بسم الله الرحمن الرحيم وبه تبارك وتعالى نستعين ثم الصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين المنتجبين.. حضرات المستمعين سلام من الله عليكم ورحمة منه تعالى وبركات، نحييكم أينما كنتم وأهلاً بكم وأنتم تستمعون الى حلقة أخرى من برنامجكم "نهج الحياة" وتفسير موجز من آيات القرآن العظيم حيث سنواصل فيها تفسير سورة الرحمن المباركة بداية بالإستماع الى تلاوة الآيات السادسة والأربعين حتى الثالثة والخمسين منها..
وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ{46} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{47} ذَوَاتَا أَفْنَانٍ{48} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{49} فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ{50} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{51} فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ{52} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{53}
كلمة "أفنان" أيها الكرام، هو جمع "فنن" وهو الغصن الغض الطري، أو جمع "فانّ" وهو النوع والأنواع. وتشير الآية إلى أن الخوف من مقام الله عزوجل من الروادع عن المعصية والتورط في الجرم.
وجاء في عدد من الروايات أن الخوف من الله في الدنيا يعقبه الأمن في الآخرة، وأن الأمن في الدنيا يعقبه الخوف في الآخرة.
وورد في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام، عما كان في وصية لقمان لإبنه: (كان فيها الأعاجيب، وكان أعجب ما كان فيها أن قال لإبنه: خف الله عزوجل خيفةً لو جئته ببر الثقلين لعذبك، وارج الله رجاءً لو جئته بذنوب الثقلين لرحمك)
ومما تفيدنا هذه الآيات الشريفة أولاً: ليس المعيار في محكمة العدل الإلهي الجنس، ولا العمر، ولا العرق، ولا غير ذلك من الأمور، فكل هذه الإعتبارات تسقط وتفقد قيمتها.
ثانياً: الخوف من الله من أهم مناشئ قبول الحق والخضوع له، والعمل الصالح؛ ولذلك كان شرطاً كافياً لدخول الجنة لم يضم إليه شرط آخر.
ثالثاً: الله جل وعلا هو منشأ للرحمة، والتفات الإنسان الى مقامه تعالى شأنه، في نظام الموجود، يولد الدقة والخشية من الإقدام على ما لا يرضاه سبحانه.
رابعاً: التربية تقوم على عمودين هما التهديد والترغيب.
وخامساً: نِعَم الجنة تجتمع فيها صفات التنوع والوفرة وسهولة التناول.
أما الآن، أيها الإخوة والأخوات، ننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة الآيات الرابعة والخمسين حتى التاسعة والخمسين من سورة الرحمن المباركة..
مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ{54} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{55} فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ{56} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{57} كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ{58} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{59}
"بطائن" أيها الأحبة، جمع بطانة، وهي القماش الناعم الذي يُجعل من الجهة الداخلية للثوب وشبهه، و"إستبرق" الحرير السميك. أما "جنى" قطاف الشجر و"دان" قريب في متناول اليد. أما "قاصرات الطرف" بمعنى اللواتي لا ينظرن إلى غير أزواجهن.
ففي هذه الآيات يحدثنا الله عزوجل عن النعم ذات الطبيعة المادية في الجنة مثل السكن في البساتين العامرة بالشجر والعيون والتمتع بأنواع الفواكه والثمار وغيرها من النعم.
ومما نستقيه من هذه الآيات المباركة أولاً: خوف اليوم في الدنيا، أمن الغد في الآخرة.
ثانياً: الميل الموجود عند الإنسان، إلى الطهارة والبكارة، وجمال الزوج، من الخصائص الأصيلة والفطرية عنده، وليس من الأمور التي يتلقاها من البيئة والمحيط الإجتماعي والثقافي.
وثالثاً: في صفات النساء، العفة هي الصفة الأولى ومن بعدها يأتي الجمال، فالله تعالى ذكر العفة أولاً، ثم ثنى بذلك الجمال.
أيها الأفاضل، ندعوكم في هذه اللحظات للإستماع الى تلاوة الآيتين الستين والحادية والستين من سورة الرحمن المباركة..
هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ{60} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{61}
أيها الأكارم، لكلمة (إحسان) معنيان: أحدهما العمل الحسن بحد ذاته، والآخر العمل الحسن تجاه الآخرين؛ أي الإحسان إليهم. والمراد من هذه الكلمة في المرة الأولى المعنى الأول، والمراد منها في المرة الثانية المعنى الثاني.
وجاء عن الإمام الصادق عليه السلام قال: آية في كتاب الله مسجلة. قيل: ما هي؟ قال: قول الله عزوجل (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) جرت في الكافر والمؤمن، والبر والفاجر، ومن صنع إليه معروف فعليه أن يكافئ به، وليست المكافأة أن تصنع كما صنع، فإن صنعت كما صنع كان له الفضل بالإبتداء.
ومما تعلمه إيانا هاتان الآيتان الشريفتان أولاً: علينا أن نقابل المحسنين إلينا بالإحسان إليهم.
ثانياً: جزاء الإحسان، يجب أن يكون الإحسان وحده، في كل زمان ومكان، ومع أي شخص كان.
ثالثاً: أهم الأسباب التي تستند إليها فكرة المعاد والجزاء يوم القيامة، هي العدل ومكافأة المحسنين.
ورابعاً: ثواب الله وإحسانه إلينا في مقابل إحساننا، نعمة من النعم التي تستحق الشكر.
إخوة الإيمان، بهذا قد وصلنا الى ختام هذه الحلقة من برنامجكم القرآني "نهج الحياة" فحتى لقاء آخر دمتم في رعاية الله وحفظه.