سلام من الله عليكم و رحمة منه و بركات، أهلا بكم أيها الإخوة و الأخوات في حلقة اليوم من هذا البرنامج الذي نسعى فيه بعون الله للحصول علي العقائد الصحيحة من نبعي الهداية الربانية كتاب الله و أحاديث أهل بيت النبوة – عليهم السلام – .
سؤالنا في هذه الحلقة هو ضمن الأسئلة المرتبطة بالنبوة الخاتمة ، و هو : لماذا هذا التأكيد في الآيات القرآنية على أن النبي الخاتم – صلى الله عليه و آله – هو أولى الناس بإبراهيم الخليل – عليه السلام – و ما هو الدرس العملي الذي نستفيده من ذلك ؟ نبحث معا عن الإجابة في النصوص الشريفة ، فتابعونا على بركة الله .
أيها الإخوة نلتمس الإجابة عن سؤال هذه الحلقة من الآيات التالية من سورة آل عمران، ضمن الأمر الإلهي للنبي الخاتم – صلي الله عليه و آله – بمحاججة أهل الكتاب ، فلنتدبر معا أولا في الآيات ٦٤ إلى ٦۸ من هذه السورة : قال تبارك و تعالى : "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ{٦٤} يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ{٦٥} هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ{٦٦} مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ{٦۷} إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ{٦۸}".
مستمعينا الأفاضل ، يتضح من التدبر في الآيات الكريمة المتقدمة و ما قبلها و ما بعدها أن التأكيد الإلهي على أن النبي الخاتم – صلى الله عليه و آله – هو أولى الناس بإبراهيم جاء في سياق إدعاء أحبار أهل الكتب و رهبانهم بأن اليهودية و النصرانية هما وارثا نهج شيخ الأنبياء إبراهيم الخليل – صلوات الله عليه –.
و هذا ما يرده القرآن الكريم منبها إلى أن خليل الرحمان لم يكن يهوديا و لا نصرانيا بل كان حنيفا مسلما و لم يكن من المشركين. و من المعلوم أن الإسلام هو جوهر جميع الأديان الإلهية ، فهو الدين عند الله و من يبتغ غيره لا يقبل منه كما صرحت الآية الكريمة.
و هذا المعنى للإسلام متحقق بلا شك في اليهودية التي جاء بها موسى الكليم – عليه السلام – ، لذلك فإن نفي يهودية إبراهيم الخليل و نصرانيته – عليه السلام – ليس المقصود فيه اليهودية الخالصة و النصرانية النقية و جوهرهما الإسلام، بل أراد الله النسختين المحرفتين منهما . و لذلك بدأت الآيات الكريمة الإحتجاج على الأحبار و الرهبان بالدعوة إلى الكلمة السواء و هي التوحيد الخالص و أن لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ، لأن الشرك نفذ إلى النسختين المحرفتين من اليهودية و النصرانية فاتخذوا أحبارهم و رهبانهم أربابا من دون الله كما صرحت بذلك آيات أخرى .
روى العلامة الطبرسي في تفسير ( مجمع البيان ) أنه لما نزلت آية اتخاذ اليهود و النصاري الأحبار و الرهبان أربابا من دون الله ، قال عدي بن حاتم رضوان الله عليه و كان نصرانيا قبل إسلامه: ما كنا نعبدهم يا رسول الله . فقال رسول الله – صلى الله عليه و آله –: "أما كانوا يحلون لكم و يحرمون فتأخذون بقولهم ؟ قال عدي : نعم ، فقال – صلي الله عليه و آله – هو ذاك" يعني هذا هو الشرك المقصود . و روي في مجمع البيان أيضا عن مولى الموحدين الإمام علي – عليه السلام – قال : "إن أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاءوا به .. إن ولي محمد – صلى الله عليه و آله – من أطاع الله".
من هنا نفهم – مستمعينا الأفاضل – أن معنى كون النبي الأكرم أولى الناس بإبراهيم الخليل ، هو كونه – صلى الله عليه و آله – الماحي لآثار و مصاديق الشرك التي نفذت في اليهودية و النصرانية في العقائد كالقول ببنوة عزير لله أو المسيح لله تعالى عن ذلك ؛ أو في الأحكام المبتدعة و تحليل ما حرمه الله و تحريم ما أحله الله .
هذا أولا و ثانيا لكون سيد الرسل – صلى الله عليه و آله – هو حامل لواء الحمد و التوحيد الخالص الذي جاء به إبراهيم الخليل – عليه السلام – و هو المطهر لبيت الله من الأوثان التي أدخلت فيه ؛ روي في أصول الكافي عن مولانا الصادق –عليه السلام– في تفسير قوله عزوجل في وصف إبراهيم الخليل بأنه كان "حَنِيفاً مُّسْلِماً". قال – عليه السلام – [يعني] خالصا مخلصا ليس فيه شيء من عبادة الأوثان . و روي أيضا في كتابي الكافي و المحاسن عن الإمام الصادق – عليه السلام – قال: "إن الله تبارك و تعالى أعطي محمدا – صلى الله عليه وآله – شرائع نوح و إبراهيم و موسى و عيسى – عليهم السلام –، [و هي] : التوحيد و الإخلاص و خلع الأنداد و الفطرة الحنيفية السمحة ، لا رهبانية و لا سياحة، أحل فيها الطيبات و حرم فيها الخبيثات ، و وضع عنهم إصرهم و الأغلال التي كانت عليهم ، فعرف بذلك فضله ، ثم افترض عليه فيها الصلاة و الزكاة و الصيام و الحج و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، و الحلال و الحرام و المواريث و الحدود و الفرائض و الجهاد في سبيل الله ، و زاده الوضوء ، و فضله بفاتحة الكتاب و بخواتيم سورة البقرة و المفصل ، و أحل له المغنم و الفيء و نصره بالرعب و جعل له الأرض مسجدا و طهورا و أرسله كافة إلى الأبيض و الأسود ، و الجن و الإنس .."
أيها الأطائب ، و نخلص مما تقدم إلى النتيجة التالية و هي : أن الدرس العملي الذي نستفيده من التأكيد القرآني على أن النبي الخاتم هو أولى الناس بإبراهيم ، هو أن محور و جوهر رسالته الخاتمة – صلى الله عليه و آله – هو تقديم الشريعة الإلهية الكاملة التي تحقق ما دعا له إبراهيم – عليه السلام – من التوحيد الخالص ، و عليه فإن الفوز بالتوحيد الخالص ينبغي أن يكون هدفنا من كل ما نعمل به من أحكام و قيم الشريعة المحمدية البيضاء .
وفقنا الله و إياكم لذلك أيها الأحبة ، شاكرين لكم حسن الإستماع لحلقة اليوم من برنامجكم ( أسئلتنا و أجوبة الثقلين ) قدمناها لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران ..
دمتم بألف خير.