بسم الله وله الحمد كما هو أهله، ثم أزكى الصلاة وأتم التسليم على المبعوث رحمة للعالمين محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين.. حضرات المستمعين في كل مكان سلام من الله عليكم ورحمة من لدنه تعالى وبركات.. تحية طيبة لكم وأنتم تستمعون إلى حلقة أخرى من برنامج "نهج الحياة" حيث سنبتدئ فيها بإذنه تعالى تفسير سورة التغابن المباركة..
تبدأ السورة، أيها الأفاضل، بالحديث عن توحيد الله، ثم تنبه الناس إلى ضرورة مراقبة أعمالهم، وتتحدث عن يوم القيامة، وفي الختام تحث الناس على الإنفاق في سبيل الله وتوصيهم بترك حب الدنيا.
على بركة الله، أيها الإخوة والأخوات، نستهل تفسير سورة التغابن المباركة، بالإستماع إلى الآيتين الأولى والثانية منها..
بسم الله الرحمن الرحيم..
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{1} هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ{2}
تشير الآية الأولى، أيها الكرام، إلى أن المنزه عن كل نقص وعيب هو المستحق للحمد والثناء؛ لذا جاء في الآية تسبيح الله أولاً ثم حمده؛ وفي الصلاة كذلك يذكر التسبيح إلى جانب الحمد.
وكما أشارت الآية الأولى إلى تسبيح كل المخلوقات؛ تشير الآية الثانية إلى كفر بعض البشر، كي لا يظن الكفار بأن الله محتاج لعبادتهم أو أن كفرهم سيضر به.
ومما نستفيده من هاتين الآيتين الشريفتين أولاً: تملك كل المخلوقات في الكون نوعاً من الشعور، وكل يسبح الله وفقاً لهذا الشعور؛ لكن بعض البشر قد شوهوا تناغم هذا الكون بتركهم التسبيح.
ثانياً: يعجز الكثير من الحكام في الدنيا عن إنجاز الإصلاحات وحل المشاكل، ولكن الله تعالى هو الحاكم القادر على كل شيء.
ثالثاً: خلق الإنسان من مظاهر تجلي قدرة الله عزوجل.
رابعاً: الإنسان مخلوق مختار وليس مجبور بقوله تعالى (فمنكم كافر ومنكم مؤمن)
وخامساً: عمل الإنسان دال على عقيدته.
أما الآن، أحبتنا الأكارم، ندعوكم للإستماع الى تلاوة الآيتين الثالثة والرابعة من سورة التغابن المباركة..
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ{3} يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ{4}
المقصود بحسن الصورة في الآية الثالثة، أيها الأفاضل، أن الله تعالى زوّد الإنسان بأشياء تساعده في طريقه للوصول إلى الهدف. فخلق الله تعالى أفضل مخلوقاته، أي الإنسان، من ماء مهين في مكان مظلم، أي الأرحام، وجعل له أحسن صورة.
كما تشير الآية الرابعة إلى أن أفضل وسيلة للإبتعاد عن الذنوب والمعاصي وحصول التقوى هو الإيمان بأن الله تعالى ناظر إلى كل أعمالنا وعالم بكل شيء.
ومن تعاليم هاتين الآيتين المباركتين أولاً: خلق السموات والأرض كان وفقاً لبرنامج وهدف.
ثانياً: الإنسان أجمل وأكمل مخلوق مقارنة بسائر المخلوقات.
وثالثاً: علم الله ليس محدوداً بزمان ومكان أو بأمور وأشياء خاصة؛ وإنما عنده العلم بكل شيء في السموات والأرض والسر والعلن.
أما الآن، إخوتنا الأكارم، ننصت معاً خاشعين إلى تلاوة الآيتين الخامسة والسادسة من سورة التغابن المباركة..
أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{5} ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوا وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ{6}
أيها الأفاضل، كلمة (وبال) بمعنى الثقل، وللطعام الذي يثقل المعدة يقال (وبيل)، كما للمطر الغزير يقال (وابل).
وتشير الآية الخامسة إلى أن العذاب الإلهي ليس مختصاً بيوم القيامة، بل أنزل الله تعالى العذاب على بعض الأقوام، في الدنيا ويعذبهم في الآخرة أيضاً.
كما تشير الآية السادسة، إلى أن للتبليغ أنواع مختلفة وأفضل أنواعه هو التبليغ العملي؛ فجعل الله تعالى الأنبياء من جنس البشر لكي يذوقوا حلاوة هذه الدنيا ومرارتها وليكونوا في عملهم مرشدين للناس، ولكن بعضاً بسبب فكره المحدود اعتبر بشرية الأنبياء نقصاً وكان يقول (أبشر يهدوننا).
ومما نستنتجه من هاتين الآيتين الكريمتين أولاً: كان الناس في زمن النبي (ص) يعلمون بأخبار الأقوام السابقة التي هلكت.
ثانياً: إن الله حليم، ولكن بعض الأفعال تكون منحرفة إلى حد أنها تستحق العقاب الفوري.
ثالثاً: يرسل الله عقابه بعد إتمام الحجة.
ورابعاً: إن الله سبحانه وتعالى ليس محتاجاً في ذاته، وهو أهل للمدح والثناء في أعماله.
بهذا، إخوة الإيمان، وصلنا الى ختام حلقة أخرى من برنامجكم القرآني "نهج الحياة" قدمناه لحضراتكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، شكراً لحسن استماعكم وكرم متابعتكم والى اللقاء.