بسم الله وله الحمد حمد الشاكرين إذ هدانا الى صراطه المستقيم والصلاة والسلام على الهادي الأمين والسراج المنير سيدنا ونبينا محمد وآله الأطيبين الأطهرين.. حضرات المستمعين في كل مكان سلام من الله عليكم ورحمة من لدنه تعالى وبركات.. تحية طيبة لكم وأهلاً بكم الى هذه الحلقة من برنامج "نهج الحياة" حيث سنكمل فيها تفسير ما تبقى من آيات سورة المعارج المباركة نستهلها بالإستماع إلى تلاوة آياتها السادسة والثلاثين حتى التاسعة والثلاثين فتابعونا مشكورين..
فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ{36} عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ{37} أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ{38} كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ{39}
أيها الأكارم، مفردة "مهطعين" هي بمعنى مد العنق أو التحديق أو السعي بسرعة للبحث عن شيء.
وجاء في الرواية بأن المنافقين قد ذُكروا عند أمير المؤمنين علي (ع) فقال: (وما زال رسول الله (ص) يتألفهم ويقربهم ويجلسهم عن يمينه وعن شماله حتى أذن الله تعالى له في إبعادهم) وأشار إلى قوله عز من قائل (فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ) لأن الكفر هو عدم التسليم وليس عدم المعرفة؛ مثل الشيطان الذي كان يعرف الله ويعترف بالقيامة فقد قال (أنظرني إلى يوم يبعثون) إلا أنه لم يكن مسلماً لله سبحانه. وعلى كل حال، عزيزي المستمع، فإن العلم غير الإيمان، فقد كان المنافقون يعرفون النبي ولكنهم لم يسلموا ولذلك أطلق عليهم لقب الكافرين.
وأما (قِبَل) فبمعنى مقابل؛ و(عزين) جمع عِزَة بمعنى المجموعات المتفرقة.
ولقد كان الكفار يقولون بسخرية: إذا كان كلام النبي عن الجنة صدقاً فنحن أيضاً سنكون من أصحاب الجنة وسندخلها قبلهم؛ بقوله عزوجل " أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ".
ومما نتعلمه من هذه الآيات الكريمة أولاً: للقرآن جاذبية، بحيث حتى المعارضون كانوا يجتمعون حوله ويمدون أعناقهم ليستمعوا إليه.
ثانياً: لا تفرحوا بكل تجمهر واستقبال حار من الناس.
ثالثاً: قد يتواجد الأعداء حول المؤمنين لمعرفة أخبارهم وقراراتهم.
رابعاً: الذين يعلمون مما خلقوا يجب أن يعلموا كذلك أن الخالق قادر على خلقهم مرة أخرى.
أما الآن، إخوة الإيمان، ننصت وإياكم خاشعين إلى تلاوة الآيات الأربعين حتى الرابعة والأربعين وهي آخر آيات سورة المعارج المباركة..
فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ{40} عَلَى أَن نُّبَدِّلَ خَيْراً مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ{41} فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ{42} يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ{43} خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ{44}
أيها الأفاضل، المقصود من (المشارق والمغارب) مشرق الشمس ومغربها؛ لأن الشمس تُشرق وتغرب من مواقع مختلفة في كل يوم من أيام السنة.
والمقصود من (خيراً منهم) أي أحسن منهم إيماناً؛ يعني نحن نستطيع أن نهلك المنافقين ونأتي مكانهم بأناس مؤمنين يتبعون الحق ولا ينكرونه.
وتشير الآيات إلى تهديد الله تعالى الكافرين والمشركين والمنافقين بأنه قادر على أن يهلكهم ويأتي بمن هم أفضل منهم. والآية الثانية والأربعين من هذه السورة شبيهة بالآية الثالثة والثمانين من سورة الزخرف حيث تقول (فذرهم يخوضوا..).
وتطلق كلمة "نُصُب" على العلامة التي تُنصب في الطريق للإستدلال.
ومما نستنتجه من هذه الآيات المباركات أولاً: ينبغي أن يحفز قسم الله تعالى بالمشرق والمغرب الإنسان على التفكير فيهما.
ثانياً: نظام الوجود قائم على الحكمة والنظم، بشكل يمكن معه محاسبة طلوع كل يوم وغروبه في مكانه بدقة.
ثالثاً: لا تظنوا أبداً أنكم الأحسن، فإن الله قادر على تبديلكم بمن هو أحسن منكم.
رابعاً: يجب الإرشاد طالما أنه يُحتمل الأثر؛ ولكن بعد اليأس من الهداية يجب الترك.
خامساً: الدعوة والإرشاد واجبان ما دامت توجد أرضية للقبول؛ ولكن إذا ما خاض المدعوون في الحديث وأخذوه لهواً، فيجب تركهم بحال سبيلهم.
وسادساً: السرعة بين الناس المزدحمين، دليل على وحشة الكفار واضطرابهم يوم القيامة.
مع إتمام تفسير سورة المعارج، أيها الكرام، وصلنا الى نهاية هذه الحلقة من برنامج "نهج الحياة"، ختاماً تقبلوا تحياتنا لحضراتكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.