات الشريفة أولاً: الضحك في القيامة ناتج عن التبشير بمستقبل مشرق.
ثانياً: التلوث بالذنوب في الدنيا سبب لتلوث الوجه في القيامة.
ثالثاً: الكفر سبب لإرتكاب الذنوب والفسق والفجور.
رابعاً: المقارنة، هي من أفضل الطرق في التبليغ.
وخامساً: يؤدي الذنب الى تغطية وجه الإنسان النقي والرباني، بنقاب أسود بشع.
أيها الإخوة والأخوات، مع نهاية تفسير سورة عبس المباركة، وصلنا الى ختام هذه الحلقة من برنامج "نهج الحياة" فحتى لقاء آخر وتفسير سورة أخرى من سور القرآن العظيم نستودعكم الله والسلام خير ختام.