قبل أسبوعين، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أنّ القادة الأوروبيين سيسعدون بوجود "تركيا أسهل"، في إشارة إلى الرغبة الأوروبية في أن يخسر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في الانتخابات الرئاسية الحالية.
وأشارت الصحيفة إلى أنّ الغربيين، ولا سيما الإدارة الأميركية، يودون رؤية إردوغان خاسراً، لمصلحة المعارض كمال كليجدار أوغلو.
وقالت "نيويورك تايمز" إنّ تركيا، العضو المهم والإستراتيجي في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، أصبحت، تحت حكم إردوغان، "شريكاً مزعجاً بشكل متزايد للاتحاد الأوروربي".
إلا أنّ "الناتو"، بحسب الصحيفة، يأمل أن يؤدي تغيير القيادة التركية "إلى إنهاء المواجهة بشأن الموافقة على عضوية السويد في الحلف"، قبل القمة المقرر عقدها في فيلنيوس، بليتوانيا، في تموز/يوليو المقبل.
وفي الداخل التركي، سعت المعارضة ومرشحها، كمال كليجدار أوغلو، الذي سمّاه الإعلام الغربي بـ"غاندي تركيا"، إلى الإطاحة بإردوغان.
ووظّفت المعارضة مشاعر معاداة اللاجئين لمحاولة الفوز في الانتخابات، كما قالت "الغارديان" البريطانية. وحاول كليجدار أوغلو كسب تأييد الناخبين، خصوصاً الشباب، مستغلّاً الأوضاع الاقتصادية الصعبة، ووعد بإعادة النظام البرلماني، بعد تحسينه، إلى البلاد.
أما الآن، بعد إعلان إردوغان فوزه في الانتخابات الرئاسية في جولتها الثانية، كيف ستبدو الصورة، في الداخل والخارج؟
خارجياً
رأت "مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي" أنّ هامش التفكير الإبداعي للغرب سيكون محدوداً مع فوز إردوغان، فـ"21 عاماً من الخبرة مع الحكومة الحالية استنفدت في الغالب توقعات الغرب بتحسين نوعي في العلاقات".
وخروج الرئيس التركي من هذا الاستحقاق منتصراً يعني، وفقاً للمؤسسة، أنّ إردوغان و"إحساسه الذي لا يقهر" سيصل إلى مستويات عالية جديدة، ما سيزيد من ما سمّته "سلوكه الناري".
أما عن العلاقات بين أنقرة وواشنطن وباقي العواصم الغربية، قالت المؤسسة إنّها ستكون "خاليةً من المرونة، وعرضةً للأزمات الظرفية".
والسبب وراء ذلك يكمن في أنّ تركيا ستكون بحاجة ماسة إلى التدفقات المالية الأجنبية بفعل الضائقة الاقتصادية التي تشهدها البلاد، كما قالت المؤسسة، ما سيدفع إردوغان إلى إدارة سياسة بلاده الخارجية ضمن قيود هذا الواقع، أي بـ"قدر أقل من المغامرة، والمزيد من الاستقرار".
لكن في الوقت ذاته سيستمر زعيم حزب العدالة والتنمية في "رؤية تركيا كقوة إقليمية، وعضو في نادٍ جديد من البلدان"، يضم الصين وروسيا، التي ترى نفسها كتلة سلطة مستقلة، بحسب معهد الدراسات التركية بجامعة ستوكهولم.
"الكونسورتيوم الأوروبي للأبحاث السياسية" (ECPR) قال إنّ نهج المعاملة التركية في السياسة الخارجية سيستمر مع بقاء إردوغان في السلطة، وستستمر العلاقات المتوترة مع الاتحاد الأوروبي، "من دون أي تقدم نحو المشاركة البناءة".
وفي شرق المتوسط، رأى الموقع أنّ التوترات لن تنحسر مع قبرص واليونان، بل إنّها قد تتفاقم، مع ضغط أنقرة من أجل حل الدولتين عن الجزيرة.
أما في سوريا، فتوقّع الموقع استمرار محاولات الحكومة التركية، تحت حكم إردوغان، لتطبيع علاقاتها مع سوريا، ودول أخرى. ومن شأن ذلك أن يسهّل عودة بعض اللاجئين السوريين إلى وطنهم، كما قال الموقع، مع الالتفات إلى أنّ موضوع اللجوء تصدّر اهتمامات الناخبين الأتراك.
من جهتها، رجّحت "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" (FDD) التزام الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا الصمت، وعملها على إيجاد طرق جديدة للعمل مع إردوغان عند فوزه.
وفيما يُتوقّع أن تكون العلاقات مضطربةً مع الغرب، يُنظر إلى أنّها ستكون أكثر استقراراً مع روسيا، خصوصاً بعد مشاركة إردوغان، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في احتفال رسمي، بمناسبة بدء تزويد محطة "أكويو" للطاقة النووية بالوقود النووي، قبيل أيام من بدء الانتخابات العامة في تركيا.
وخلال الاحتفال، الذي أقيم في نيسان/أبريل الماضي، أكد بوتين، أنّ المحطة هي أهم مشروع لروسيا وتركيا، ووعد بأنّه سيسمح بتطوير العلاقات الاقتصادية المشتركة، وتعزيز التجاور بين البلدين.
وحافظت تركيا في عهد إردوغان على علاقاتها مع روسيا، في وقت قطعها الغرب بعد بدء موسكو عمليتها العسكرية في أوكرانيا. ومؤخراً، أدت أنقرة الدور الأبرز، إلى جانب الأمم المتحدة، في إتمام "صفقة الحبوب" بين أوكرانيا وروسيا، التي أعلن إردوغان تمديدها، قبل أسبوعين.
وهذه الصفقة تُعَدّ جزءاً لا يتجزأ من مجموعة اتفاقات محددة لمدة 3 أعوام، تنص على رفع الحظر عن الصادرات الروسية من المواد الغذائية والأسمدة، وإعادة ربط البنك الزراعي الروسي بنظام "سويفت SWIFT"، واستئناف توريد الآلات الزراعية وقطع الغيار والخدمات.
داخلياً
على صعيد الداخل، أعلن رئيس حزب العدالة والتنمية أنّ برنامجه الاقتصادي للمرحلة المقبلة، يكشف عن عودة إلى سياسات أكثر تقليدية بشأن اقتصاد "السوق الحر".
وثمة حديث عن أنّ برنامج إردوغان الاقتصادي سيكون مشابهاً جداً للبرنامج المنصوص عليه في البرنامج الانتخابي للعدالة والتنمية لعام 2002. وبعبارة أخرى، فإنّ حزب العدالة والتنمية سيعود إلى "أصوله"، ويتخلى عن "الاقتصاد البدعي".
وخلال الأشهر الماضية عمدت الحكومة التركية إلى ما يسمى "اقتصاد الانتخابات"، الذي تتخلّله زيادة الإنفاق الحكومي وتقليل الجباية، عبر رفع الحد الأدنى للأجور وتسهيل القروض وجدولة الديون ودعم بعض الشرائح.
ويسعى تحالف الجمهور، الذي يقوده إردوغان، إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي لتركيا، وزيادة النمو السنوي بنسبة 5.5%، من عام 2024 إلى عام 2028.
كذلك، يعمل التحالف على تحقيق ناتج محلي إجمالي قدره 1.5 تريليون دولار، بحلول نهاية عام 2028، واعتماد سياسة تطوير قطاع الصناعات الدفاعية ومكافحة الإرهاب، وإنشاء مشروع "قناة إسطنبول".
ووعد الرئيس التركي الناخبين بجعل تركيا "قوية ومتعددة التحالفات"، كما وعد بخلق 6 ملايين وظيفة، متهماً الغرب بـ"محاولة الإطاحة به، بعد أكثر من عقدين من الزمن في الحكم"، بالإضافة إلى إعطاء السياحة دفعةً كبيرة.
لكن المعارضة تشكّك بوعود إردوغان، لا سيما في المسألة الاقتصادية، وقد قدّم تحالفها الكثير من الوعود الاقتصادية. إلا أنّ الانتقاد الأبرز الذي طالها هو أنّها لا تقدّم آليات وسياسات واضحة لتحقيق وعودها.
وأمام هذا الواقع، يكون الداخل التركي عرضةً لكباش سياسي محتدم بين الرئيس المنتخب ومعارضيه، خصوصاً مع تصريح كليجدار أوغلو بأنّه "حزين لمستقبل تركيا"، من دون أن يقرّ رسمياً بالخسارة.
وطُرح موضوع النظام السياسي الذي يحكم البلاد كأحد العناوين الأساسية التي احتدمت المنافسة الانتخابية بشأنها. وفي حين كانت المعارضة تتوعّد إعادة النظام البرلماني لحكم تركيا في حال فوز مرشحها، كمال كليجدار أوغلو، وعد "العدالة والتنمية" بالحفاظ على النظام الرئاسي.
وتبعاً لنتائج الانتخابات، فإنّ تولي إردوغان الحكم لـ5 سنوات أخرى، يعني استمرار العمل بالنظام الرئاسي، الذي يؤمن للرئيس صلاحيات واسعة، أبرزها تعيين كبار مسؤولي الدولة، بشكل مباشر، بمن فيهم الوزراء ورؤساء الجامعات والقضاة.