بسم الله وله الحمد حمد الشاكرين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.. مستمعينا مستمعاتنا سلام من الله عليكم ورحمته تعالى وبركاته.. ها نحن نلتقيكم في برنامجكم القرآني "نهج الحياة" حيث نستأنف في حلقتنا هذه تفسير سورة الرحمن المباركة نبدأها بالإستماع الى تلاوة الآيات العاشرة حتى الثالثة عشرة منها فكونوا معنا ورافقونا مشكورين..
وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ{10} فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ{11} وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ{12} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{13}
"الأنام"، عزيزي المستمع، هي المخلوقات، وتشمل الإنس والجن وسائرها على وجه الأرض. و"الريحان" هو كل نبات حسن الرائحة. أما "الأكمام" فهو جمع "كمّ" وهو الغلاف الذي يحيط بالورد أو الغصن الجديد قبل ظهوره، وتستخدم هذه الكلمة في كم القميص الذي يحيط باليد. وربما كان المراد بالأكمام في الآية خصوص الألياف التي تحيط ببعض النباتات كالألياف التي تحيط بالتمر قبل ظهوره.
وورد في الحديث الدعوة إلى قول "لا بشيء من آلائك رب أكذب" بعد قراءة قوله "فبأي آلاء ربكما تكذبان".
ومما تعلمه إيانا هذه الآيات الشريفة أولاً: خلقت الأرض من أجل خدمة المخلوقات التي عليها ومن هذه المخلوقات الإنسان.
ثانياً: يذكر الله عزوجل النعم المعنوية قبل النعم المادية.
ثالثاً: ربما يدل فصل التمر عن سائر الفاكهة، وتخصيصه بالذكر، على كونه أهم من سائر أنواع الفاكهة.
رابعاً: يترتب على التكذيب بآيات الله لوم وعتاب، فضلاً عن العقاب.
وخامساً: النعم التي منّ الله بها على الإنسان والجن، يراد بها تربية هذين الصنفين من المخلوقات ورشدهما.
أما الآن، أيها الأفاضل، ندعوكم للإستماع الى تلاوة مرتلة من الآيات الرابعة عشرة حتى السادسة عشرة من سورة الرحمن المباركة..
خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ{14} وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ{15} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{16}
"الصلصال" هو الطين المجفف، والفخار هو الجرار الخزفية؛ وأصل المرج الإختلاط و"مارج من نار" أي لهيب مختلط.
أما الجن، أيها الأعزة، مخلوق من مخلوقات الله غير المرئية، ويذكر القرآن بعض المعلومات عنه، ومن ذلك خلقه من نار، في قوله تعالى "وخلق الجان من مارج من نار" ويخبرنا عن خلق الجن قبل خلق الإنسان، في قوله تعالى في الآية السابعة والعشرين من سورة الحجر "والجان خلقناه من قبل" وعن انقسامه، كما الإنسان، إلى مؤمن وكافر، وعن توالده وتناسله، وعن علمه وشعوره، وقدرته على التمييز بين الحق والباطل.
ومما نستقيه من هذه الآيات المباركات أولاً: النظر الى الماضي من العوامل المساعدة على تثبيت الإيمان والتواضع.
ثانياً: منشأ الإنسان مادة لا قيمة لها وربما يكون التنكير مشيراً إلى قلة القيمة.
وثالثاً: التكذيب بالنعمة وإنكارها من الأسباب المؤدية إلى اللوم والتأنيب.
إخوة الإيمان، في هذه اللحظات ننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة الآيتين السابعة عشرة والثامنة عشرة من سورة الرحمن المباركة...
رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ{17} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{18}
أيها الكرام، للشمس مشارق ومغارب متعددة تختلف باختلاف أيام السنة، ولكن الله عزوجل يتحدث في الآية السابعة عشرة عن مشرقين ومغربين فقط، وقد يكون المراد الإشارة إلى أقصى نقطتين للشروق ومثله للغروب مع السكوت عما بينهما. وهذه الحركة ينتج عنها الليل والنهار والفصول. ويرى بعض المفسرين أن المراد من الآية هو مشرقا الشمس والقمر ومغربهما.
ومما تعلمه إيانا هاتان الآيتان المباركتان أولاً: تستوي إحاطة الله ومعرفته بشرق العالم وغربه.
ثانياً: في القرآن إشارة ودعوات للإنسان إلى التعرف على الكون واكتشاف أسراره.
ثالثاً: يدعو القرآن الإنسان إلى التعرف إلى آيات الله في الآفاق وفي الأنفس.
رابعاً: مظاهر الطبيعة نعمة للإنسان والجن.
وخامساً: حركة الأرض تسبب الشروق والغروب، وهذا الأمر من النعم الإلهية على الإنسان.
إخوة الإيمان، بهذا قد وصلنا الى ختام حلقة أخرى من برنامجكم "نهج الحياة" حيث قدمناها لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، فحتى لقاء آخر وتفسير موجز آخر من آيات القرآن العظيم دمتم بخير وفي أمان الله.