السوداني الذي كان في صلب العملية السياسية في العراق منذ العام 2003 ليس بعيداً عن التحديات التي تواجه العراق، سواء أكانت أمنية أم سياسية أو حتى إقتصادية لم تنتهِ ربطاً بما واجه ويواجه العراق من أزمات منذ سقوط النظام السابق حتى الآن؛ ناهيك عن التحديات مع دول الجوار، العربية منها كالسعودية والأردن والكويت، أو الإسلامية كتركيا وإيران.
لم يبخل الإيرانيون علي محمد شياع السوداني ففتحوا أذرعتهم للقادم الجديد الذي يمسك بزمام قيادة العراق وهو محملٌ بالعديد من الاستحقاقات والهموم التي لا يُحسد عليها، إلا أن الضيف العراقي سمع ما يُثلج صدره ويحمي ظهره؛ فطهران قالت له إنها معه في تعزيز الأمن والاستقرار وإعادة إعمار العراق، وكلها أهداف لا يختلف حولها العراقيون. واللافت للإنتباه أن الهجمات الصاروخية التي شنّها الجيش الإيراني علي مناطق في إقليم كردستان العراقي، حيث تتواجد معسكرات مجموعات كردية إيرانية معارضة تُصنفها طهران في خانة "المجموعات الإرهابية الإنفصالية"، لم تمنع من التشديد علي قضية الأمن الحيوية للبلدين، والأهم أنها لم تكن حاجزاً سواء لدى الإيرانيين أو ضيفهم العراقي في التركيز المتبادل على القضايا التي تهم البلدين.
وتعتقد طهران أن الحكومة المركزية في بغداد تعارض أي تواجد عسكري علي أراضيها يستهدف دول الجوار وتحديداً إيران وتركيا، وهذا ما أكدت عليه أكثر من مرة. كما أن طهران التي تربطها علاقات جيدة بإقليم كردستان العراقي وكذلك بالحكومة المركزية في بغداد لا تستطيع أن تتفهم إستمرار وجود مثل هذه العناصر التي يتعارض وجودها المسلح على الأرض العراقية مع بنود الدستور العراقي الواضحة بهذا الشأن؛ فالعاصمة الإيرانية طهران كانت تتوقع وتنتظر من إقليم كردستان العراق، إستناداً للتعاون والتنسيق المشترك على مدى العقود الأربعة الماضية مع قياداته، أن يعمل من أجل تحييد "الجماعات الكردية الانفصالية" ونزع أسلحتها وعدم السماح لها بأي إستهداف للأمن القومي الإيراني ومنعها أيضاً من استغلال حضورها للتأثير علي الأمن والاستقرار داخل الأراضي العراقية.
من هذه الزاوية، يُمكن رصد ترحيب طهران بقرار رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بنشر وحدات من الجيش العراقي علي طول الحدود العراقية الإيرانية المشتركة؛ لكن هذه الخطوة غير كافية إيرانياً ما لم يتم نزع سلاح هذه الجماعات وابعاد مقراتها عن الحدود المشتركة للبلدين وصولاً إلى إغلاق هذا الملف، لأن العراق ليس بحاجة إلى مشاكل إضافية مع دول الجوار مصدرها هذه المجموعات الانفصالية المزعزعة للأمن على طول الحدود المشتركة للبلدين. زدْ على ذلك أن تواجد هذه المجموعات لا يخدم الأمن القومي العراقي ولا الأمن القومي لاقليم كردستان العراق؛ والأهم من هذا وذاك أنه يتعارض مع روحية الدستور العراقي وقضية السيادة العراقية.
في الجانب الاقتصادي، بحث محمد شياع السوداني مع المعاون الأول للرئيس الايراني محمد مُخبر مواضيع عديدة تخدم العراق وتساعده في تخطي مشاكله، وكانت أول ترجمة توقيع عقد قيمته 4 مليارات دولار لتصدير الخدمات الفنية والهندسية لتنفيذ مشاريع البني التحتية مثل أنابيب الغاز ومحطات الطاقة الكهربائية وانشاء مصافي النفط وغيرها من المشاريع الإستراتيجية إضافة إلي مجالات التعاون الصناعية والتجارية.
سياسياً؛ تناول السوداني مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي عدة مواضيع ذات إهتمام متبادل بين البلدين، وتحديداً ما يخص التطورات الإقليمية والدولية؛ إلا أن الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان للسوداني في محل اقامته بطهران، تمحورت حول العلاقات السياسية بين البلدين، وتحديداً ما يتعلق بالوساطة العراقية لإعادة العلاقات بين طهران والرياض، حيث أعرب عبد اللهيان عن إشادته بالجهد العراقي الذي أدى إلى عقد خمس جولات من الحوار المثمر بين السعودية وإيران؛ مطالباً الجانب العراقي بالاستمرار بهذه الوساطة بما يُحقّق الأمن والاستقرار ليس لإيران والسعودية فحسب، وإنما لدول المنطقة بأكملها؛ حيث أعرب المسؤول الإيراني عن ترحيبه بعودة العراق للعب دوره الفاعل والبنّاء داخل المجموعة الإقليمية والدولية باعتباره عضواً مُهماً في الأسرة الدولية.
وتعتقد الأوساط المهتمة بالقضايا الإقليمية وتحديداً بالعلاقات العراقية الإيرانية أن زيارة محمد شياع السوداني إلى طهران "كانت مرتقبة ومهمة لجهة وضع العلاقات الثنائية علي سكة رئيس الوزراء العراقي الجديد بعيداً عن المحاور والأطر السياسية كما أنها غير موجهة،ـ كما عبّر عن ذلك المسؤولون في البلدين، لأي طرف ثالث سواء في الإقليم أو خارجه بل إنها تقوم علي الإرادة العراقية بتعزيز العلاقة مع المجتمع الدولي".
محمد صالح صدقيان