الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
ممن صدق الله بما عاهد عليه فقيه اهل البيت وخادمهم الوفي العالم والعامل التقي الورع المرحوم الميرزا عبد الهادي الشيرازي الحسيني. السيد عبد الهادي الشيرازي هو احد فقاء الطائفة الامامية ومفخرة من مفاخرها وعلم بارز من اعلامها ومراجعها وهو رحمه الله موضع ثقة الجميع في دهره حتى اتذكر انه قيل فيه انذاك بالنسبة الى تصديه الى المرجعية فلم يك يصلح الا لها ولم تك تصلح الا له في الواقع المرحوم كان كتلة من الورع والتقوى لقد قرأت وارتقيت المنبر في منزله في ديوانه العام ايام الجمعة، كان لديه مجلس اسبوعي صباح الجمعة، يحضره الكثير من العلماء ومختلف الاصناف من النجف والبلاد الاخرى وكان ذلك في بداية الستينات كنت اقرأ المقدمة في بيته سنوات مع المرحوم الخطيب الشيخ عبد الوهاب الكاشي رحمه الله، طبعاً كنت اشاهده عن قرب وكرقم غريب رقم نادر في كمالاته، ذهن وقاد وفكر صائب، ادراك تام للعرفيات وتواضع للقريب والبعيد، للصغير والكبير، المرحوم الميرزا عبد الهادي الشيرازي هو احد تلاميذ الاستاذ الميرزا الشيرازي اعلى الله مقامه كذلك انه التلميذ الاصولي الكبير الملا كاظم الآخوند الخراساني صاحب الكفاية، الى غير ذلك من اساتذته من فلاسفة الاسلام وقد عرفه احد المترجمين له ان الميرزا عبد الهادي الشيرازي من اكبر حسنات العصر وممن يشار اليهم بالبنان، اضافة الى ما انتجه قلمه من بحوث قيمة في الفقه والاصول والتي لازالت تدرس وتعتبر من المصادر المهمة للباحثين والمدرسين، ايام تدريسه في النجف الاشرف في الحوزة العلمية كانت تلك الايام تعتبر من ايام ازدهار الحوزة العلمية في النجف الاشرف مثلاً شاهدته كان يدرس اوائل الامر في بيته ولما لم يسع المكان لكثرة التلاميذ انتقل بتدريسه الى مسجد الترك وهو مسجد الشيخ مرتضى الانصاري في منطقة الحويش وكان يحضر درسه اكثر من اربعمئة مجتهد آنذاك، الملفت في الامر ان المرحوم الميرزا عبد الهادي الشيرازي لم يبصر والده ولد رحمه الله في نفس السنة التي توفي فيها والده وهو آية الله المبجل السيد رضي الشيرازي، طبعاً نشأ يتيماً ولكنه واصل جهده واكب على دراسة فقه اهل البيت بسهر وعناء حتى لمع نجمه بين اقرانه وهنا ادلي بشهادتي عنه في الدنيا وفي الآخرة بين يدي الله تعالى فأني المتحدث العبد الحقير السيد محمد حسن الكشميري كنت اسمعه وكان بعدما فقد بصره لانه كان كفيف البصر، في السنين الاخيرة من حياته سافر الى ايران لعلاج الماء الابيض في عينيه فاجريت له عملية جراحية في ايران لا نتزاع الماء الابيض الا ان الطبيب اخفق في عمله وفقد السيد بصره على ضوء ذلك وقفل راجعاً الى النجف فكان يشكر الله ويعتبر فقدان لبصره انه نعمة من الله عليه لئلا ينظر الى بعض المناظر التي قد تحمله تكليفاً شرعياً كما اني اشهد واشهد الله اني رأيته حينما اتجهت اليه المرجعية وهذا بعد وفاة المرحوم البروجردي وبعد وفاة المرحوم السيد ابي الحسن الاصفهاني وهو كان شاخص وكعلم بارز لكن توحده وتفرده بالمرجعية، فقبل المرجعية كارهاً لها لانه كان ممن يكره الرفعة والسمعة والظهور والشهرة واعتقد تماماً وبقطع ان الذي عظمه في اعين الناس هو صغر الدنيا في عينيه، وكان قليل الكلام ولا يتكلم الا بقدر ما يكون جواباً شافياً للسؤال اكثر من هذا لايخرج عن حدود الجواب، كرهه للمرجعية لعله كان دخيل في دنو اجله لانه توفي بعد تقلده المرجعية بأشهر معدودة ما تجاوزت الستة اشهر وايضاً لا انسى ان اذكر هذه الملاحظة، كنت اشاهده حينما كان يستلم الحقوق الشرعية والاخماس كانت يداه ترتجف وبدنه يرتعش خوفاً من المسؤولية، المرحوم السيد ميرزا عبد الهادي الشيرازي كما كان فقيهاً اصولياً محدثاً كان شاعراً ايضاً، كان يتمتع بروح ادبية عالية كنت انا وغيري من الخطباء يلقون الشعر حينما يلقون بعض القصائد كان المرحوم يستعذب الشعر وكان يتلذذ بسماع القصائد الرائعة في مدح اهل البيت وفي رثاء اهل البيت وعلى ضوء هذا كان ايضاً ينظم وله في باع الادب خدمات لاهل البيت وخدمات لثقافة اهل البيت مثلاً كنت انا منذ صغر سني كنت احفظ له بعض القصائد، قصيدة له في رثاء ابي طالب(ع) ابو الامام امير المؤمنين وعم الرسول وكافله ومحاميه واحفظ له قصيدة في رثاء الحسين وهي في ميلاد الحسين ايضاً وهي قطعة شعرية موشحة في ميلاد الحسين(ع) ولعلها من اجمل ما نظمه:
ظهر النور المبين الزاهر
فبدا الغيب وزال الساتر
ولد السبط الزكي الطاهر
من بحفظ الدين قد نهضا
فهو لولا شخصه لم ينصر
لم اصرح بأسمه حيث الهنا
كلما ثار به عاد عنا
فأسمه والحزن قدما قرنا
وهو للقلب يثير المضضا
بلظى الاحزان ذات السعر
فأستمع ياصاح ذكراه فقد
ضاق صدري وبه القلب اتقد
ولذكر الطف صبري قد نفذ
وكأن القلب في جمر الغضا
لحسين السبط خير البشر
ثم يقول:
لست انساه وحيداً بالطفوف
مفرداً مستضعفاً بين الالوف
ضامئاً يسقي العدى كأس الحتوف
آيساً يرقب محتوم القضا
ينذر القوم بأقوى النذر
ما افاد الوعظ بالقوم اللئام
وغدت ترمي حسيناً بالسهام
فأنثنى السبط لتوديع الخيام
فأتت تسرع بنت المرتضى
والنسا من خلفها بالاثر
توفي(رض) في شهر صفر عام 1382هـ وحمل جثمانه من الكوفة الى النجف محمولاً على الاكتاف ودفن في مقبرة الاسرة بباب الطوسي بجوار الامام امير المؤمنين نسأل الله له الرحمة والرضوان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******