وكالعادة ؛انبرى أنصاف المتعلّمين ليزعموا أن الذكاء الإصطناعي هو المحطة الأخيرة وقمّة التطور في مسيرة البشرية، وليس بعده ما هو أعلى منه!!.
أنصاف المتعلمين هؤلاء مشكلة عويصة، و ظاهرة غريبة، و شريحة مريبة.فكلما ظهر اكتشاف جديد انبهروا به، و عابوا على دينهم و أمتهم تخلفهم عن ركب البشرية!! واعتبروا الاكتشاف الجديد والإختراع المفيد الذي ظهر دليلاً على تألّق و سموّ ونفوذ الغرب و انحطاط وتخلف شعوب الشرق الملتزمة بدينها الذي أنزله الله عز وجل على قلب نبيه الكريم خاتم الأنبياء و سيد المرسلين محمد المصطفى (ص).
يقول البعض: إن انصاف المتعلمين هم من يتطاولون على المثقفين ورجال العلم و الدين والأدب، ويسفّهون آراءهم، ويطلقون عليهم بعض الاوصاف الساخرة ..وأنصاف المتعلمين قد لا يفهمون أصلاً ما يُكتب أو يقال، بينما غير المتعلم لا يقرأ بالمرة ولا يقحم نفسه عادة فيما لا يفهم ولا يتدخل فيما لايعنيه، أساساً. فالجاهل يسكت، ولا يقبل منه لو تكلم في ما لايعلمه، والعالِم يفتي بعلمه، لكن المصيبة في أنصاف المتعلمين هؤلاء.
هؤلاء المنبهرون بالغرب واختراعاته عندما ظهر الهاتف تعجبوا وقالوا [أنت في مكانك تتكلم عبر سلك فيسمعك الآخر على مسافة مئات أو آلاف الكيلومترات،فهذا قمة التطور)!!
وعندما ظهر الراديو قالوا(المذيع يتكلم في مبنى الإذاعة،ويسمعه ملايين الناس عبر أجهزة الراديو،حتى دون سلك، فهذا أكثر تطوراً من الهاتف الأرضي المتصل بالاسلاك.هذه قمة التطور)!!.
وعندما ظهر التلفزيون قالوا مثل ذلك وأكثر، وعندما اكتُشف الهاتف النقال أو الجوال انبهروا به واعتبروه قمة التطور.وعندما ظهر الانترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي قالوا هذه هي أرقى ثمار التطور.وهكذا الأمر بالنسبة لعالم الجينات و الروبوت و الحاسوب و المركبة الفضائية و الخلايا الجذعية والطائرة المسيرةوو... والآن عندما ظهر الذكاء الاصطناعي اعتبروا قبلتهم الغرب و اليابان وتنكروا لأمتهم ودينهم وقيمهم!!
لاشك أن كل هذه الوسائل والاختراعات مفيدة ومهمة وجيدة (وفيها سلبيات أيضاً) و لكن مصدر العلم الأصلي هو الله جلت عظمته.
لنقرأ معاً:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}[الإسراء/۸۵]. {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾[العلق ٣-٥].{ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ }[الأنعام/ 38 ] .أي: ما أهملنا ولا أغفلنا، في اللوح المحفوظ شيئا من الأشياء، بل جميع الأشياء، صغيرها و كبيرها، تم تثبيتها و توضيحها.{ وَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ } . [النحل: 89]نزل عليك يا محمد هذا القرآن بيانا لكلّ ما يحتاجه الناس من معرفة الحلال والحرام والثواب و العقاب والعلوم و المعارف، وما تحتاجه البشرية في مسيرتها يلهمه الله -سبحانه- للعقل البشري تدريجيا ، رحمة منه بمخلوقاته.ختاماً:{نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْ لا تُصَدِّقُونَ (٥٧) أَ فَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (٥٨) أَ أَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (٥٩) نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَ ما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٦٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَ نُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ (٦١) وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ (٦٢) أَ فَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ (٦٣) أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (٦٤) لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (٦٥) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (٦٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٦٧) أَ فَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَ أَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (٦٩) لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ (٧٠) أَ فَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (٧١) أَ أَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ (٧٢) نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَ مَتاعاً لِلْمُقْوِينَ (٧٣) }الواقعة [٥٧-٧٣]{فاعتبروا يا أولي الألباب}
بقلم: د.رعد هادي جبارة
الأمين العام للمجمع الدولي للقرآن