الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
من مصاديق الصادقين المرحوم الشهيد سعيد بن جبير الاسدي الكوفي، هناك مشهد مزار في منطقة واسط بالعراق وهو قبر الشهيد سعيد بن جبير(رض) وهذا المشهد يعتبر منارة من منارات التضحية والتفاني في سبيل الاسلام واهل البيت.
سعيد بن جبير الكوفي من العناصر النشطة في عهد الامام زين العابدين وهو احد الذين ائنموا بالامام زين العابدين، من التابعين، مشهور بالفقه والزهد والعبادة ومشهور ايضاً بالتفسير وحفظ القرآن، وكان متفانياً لولاء الامام علي(ع).
سعيد بن جبير هو من تلاميذ عبد الله بن عباس (حبر الامة) اخذ منه العلم والتفسير وكان يسمى بجهبد العلماء، روي انه كان يختم القرآن بركعتين وما على وجه الارض احد الا وكان محتاجاً الى علمه.
كان له موقع عندما عامة الناس لكن جنايته الوحيدة وخطأه الكبير هو تظاهره وتفاخره بولاء اهل البيت والدفاع عنهم وهذا كان يشكل جرماً كبيراً عند بني امية ومن لف لفهم لذلك كان مطارداً وكانت السلطة الاموية قد عبئت كل الوسائل من اجل اصطياده واخيراً قبض عليه خالد القسري في البيت الحرم، القرآن يقول: "ومن دخله كان امناً" كان يطوف فقبض عليه وارسله خالد القسري مقيداً الى الحجاج، وتعلمون بأن الحجاج كان يتلذذ من سفك الدماء وكان يعاني من عقدة يتلذذ من سفك الدماء وحالة نشوة عنده، خصوصاً في سفكه دماء محبي اهل البيت، فلما وصلوا بسعيد بي جبير الى الحجاج الى الحجاج بأنه ظفر بخصم لدود له وادخل على الحجاج في ديوانه واستمر الحجاج يحقق معه ويستجوبه امام الناس واول ما سأله: ما اسمك؟ قال: سعيد بن جبير فقال الحجاج: بل شقي بن كسير! فقال سعيد: ان امي اعلم بأسمي وهي التي سمتني، فقال الحجاج: شقيت وشقيت امك قال سعيد: الغيب يعلمه غير فأستشاط الحجاج قال غاضباً: لألينك ناراً تلظى فقال سعيد: لو علمت ان ذلك بيدك لا تخذتك الهاً فمن باب الاحراج سأله الحجاج ما قولك في فلان وفلان، بعض الشخصيات المتبؤة مناصب في صدر الاسلام، هما في الجنة ام في النار؟ فقال سعيد: باحجاج انا لم ادخل الجنة وارى من فيها ولم ادخل النار وارى من فيها!
قال له: ما قولك في الخلفاء؟
قال: لست عليهم بوكيل.
فقال له الحجاج: ايهم احب اليك؟
فقال سعيد: ارضاهم لخالقي.
الحضار والجماهير كلهم مشاعرهم كانت في توتر وهم يستمعون الى هذا السجال والجدل.
قال الحجاج: وايهم ارضى لخالقك؟
فقال سعيد: علم ذلك عند ربي، الله يعلم سرهم ونجواهم.
قال الحجاج: ابيت ان تصدقني.
قال سعيد: بل لم اجد ان اكذب.
فقال الحجاج وكان قد احضر من ينشأ حالات الضحك من المهرجين الا ان سعيد كان محتفظاً بوقاره، فأنتقض الحجاج قائلاً: لم لا تضحك يا سعيد!
قال سعيد: كيف يضحك مخلوق خلق من طين والطين تأكله النار؟
قال الحجاج: اذن ما بالنا نحن نضحك.
قال سعيد: لا تستوي الابصار والقلوب.
هنا وفي حالة خبيثة اخرى امر الحجاج فأحضرت كؤوس الشراب والات اللهو والطرب فبكى سعيد، فقال الحجاج: يا سعيد اختر لنفسك اي قتلة تحب ان اقتلك؟
فقال سعيد: اختر انت اي قتلة تحب ان اقتلك فوالله ما اخترت لنفسي الا قتلتك مثلها في الاخرة!
قال الحجاج: يا سعيد أترجو ان اعفو عنك.
فقال سعيد: ان كان عفو فذاك من الله والله هو صاحب العفو وهو اهل للعفو، اما منك فلا (وهذا يدل على قمة الترفع).
فقال الحجاج: لا فرقن بين اعضاءك واقطعنك.
فقال سعيد: تفسد علي دنياي وافسد عليك اخرتك.
فقال الحجاج: الويل لك يا سعيد.
قال سعيد: الويل لمن زحزح عن الجنة وادخل النار.
فصاح الحجاج: اقتلوه.
فتبسم سعيد، قال له الحجاج: اراك تبتسم؟
قال: تبسمت جرأتك على الله وحلم الله عليك!
ثم امر الحجاج فجاء الجلاد واحضر النطع فاخلوا به جسد(رض) فلما طرحوه ارضاً قرأ هذه الآية "إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفاً وما انا من المشركين".
فقال الحجاج: حولوه عكس القبلة.
فلما حولوه قرأ سعيد بن جبير هذه الآية "فأينما تولّوا فثم وجه الله".
فقال الحجاج: كبوه على وجهه.
فقلبوه على وجهه فقرأ سعيد "منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة اخرى".
فقطع رأسه وكبر الله ثلاثاً، افصح بواحدة ولذلك يقول التاريخ بأن رأس سعيد بن جبير رابع رأس تكلم بعد انفصاله من جسد.
وهنا اذكر هذه اللمحة بأن شاء الله ان يكون الانتقام الالهي حليف الحجاج بسبب مصرع سعيد بن جبير حيث يقال انه لما قتل سعيد، ارتعد الحجاج والتبس عقله واخذ ينادي قيودنا، وبعد ذلك لم يبق الحجاج الاّ خمسة عشر يوماً (سبحان الله) لان دعاء سعيد كان عند مصرعه "اللهم لا تسلطه على احد من بعدي".
استشهد سعيد عام 95 وعمره تسعة واربعين سنة وسجل استشهاده نقطة انتقام الحجاج، وآخر حالة واجهها الحجاج عند احتضاره كان يرتجف وينادي: (مالي ولسعيد، قتلته بلا ذنب) هلك ولعن ولحق بالعذاب الاليم وبقي الخلود والمجد للشهداء ولشهيدنا سعيد بن جبير. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******