الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
من مصاف الصادقين هو المرحوم العالم الجليل الشيخ اسد الله ابن الحاج محمود آل صفا العاملي الزبديني وهو من مواليد زبدين في جبل عامل ولادته عام 1294 هـ وتوفي في صيدا عام 1353 هـ، طبعاً منطقة جبل عامل في لبنان اغنت العالم الاسلامي في فترة طويلة بجحافل من العلماء الكبار الذين احيوا الفكر الامامي ومدوه بالعطاءات المختلفة ومفاخر هذه المنطقة انتجت مفاخر في الفقة والحديث والتفسير والتاريخ كالشهيد الاول والشهيد الثاني، المحقق الكركي وولده وتلاميذ هؤلاء يعني على هذا الصعيد الحديث طويل وغالباً ما كانوا هؤلاء يسافرون الى بلاد الهند، بلاد القوقاز، ايران، العراق وربما يمرون بأجواء بعيدة جداً لهذا لما نمر في التاريخ العلمي للطائفة الامامية، في التاريخ اللذي نرى قسطاً كبيراً من فطاحل الشعراء والادباء والفقهاء، كانوا من جبل عامل ومن اطرافها اذن المرحوم الشيخ اسد الله العاملي الزبديني رقم لامع، تألق في سماء المعرفة وبرز عالماً وكاتباً وشاعراً يفتخر به تراث اهل البيت وقرأت عنه انه اشتهر بذكاءه وبسعة عطاءه، رغم ميله للعزلة، كان في طبعه يميل للعزلة لكنه تحت ضغط الجماهير وبطلب من الناس ليستفيدوا منه في الاجواء المختلفة عمل لفترة قليلة قاضياً شرعياً آنذاك بسبب الحاح الناس وشعورهم بالحاجة والفراغ، كانت مقالاته، بحوثه تنقل في الجرائد، في المجلات خصوصاً كانت مجلة العرفان المعروفة الشهيرة، كانت في الكثير من اعدادها تنشر له العديد من القصائد في صفحاتها والمقالات العلمية والبحوث الفقهية واتذكر من جملة ما قرأت له من القصائد في مجلة العرفان قصيدة في الحكمة، جميلة وكانت مدونة عندي يقول في قسم منها:
لم ينظر الناس في عقبى امورهم
ولم يجيلوا بخلق الله اذهانا
باعوا بدنياهم دنياً به عقدت
عرى السعادة دنيانا واخرانا
اعمتهم الشهوات المهلكات
عن الباري فسامهم بغياً وكفرانا
الى ان يقول:
ذاك النبي الذي يدلي بحجته
سرالعوالم احياناً فأحيانا
كم جاء بالحجة البيضاء عارية
لاتستطيع لها الايام كتمانا
ثم يعرج فيشير الى مأساة الامام امير المؤمنين بعد وفاة رسول الله وهي مأساة الاسلام ومأساة الحق ومأساة الوجدان، يشير الى معاناة الامام امير المؤمنين ويقول:
أكان يجهل عمرو او معاوية
وصي احمد اذ ساماه عدوانا
لكنها شهوات عند صاحبها
دون البهائم لما عد شيطانا
في الواقع لم يجهلوا وانما يعرفوا قدر علي اما معاوية فكان يردد كلمته «عقمت النساء من ان يأتين مثل علي بن ابي طالب» واما عمر بن العاص فهو الذي نجا من بين ايديه والى هذا اشار الكتاب والادباء بما فيهم، ابو فراس الحمداني فيقول في قصيدته المشهورة:
مت فالانسان لابد ميتاً
وان طالت الايام وانفسح العمر
ولاخير في دفع الردى بمذلة
كما ردها بسوءته عمرو
يعرف عمر وبن العاص ومعاوية قدر علي لكن كما يقول المرحوم الشاعر، يقول:
لكنها شهوات عند صاحبها
دون البهائم لما عد شيطانا
المرحوم الشيخ اسد الله الزبديني العاملي كان دؤوباً على نشر علوم وفقه اهل البيت وقالوا عنه انه لم يفتر عن ذكر الله وترديد اسم الامام المهدي(عج) وكان يدون قصائده ويدفع بها الى المبتدئين في القراءة ليجعلوا منها رسائل موعظة وحكمة وقد قرأت له ابياتاً في هذا المجال وهو يضمنها دعوة القرآن الكريم للانسان بأن يتبصر بنفسه وانه الانسان مجموعة لبراهين الله كما قال تعالى: «ويتفكرون في خلق السماوات والارض» ومرة يقول: «افلا ينظرون الى الابل» ومرة يقول: «وفي انفسكم»، يقول المرحوم الزبديني:
ياباحثاً في الكون عن اسراره
وسر محياك مصون لا يرى
بنفسك ابدأ وامط عن سرها
ستراً اذا كنت زعيماً بالحجا
زعمت ان الكون مفنى سرمداً
فكيف تحضى بعد هذا بالهنا
الى آخر ابياته، وقرأت له ابياتاً على ما يبدو كان من نظمه في اواخر حياته والغريب اتي رأيت من خلال هذه الابيات يتذمر من اخلاق اهل الزمان وسبحان الله ارى العجب حينما اقارن فترة حياتنا الآن، مئة عام قبل كان يستوحش من بعض عاداتهم اهل ذلك الزمان واخلاقهم فيقول:
اكذا العيش ام الحر كذا
ام برى الرحمن خلقي عجبا
يعني بهذا يرى نفسه شاذ عن المجتمع او غريباً عليهم لابتعاد الطبع العام عن الفضائل، سبحان الله لما تموت الفضائل ويأتي انسان بفضيلة يبدو امراً شاذاً، لهذا لما يظهر الامام المهدي(ع) يأتي بدين جديد، اي دين جديد، هو دين جدي لكن لكثرة ما تموت الفضائل وتموت القيم يشعر الناس بأن هذا ديناً جديداً او احياناً ندخل نحن في بعض مجتمعات بعيدة عن الاحكام الشرعية فلما نروي حكماً شرعياً يقولون جئتنا بشئ جديد المرحوم الشاعر هذا العالم الجليل يقول اصبحت ارى نفسي شاذاً:
اكذا العيش ام الحر كذا
ام برى الرحمن خلقي عجبا
ثم يقول:
لم اجد فيما مضى من عمري
مطعماً طاب وماداً عذبا
قد رأيت الناس في عاداتهم
الفوا السوء وعافوا الادبا
كل من كاشفته الفيته
يكره الصدق ويهوى الكذبا
انتشار الكذب والابتعاد عن الحقيقة هذه من اسوء المظاهر التي تدل على ابتعاد الناس عن القيم:
لا ترى فيهم خليلاً صادقاً
بلغ السيل من العذر الزبا
رب خل كان لي اقصى المنى
سامني الود سحاباً خلبا
عاش المرحوم الشيخ اسد الله الزبديني آخر ايامه يعاني الاعتزال ومرض مرضاً عضال حينما اصيب بالفالح "الجلطة الدماغية" وبقي اشهراً ملازماً للفراش وكان في حالة مرضه يكتب وينظم في اهل البيت وفي الموعظة حتى نادته السماء فلبى نداءها ليلقى الله قرير العين ابيض الوجه ببركة اعماله وولاءه لاهل البيت وخدماته لمحبيهم فرحمه الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******