البث المباشر

الفقيه الزاهد المرحوم الشيخ المرتضى الانصاري

الأحد 10 فبراير 2019 - 14:50 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- مع الصادقين: الحلقة 180

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
ومن معالم الصادقين في عطائهم الفذ والنيقد والمتبحر الاصولي المرحوم الشيخ مرتضى الانصاري(رض). من منالم يسمع بهذا الاسم هو اسم شهير، هو من سلالة جابر بن عبد الله الانصاري الصحابي الجليل، هذا العالم الالهي انتهت اليه رئاسة الامامية العامة في شرق الارض وغربها خصوصاً‌ بعد وفاة المرحوم الشيخ محمد حسن آل الجواهري صاحب موسوعة الجواهر، الشيخ مرتضى الانصاري اصبحت كتبه ودراسة ‌كتبه معولة لاهل العلم بكل اصنافهم وطبقاتهم، لانجد اي احد من اهل العلم مهما كانت صفته او درجة علمه لايستفيد من كتب الشيخ الانصاري في الواقع كتبه وعطاءه العلمي يعود الفضل اليه في تكوين النهضة العلمية في القرن الاخير في النجف الاشرف، كان المرحوم الشيخ مرتضى الانصاري يلقي دروسه في الفقه والاصول صباح كل يوم في المسجد الشهير الذي اشتهر بأسمه وهو مسجد الشيخ الانصاري وكان هذا الجامع على مقربة من الصحن الحيدري وبجوار مراقد الافذاذ من العلماء الكبار وكان درس الشيخ الانصاري يغص بمئات التلاميذ من العلماء ولا الطلاب فقط وقد تخرج على يده فحول العلماء امثال الميرزا الشيرازي والميرزا الرشتي والشربياني والممقاني وغيرهم من اساطين العلم تغمدهم الله برحمته.
اشتهر الشيخ الانصاري(رض) بأشياء متفرداً‌ بها مثلاً‌ قوة الذاكرة والحافظة فقد جمع بين موهبة الذاكرة وموهبة الحافظة في زمن كان عصيب لا توجد اشرطة الكاسيت ولا الوسائل الاخرى المماثلة فكان يستقصي اقوال العلماء بسرعة يحفظها ولاينساها و يدونها كما هو في شريط المسجل وكان ناقداً‌ جريئاً فقد انتقد المتقدمين والمتحدثين الطبقة المتقدمة والطبقة اللاحقة كان ينتقدهم سواء متفرقين او مجتمعين وكأنه اثبت بجدارته العلمية واستعداده المدهش ان الاوائل لم يأتوا بشيء وانهم تركوا له كل شيء فكان يتدبر الاشياء بعمق ويوزنها بواقعها ووقائعها ثم يعطي لكل شيء حجمه الطبيعي ولكل واقعة حكمها الواقعي وبالاجمال اقول ان حياته كلها فكر وعطاء، يروى ان امه سألت عن هذه الحالة الخارقة للعادة وهو ذكاء ولدها وقوة‌ حافظته فقالت بأنها لم ترضعه الا على وضوء، وكان الشيخ الانصاري بالاضافة الى مقامه العلمي متخلقاً بأخلاق الائمة من اهل البيت(ع)وكان مصداقاً‌ كاملاً لهذا الحديث الذي نحفظه جميعاً وهو «العلماء ورثة الانبياء» ورثة لابمعنى التركة او الارث المادي، بل التخلق بأخلاق الانبياء، الاقتداء بسلوكهم وبسيرة الانبياء، مثلاُ ينقل عن الشيخ الانصاري(رض) قوله ما فعلت فعلاً ‌ولا قلت قولاً‌ ولا كتبت كلمة الا لله ومن اجل الله وهذه هي الترجمة الكاملة لمعنى العلماء ورثة الانبياء وهذا هو المصداق الكامل للعالم العامل الصادق في علمه ومعرفته، يعبد الله في كل شيء يوافق الله وارادة الله ورغبة الله في الصوم والصلاة وفي كل جزء‌ من اجزاء حياته.
يقال ان احد الطلبة الناشئين، شاهد الشيخ الانصاري يوماً في حرم الامام امير المؤمنين(ع) وكان في شهر رمضان وليلة القدر بالذات فسأل الشيخ مولانا سلام عليكم، قال عليكم السلام سأله اي العبادات افضل في هذه الليلة المباركة؟ فتأمل الشيخ الانصاري ثم قال له انت طالب ومبتدئ؟
قال نعم انا ادرس العلم، قال في اي كتاب تقرأ؟ قال الفية ابن مالك فقال له الشيخ الانصاري افضل عمل لك ان تعود الى المدرسة الى غرفتك وتقرأ بكتابك حتى يأخذك النوم، هذا العالم الخرير والزعيم الروحي للطائفة الامامية دون مزاحم ومعارض والذي كان يملك الاموال والنفوس كانت تجبى‌ اليه الاموال لكن يقول من كتب عنه ومن عاصره بأنه عاش عيشة الفقراء المعدمين متهالك في انفاق كل ما يجلب اليه من المال على المحتاجين وقد ذكروا عن زهد الشيخ الانصاري وتقواه انه كان يستشكل ان ينام وعنده مثلاً‌ منكنة -وكانت وحدة النقد آنذاك- كان يفكر ان صاحب هذا المال محتاج وموجود وهو ينام والمال عنده لذلك لما نقرأ في سيرته نجد انه مات ولم يخلف درهماً واحداً وكان غالباً‌ ما يسافر الى كربلاء لزيارة الامام الحسين(ع) فكان يصحبه خادمه يقول الخادم ان الشيخ الانصاري كان يعادلني باللباس وبالطعام وحتى باللحاف يعني كان يساوي ولايرى له اي ميزة علي، يقول الخادم كان لدينا قدر صغير نطبخ به الطعام فأذا نضج الطعام يأكل الشيخ معي مناصفة بنفس القدر ودون ان يكون هناك اي تمييز، سلوكه كان سلوك الدراويش ضرب على الحياة كلها وهذا طبعاً لا تفسير له الا علمه وايمانه وتقواه والا هذه الاموال الطائلة التي كانت تحت اشرافه وتصل اليه لكن منعه من ذلك تقوى الله فكان يؤمن بأن الحقوق الشرعية هي للمحتاجين لاهلها ولاحافز له الا الاقتداء بسيرة الامام امير المؤمنين(ع) واخيراً‌ اقول كان بأمكان الشيخ الانصاري(رض) وهو المفكر الغواص الذي يدعم كل رأي له بأدلة وحجج تخرس الناطقين وتفحم المعاندين كان بأمكانه ان يحتكر من تلك الاموال لنفسه ولابناءه ما يشاء ويبرر ذلك بألف دليل وحيلة لانه مفكر وغواص لانه كان يمكن ان يوجه رأيه وادلته ما يستطيع ان يكم بها اي فم لكن انه عالم خاف الله فلم يلبس الحق بالباطل ولذلك سمعت من افواه الجهابذة يقولون في وصفه بأنه الجوهرة التي ضاعت دون ان يعرف قدره، الشيخ مرتضى الانصاري(رض) مفخرة من مفاخر النجف الاشرف ومفخرة من مفاخر مدرسة اهل البيت وكيان ووجود وتاريخ مشرف لفكر اهل البيت وفقه اهل البيت، والان وقد مر اكثر من مئة عام على ‌وفاته، نجد آراءه حية وهي الوقود لكل مجتهد ولكل باحث في الفقة والاصول ولا يستغني عنها اي مرجع او اي فقيه توفي رضوان الله عليه عام 1281 هجرية ودفن في الصحن الحيدري بجوار الامام امير المؤمنين لينعم بجواره بأعتباره انه كان جندياً مخلصاً حمل رسالة الامام حتى اثقلت كاهله اداء مهام هذه الرسالة الصعبة وليبقى مناراً في افق العلم وسماء المعرفة نسأل الله له الرحمة والرضوان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة