الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد و آله الطيبين الطاهرين.
من نوادر الصادقين المفكر الاسلامي والعالم والفيلسوف الالهي المتبحر المرحوم السيد محمد حسين القاضي الطباطبائي(رض) صاحب تفسير الميزان، لقد ولد رحمه الله في مدينة تبريز في ايران عام 1321 هـ واكتوى بنار اليتم مبكراً، وفقد امه وعمره اربع سنوات وفقد اباه بعد ذلك بخمس سنين يعني كان له من العمر تسع سنوات فكان تحت كفالة وصي ابيه الى ان اشتد ازره، هاجر الى النجف عام 1344 هـ بصحبة المرحوم الاميني(رض) ومهاجرته الى النجف الاشرف بأعتبار انها باب علوم رسول الله وهناك غطته فيوضات الامام امير المؤمنين وشملته العناية الالهية فأنخرط في تحصيل فنون العلوم والمعرفة، خطى وظفر برعاية خاصة من المرحوم الشيخ محمد حسين الكمباني الاصفهاني فكان ملازماً له طوال عقد من الزمن، تتلمذ هناك على يد الاصولي الكبير الميرزا النائيني وحضر دروس الفقه عند المرحوم السيد ابو الحسن الاصفهاني، لكن في وسط هذا كان تحمسه لدراسة مناهج القرآن ودخل في عالم التخصص في تفسير القرآن بالقرآن وطبعاً هذه مزية لم يسبقه اليها احد، هذا العلم بالذات تلمذ به على يد الاستاذ الميرزا علي القاضي اعلى الله مقامه، لا يستغرب الاخ السامع حينما اذكر ترجمة هذا الفيلسوف الالهي انه عندما عاد الى تبريز من النجف الاشرف عام 1354 هـ عمل بالزراعة كان يعمل بالزراعة لضمان حاجته المالية الشخصية لانه كان يمتنع من ان يتصرف او يصرف على نفسه من الحقوق الشرعية فكان يزاول مهنة الفلاحة طوال عشر سنوات ولم يصرفه ذلك عن مطالعاته وكتاباته، فقي حديث له مع احد زملائه كان يذكر وقد سمعته شخصياً يقول له لا انسى تلك الايام التي كنت امارس فيها الفلاحة والحراثة بسبب الحاجة الماسة للاعاشة وتدبير شؤون حياتي، بيد ان هذه التجارب في حياة العلامة الطباطبائي وصلت به من حيث الكمالات الروحية وتهذيب النفس الى حد التجرد البرزخي يعني دخل مرحلة اخرى في عالم الايمان واليقين حتى استطاع ان ينكشف له احياناً عالم الغيب والذي لا يتهيأ ذلك للافراد العاديين المرحوم الطباطبائي عكف جاداً يغوص في علم التفسير وفي الواقع يختلف الغواصون وهناك غواص يغوص في البحر فيغرق فيكون نصيبه التفاء وآخر يغوص ويجاهد ويخرج بأيدي خالية وغواص ثالث واعظمهم وانجحهم والذي يخرج اللآلأ الثمنية، المرحوم الطباطبائي(رض) غواص ماهر غاص في بحر القرآن مستلهماً معاينة من اهل البيت ومن باب مدينة العلم وهو امير المؤمنين(ع)، الذي سأل عن فحو الوحي الالهي فقال الا ان يعطي الله عبداً فهماً من القرآن، في الواقع المرحوم الطباطبائي استلهم معاني القرآن من فكر اهل البيت فكان يفسر القرآن بالقرآن من خلال اطروحة الائمة، طبعاً لا يخفى ان هناك كثيرون فسروا وكتبوا عن القرآن ولكن لما نقرأ تراجم هؤلاء من صدر الاسلام الى الآن كتبوا وفسروا ولكن بعضهم حياتهم ملوثة وملفاتهم مشوشة مضطربة بعضهم افنى مقاطع من عمره في الالحاد في الشرك في الوثنية لكن بالنسبة لاهل البيت(ع) فالكل يجمع ويتحد ويتفق على انهم مطهرون، طاهرون من المهد الى اللحد ولذلك قرنهم الرسول(ص)بالكتاب فقال: «اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي» استناد المرحوم الطباطبائي هذا العلم وهو تفسير القرآن بالقرآن منبعه الوحيد هو ثقافة اهل البيت ووجهة نظر اهل البيت، اربعون سنة قضاها المرحوم الطباطبائي في هذا الجهد وكانت زوجته كما صرح بذلك من وراءه تمده بالمصادر وتوفر له الجو الهادئ ليكتب ويفسر الى ان انتج هذا السفر الثمين وهو تفسير الميزان والذي يعتبر دائرة معارف قرآنية فريدة من نوعها، ايها الاخوة في السنين الاخيرة كما تعلموا حدثت في العالم الاسلامي والعالم العربي خصوصاً في ايران، العراق وفي البلاد الاسلامية فتن فكرية فقد غزت شباب المسلمين فكرتان هدامتان، الفكرة الرأسمالية والفكرة الماركسية وكانت عملية تضليل الشباب في الجامعات على اشدها والصراع احتدم وشاهدنا من انحرف وكفر من كفر واصبحت السخرية بالدين وبالله وبالايمان من سمات المدينة والحضارة، الحوزات العلمية كانت تعيش في بوتقة جو العلم الكلاسيكي التقليدي ولم تكن في عطاءها على المستوى المناسب لصد تلك التيارات الجارفة حتى، شب ونهض فريق من العلماء الذين احتووا هذا الغزو الهدام وطبعاً في طليعة هذا القريق السيد الطباطبائي اعلى الله مقامه والواقع احدث ثورة كبرى في الحوزة العلمية في قم المقدسة فطور الدراسة والتدريس وصار نخبة من التلامذة الذين صعدوا الى سلم المواجهة وكان لهم دورهم في قمع الافكار الغازية كالشهيد المطهري، الشهيد البهشتي، الشيخ مفتح الشهيد قدوسي وعشرات من امثال هؤلاء العلماء كلهم من انتاج المرحوم الطباطبائي اعلى الله تعالى مقامه هؤلاء وغيرهم من الموجودين حالياً والذين هم ابطال الحركة الرائدة كلهم نتيجة اتعاب وجهود المرحوم الطباطبائي قدس سره. لا انسى انني التقيت ذات مرة بشيخ الازهر في القاهرة وكان معجباً غاية الاعجاب بتفسير العلامة الطباطبائي وقال لي اني قرأت في حياتي مئة وخمسة وخمسين تفسيراً فلم اجد تفسيراً مسهباً غنياً كتفسير الشيخ الطباطبائي طبعاً ان انقل تعبيره.
المرحوم الطباطبائي كان يقدم البحوث الفلسفية والكلامية التي اسكتت كل الفلسفات المادية التي كانت آنذاك تشق طريقها لتمرض افكار الشباب.
الطريف في الامر انيي أكد على هذه الظاهرة ان هذا الانسان العملاق بتفكيره وبعطاءه وهذه الشخصية الكبيرة ذات هذا الحجم حينما يشاهده الرائي يراه لا يعدو انساناً بسيطاً وهو يتحرك بين الناس كأنسان عادي لا يشعر به الا من يعرفه وطبعاً هذا اسلوب النبي واهل البيت(ع)، كان انسان بسيط فار من البروتوكولات، من البهرجة التي يتنافس عليها معظم ذوي الشأن فيلاحظ زملاءه اكله البسيط، لباسه العادي، حركته الطبيعية وحينما يشاهده المشاهد يقرأ فيه الانسان كل العظمة المرحوم الطباطبائي حينما توفي ترك فراغاً كبيراً ولقد ابنه الامام الخميني(رض) خير تأبين وكان فيما قال في تأبينه بأن فقده احدث فراغاً في المدرسة الاسلامية لا يملأ ابداً، رحمه الله بواسع رحمته ونور ضريحه ببركات اعماله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******