بسم الله الرحمن الرحيم وبه تبارك وتعالى نستعين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.. مستمعينا الأفاضل في كل مكان سلام من الله عليكم ورحمة من لدنه تعالى وبركات.. ها نحن وإياكم وحلقة أخرى من برنامجكم القرآني "نهج الحياة" حيث سنكمل فيها بإذنه تعالى تفسير ما تبقى من آيات سورة الرحمن المباركة بدءً بالإستماع الى تلاوة الآيات الثانية والستين حتى السابعة والستين منها فتابعونا مشكورين..
وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ{62} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{63} مُدْهَامَّتَانِ{64} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{65} فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ{66} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{67}
أيها الأحبة، كلمة "دون" تستعمل أحياناً بمعنى غير، وأحياناً بمعنى تحت. ومن هنا فقد تردد معناها في الآية الثانية والستين بين المعنيين: الأول هو وجود جنتين غير الجنتين المشار إليهما. والثاني أن لأولياء الله جنتين خصهم الله بهما، ولسائر عباده جنتين أدنى مقاماً منهما.
أما "مدهامتان" فمن الدهم، والإدهمام هو الإسوداد، والأدهم هو الأسود، والمراد من الآية هنا وصف الجنة بكثرة الشجرة واشتداد الخضرة حتى تكاد تميل إلى السواد.
و"نضاخ" من النضخ وهو الفوران. وورد في الرواية عن أبي الحسن الأول عليه السلام: (ثلاثة يجلين البصر: النظر الى الخضرة، والنظر الى الماء الجاري، والنظر الى الوجه الحسن) وقد أشار الله عزوجل في هذه الآيات والتي تليها الى هذه النعم.
ومما تعلمه إيانا هذه الآيات المباركة أولاً: شجر الجنة دائم الخضرة وشديدها.
ثانياً: أكبر اللذات وأقربها الى النفس، هي التمتع بالمناظر الطبيعية الخلابة.
ثالثاً: الماء بحد ذاته نعمة، وفورانه نعمة أخرى تضاف إلى أصله.
ورابعاً: فوران الماء من العيون، وجريان الأنهار، ووجود شلالات تسكب الماء، وتنوع الأنهار في الجنة من العسل والخمر واللبن والماء، فتلك نِعَم تستحق من الإنسان الشكر، وعدم التكذيب.
أما الآن، إخوتنا الأفاضل ننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة الآيات الثامنة والستين حتى الثامنة والسبعين وهي آخر آيات سورة الرحمن المباركة..
فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ{68} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{69} فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ{70} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{71} حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ{72} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{73} لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ{74} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{75} مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ{76} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{77} تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ{78}
"رفرف" هو ضرب من الثياب مشبه بالرياض الخضراء. و"عبقري" من عبقر، قيل هو موضع للجن ينسب إليه كل نادر من إنسان وحيوان وثوب، وعبقري حسان هو ضرب من الفرش في ما قيل جعله الله تعالى مثلاً لفرش الجنة.
أما الرمان والتمر من الفواكه التي يبدو أن لها قيمة خاصة، ولذلك نجد أنها تذكر في القرآن الى جانب كلمة فاكهة العامة.
ويبدو، مستمعينا الكرام، أن (حور مقصورات) غير (خيرات حسان) فالجملة الأولى ليست وصفاً لحوريات الجنة، وربما كان المراد من (خيرات حسان) نساء الدنيا، ومن (لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جآن) حوريات الجنة، وقد ورد في بعض الروايات، في وصف النساء المؤمنات في الدنيا أنهن في الجنة أجمل من حور العين.
وحول الحدائق والبساتين المشار إليها في هذه الآيات فوارق نشير إليها في ما يلي:
أولاً: الأقمشة في الطائفة الأولى من هذه الحدائق من حرير، سواء في ذلك الظاهر منها والباطن، وأما في الثانية فالظاهر وحده من أقمشة جيدة وغيرها مسكوت عنه.
ثانياً: جنان المتقين (فيهما من كل فاكهة زوجان) وأما جنان المؤمنين العاديين فـ (فيها فاكهة) ولن يشير الله عزوجل عن زوجية الفاكهة فيها.
وثالثاً: في الحديث عن النساء، أشار الله عزوجل، الى نساء المرتبة الأولى من الجنان بقوله (قاصرات الطرف) وأما نساء المرتبة الثاني فقد وصفهن عزوجل (مقصورات في الخيام).
افتتحت هذه السورة بأحد أسماء الله الحسنى، وهو إسم "الرحمن" واختتمت بكلمة "الإكرام" وفي هذا إشارة إلى أن هذه النعم كلها منشأها رحمة الله وكرمه وإكرامه للإنسان.
ومما تفيدنا هذه الآيات الكريمة أولاً: قد يحتاج الحث على بعض الأفعال، الى استخدام بعض الأمور التي نعرفها ونحبها.
ثانياً: ينبغي تخصيص الأشياء المميزة بالذكر، إلى جانب ذكرها بوصف عام مشترك بينها وبين غيرها.
ثالثاً: نساء الجنة يجمعن بين حسن السيرة والمضمون، وبين حسن الوجوه.
رابعاً: الستائر لها قيمتها وأهميتها حتى في الجنة.
خامساً: الله عزوجل مصدر الخير والبركة كلها، والتبرك باسمه تعالى شأنه مطلوب ومندوب إليه.
سادساً: النعم كلها من جمال وثواب بل ومن عقاب، من تجليات ربوبية الله جل وعلا.
وسابعاً: جلال الله سبحانه مقترن بالكرم والإكرام.
إخوة الإيمان، مع ختام تفسير سورة الرحمن المباركة وصلنا وإياكم الى نهاية هذه الحلقة من برنامجكم القرآني "نهج الحياة" شكراً لحسن استماعكم وطيب متابعتكم لهذا البرنامج ... دمتم بخير وفي أمان الله.