بسم الله وله الحمد في الأولى والآخرة.. ثم الصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وحبيب إله العالمين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.. حضرات المستمعين الأكارم سلام من الله عليكم ورحمة من لدنه تعالى وبركات.. تحية لكم أينما كنتم وأنتم تستمعون الى لقاء آخر من برنامجكم "نهج الحياة" حيث سنكمل فيها بإذنه تعالى تفسير ما تبقى من آيات سورة الحشر المباركة إبتداءً بالإستماع الى تلاوة الآيتين الحادية والعشرين والثانية والعشرين منها فابقوا معنا مشكورين..
لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ{21} هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ{22}
ورد الأمر ، أيها الأحبة، بقراءة الآيات الأخيرة من سورة الحشر في عدد من الروايات، وذُكِر لقراءتها ثواب عظيم، وبركات جمّة، ومنها الحصول على ثواب الشهداء ومقامهم.
وقد تشتمل الآيات الثانية والعشرين حتى الرابعة والعشرين على الإسم الإلهي الأعظم، لأن فيها ما يقرب من خمسة عشر إسماً، وبمزيد من العناية والتدقيق، تشير كل واحدة منها إلى صفة كمال من كمالاته تعالى.
ومما تعلمه إيانا هاتان الآيتان المباركتان أولاً: التأنيب غير المباشر، من الأساليب التربوية الناجحة.
ثانياً: أمثال القرآن، تحتاج إلى التدبر والتأمل، وإلا لا يتسنى إدراكها وفهمها.
ثالثاً: الوحدانية من أول الصفات الإلهية وأهمها.
رابعاً: على الرغم من أن الله يعلم كل شيء، فإنه يتعامل مع عباده بالرحمة.
وخامساً: لا فرق في علم الله بين الغيب والشهود.
أما الآن، أيها الكرام، ندعوكم للإستماع الى تلاوة الآية الثالثة والعشرين من سورة الحشر المباركة..
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ{23}
"الملك" هو المالك للأمر والمتصرف فيه. و"القدوس"، عزيزي المستمع، هو المنزه عن كل عيب ودنس. و"المهيمن" هو صاحب السلطة المطلقة التي لا تزاحمها سلطة. وأما "الجبار" هو القادر على الجبر، والذي يجبر. و"السلام" مصدر مستخدم كصفة مثل عدل بدل عادل، والسلام هو الذي يتعامل بسلامة وعافية. و"المؤمن" إخوتنا الأفاضل، هو الذي يعطي الأمان من الأخطار.
كما تشير الآية إلى أن الملوك والحكام في الدنيا، محاطون بكل أشكال العجز والمحدودية، ومع ذلك لا يأمن المحكومون شرهم. أما الله سبحانه وتعالى فهو الحاكم المطلق، المقدس المنزه عن كل عيب ونقص في سلطته وذاته، يجمع بين إعطاء الأمان والأمن وبين السيرطة الكاملة التي لا يحدها حد، وهو القادر الذي لا حد لقدرته، وقدرته منشأ لجبر نقص كل قدرة ناقصة.
وما نستقيه من هذه الآية المباركة أولاً: من ينبغي أن يكون المعبود الوحيد للوجود كله، هو الحاكم المطلق الذي لا حدود لسلطته وحكمه.
ثانياً: سلطة الله منزهة عن كل نقص، وملؤها القداسة.
ثالثاً: لا يمكن أن يصدر عن الله أي شيء يضر مخلوقاته.
ورابعاً: ظنون المشركين في الله أوهام باطلة، وفي غير محلها.
إخوتنا الأكارم، أما الآن ننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة الآية الرابعة والعشرين وهي آخر آية سورة الحشر المباركة..
هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{24}
"البارئ" أيها الأفاضل، هو الخالق الذي تتمايز مخلوقاته بعضها عن بعض.
وأما هذه السورة، هي السورة الوحيدة التي تبدأ بالتسبيح وتختتم به، وتنص الآية الأولى منها على عزة الله وحكمته، وتنتهي الآية الأخيرة منها بوصف الله بأنه عزيز حكيم.
ومن الدروس التي نستلهمها من هذه الآية الشريفة أولاً: الله سبحانه هو الخالق الذي لم يخلق وفق نموذج سابق يبنى عليه، بل كل ما خلقه الله بديع غير مسبوق.
ثانياً: الله الذي هو أهل لتسبيح الوجود والموجودات كلها، فهو الحائز على الكمالات جميعاً.
ثالثاً: تسبيح المخلوقات، يكشف عن شكل من أشكال الشعور والوعي عند المخلوقات كلها، كل بحسبه.
رابعاً: في تسبيح الموجودات ذكرى وموعظة للذين ليسوا من أهل التسبيح.
وخامساً: قدرة الله مقرونة بالحكمة، وبعيدة عن الجور والظلم.
إلى هنا، إخوتنا الأكارم، وصلنا الى ختام حلقة أخرى من برنامجكم القرآني "نهج الحياة" فحتى لقاء آخر وتفسير ميسر لسورة أخرى من القرآن العظيم نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمته تعالى وبركاته.