بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين ثم الصلاة والسلام على أشرف الخلق محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.. أعزاءنا المستمعين في كل مكان سلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.. تحية طيبة لكم وأنتم برفقتنا وحلقة أخرى من برنامج "نهج الحياة" حيث سنبتدئ فيها تفسير سورة الجمعة المباركة بعد الإستماع الى آيتها الأولى فابقوا معنا على بركة الله..
بسم الله الرحمن الرحيم..
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ{1}
أيها الأفاضل، تبتدئ السورة السابقة (الصف) بقوله تعالى (سبح) وتبتدئ هذه السورة بالفعل نفسه ولكن بصيغة المضارع (يسبح) ولربما دل هذا على أن تسبيح الله تعالى وجد في ما مضى وهو الآن موجود وسبيقى.
ويحتمل، عزيزي المستمع، أن تكون الصفات الأربعة في هذه الآية أي (الملك والقدوس والعزيز والحكيم) مقدمة للآية التالية؛ ليبين أن إرساله الرسل ليس ناشئاً عن حاجته للعبادة، بل لأنه الحاكم المنزه والمقتدر، وقد بعث الأنبياء على أساس حكمته ليخرج الناس من الظلمات إلى النور عن طريق تزكيتهم وتربيتهم وتعليمهم الدين والحكمة.
ومما تكمن هذه الآية من تعاليم يمكن القول أن حكم الله وملكه مقرون بالقداسة والحكمة والقدرة؛ و تكون للقدرة قيمة حينما تكون بالحكمة.
أما الآن، أيها الإخوة والأخوات، ننصت معاً خاشعين إلى تلاوة الآية الثانية من سورة الجمعة...
هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ{2}
كلمة (أمي) أيها الكرام، منسوبة إلى كلمة (أم)، وقد أطلقت هذه الكلمة على أهل مكة، إما من باب أن مكة هي أم القرى أو من باب أن هذه الكلمة في اللغة العربية تطلق على من لا يعرف القراءة والكتابة، لأنه على الحالة التي كان عليها حين ولدته أمه.
أما (يزكيهم) من مصدر (تزكية) بمعنى الرشد والنمو المصاحب للخير والبركة. يعني أن الرسول الأكرم مأمور بأن يزيل الأخلاق السيئة من بين الناس وينشر بينهم الأخلاق الحسنة حتى يصلوا إلى الرشد والكمال.
والمقصود هنا من (الحكمة) هي تلك المعارف والحقائق التي نستخلصها من القرآن وتساعد على تغيير نظرة الإنسان إلى المعالم وترشده إلى التفكر السليم، وبهذا تهيء له الأرضية للوصول إلى السعادة.
ومما تعلمه إيانا هذه الآية المباركة أولاً: تلاوة القرآن وسيلة ومقدمة للتزكية، والتزكية مقدمة على العلم والتعليم.
ثانياً: يجب أن تحصل التربية وتزكية النفس في ظل الأنبياء والآيات الإلهية.
وثالثاً: من الممكن القيام بأعمال تربوية حتى في المجتمع الفاسد.
أما الآن، أيها الأحبة، نستمع وإياكم الى تلاوة الآيات الثالثة حتى الخامسة من سورة الجمعة المباركة..
وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{3} ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ{4} مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{5}
أيها الأكارم، ورد في التفاسير أنه عندما نزلت الآية الثالثة من سورة الجمعة، سئل رسول الله (ص) عن المقصود بـ(الآخرين)؛ فوضع يده المباركة على كتف سلمان وقال: "لو كان الإيمان منوطاً بالثريا لناله رجال من فارس".
أما الآية الخامسة تتحدث عن اليهود الذين كانوا يعرفون نبي الإسلام من كتابهم السماوي، التوراة، ولكنهم وبسبب عنادهم لم يقبلوا برسالته.
نعم أيها الأفاضل، ينتقد القرآن الكريم في هذه السورة اليهود بالظاهر ولكن هذا الانتقاد في الحقيقة هو كناية يراد بها القول للمسلمين: حذار أن تستمعوا للقرآن دون أن تعملوا به.
ومن تعاليم هذه الآيات الشريفة أولاً: لم تكن رسالة نبي الإسلام (ص) خاصة بالناس المعاصرين له ولكنها شاملة لكل الناس من بعده، من أي قوم كانوا ومن أي إقليم.
ثانياً: للنبوة فضل ومقام عظيم والله يعطيها لمن يشاء، ولأنه حكيم فهو يعطي هذا المقام لأهله.
ثالثاً: إن اختيار الكتاب السماوي وحمله ليس مهماً، بل المهم هو العمل به.
ورابعاً: عدم العمل بالعلم هو نوع من التكذيب العملي لهذا العلم.
إخوة الإيمان، بهذا قد وصلنا الى نهاية هذه الحلقة ضمن برنامج "نهج الحياة" نرجو أن قد نالت رضاكم، فشكراً لحسن استماعكم وفضل متابعتكم لهذا البرنامج والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.