بسم الله الرحمن الرحيم وبه تبارك وتعالى نستعين وأزكى الصلاة وأتم التسليم على أشرف الخلق محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.. أحبتنا المستمعين في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،، تحية طيبة قرآنية لكم أيها الأفاضل وأنتم تتابعون برنامجكم "نهج الحياة" وتفسير ميسر من آي الذكر الحكيم حيث سنبدأ في هذه الحلقة تفسير سورة نوح المباركة نشرعها بالإستماع الى تلاوة آياتها الأولى حتى الرابعة فتابعونا على بركة الله...
بسم الله الرحمن الرحيم.. إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{1} قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ{2} أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ{3}
يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاء لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{4}
أيها الأكارم، وردت قصة نبي الله نوح (ع) بالتفصيل في سور: الأعراف وهود والمؤمنون والشعراء والقمر ونوح؛ وأكثرها تفصيلاً كان في سورة هود؛ فنقرأ في قصته عليه السلام أن قومه نسبوا الضلال له وكانوا دائماً يسخرون منه وكانوا ينعتونه بالجنون وخفة العقل؛ ولكنه ظل يدعوهم إلى الهدى.. وتشير الآية الثانية إلى أنه أعظم رسالة للأنبياء هي الدعوة للتوحيد وإطاعة المبعوث الإلهي ورعاية التقوى.
وتشير الآية الرابعة إلى أن للإنسان أجلان، أجل يتأخر بالعبادة والتقوى ويتقدم بالذنب والمعصية؛ وأجل نهائي غير قابل للتغيير وإسمه (الأجل المسمى).
وعن الإمام الصادق (ع): (يعيش الناس بإحسانهم أكثر مما يعيشون بأعمارهم ويموتون بذنوبهم أكثر مما يموتون بآجالهم).
ومما تعلمه إيانا هذه الآيات الكريمة أولاً: يجب تحذير الغافلين لا تبشيرهم.
ثانياً: يجب أن تكون التحذيرات الدينية واضحة ومشفقة.
ثالثاً: الإيمان والعمل الصالح سبب في طول العمر ودفع البلاء.
ورابعاً: حب الحياة والنجاح هو مطلب طبيعي؛ ولهذا كان ثواباً على الأعمال الحسنة.
أما الآن، أيها الإخوة والأخوات، ننصت وإياكم خاشعين إلى تلاوة الآيات الخامسة حتى التاسعة من سورة نوح المباركة..
قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً{5} فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً{6} وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً{7} ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً{8} ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً{9}
مما نستقيه من معين هذه الآيات الشريفة، أيها الأطائب، أولاً: إن الله عليم بكل أحوال الإنسان ولكن المناجاة ضرورية.
ثانياً: الشكوى إلى الله، هي أسلوب الأنبياء.
ثالثاً: لن تسفر دعوة النبي عن أي نتيجة إذا لم يكن ثمة استعداد للقبول.
رابعاً: الناس أحرار، فهم يستطيعون أن يصروا على المخالفة في مقابل إصرار الأنبياء على الهداية.
خامساً: يصل العناد بصاحبه إلى مرحلة لا يسمع فيها ولا يرى ويصر على عمله ولا يتنازل.
وسادساً: يجب أن تؤخذ حالة الناس وظرف المكان والزمان بالإعتبار عند التبليغ، فأحياناً يجب أن يكون سرياً وخاصاً وأحياناً يجب أن يكون عاماً وعلنياً.
مستمعينا الأفاضل، في هذه اللحظات، نصغي وإياكم إلى تلاوة مرتلة من الآيات العاشرة حتى الثانية عشرة من سورة نوح المباركة..
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً{10} يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً{11} وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً{12}
كلمة (مدرارا) أيها الأحبة، جاءت من الدرر بمعنى هطول المطر الغزير.
وورد في مواضع عدة من القرآن الكريم الحديث عن الإرتباط العميق بين العقيدة والعمل الفاسدَين بالقحط والفقر، وكذلك ارتباط العقيدة والعمل الصالحَين بالأمن والرفاه.
كما قال تعالى في أحد المواضع (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) ويقول في موضع آخر (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء).
وتشير الآيات إلى أن هدف الأنبياء هو إنقاذ الناس من العذاب الإلهي، فتحدثت آيات سورة نوح، من أولها إلى الآن ثلاث مرات عن الإستغفار.
ومما نستنتجه من هذه الآيات الكريمات أولاً: المغفرة والعفو من السنن الإلهية.
ثانياً: التحفيز المادي والمعنوي ضروريان للدعوة إلى الخير.
ثالثاً: غفران الذنوب ممهد لإستقبال الألطاف الإلهية اللاحقة.
رابعاً: المطر أحد أهم النعم الإلهية.
وخامساً: تحسن الحياة المادية من آثار الإيمان.
إخوة الإيمان، إلى هنا وصلنا وإياكم إلى نهاية هذه الحلقة من برنامجكم القرآني "نهج الحياة" فحتى الملتقى في الحلقة القادمة دمتم بخير ونسالكم الدعاء.