الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
سلام الله على حجر بن عدي الكندي(رض)، هذا الرجل من ابرز مصاديق الصادقين، صدق بما عاهد الله عليه، على بعد مسافة خمسين كيلو متراً من دمشق هناك مزار يقصده الناس ويسمى عذراء او عذرا في هذه المنطقة يوجد مزار وقبة تحكي الكابة والمظلومية لهذا البطل العظيم.
حجر بن عدي من خيرة اصحاب الامام امير المؤمنين وله سوابق جهادية وقتالية وسوابق بطولية في مقام الجهاد بالكلمة دفاعاً عن قيم اهل البيت(ع)، ارسله زياد بن ابيه من الكوفة ليلاً، اخرج في حالة من التكتم مع تسعة وحملوا صوب الشام اسرى مكبلين بالقيود حملوا على الجمال وكانت ابنته من على سطح دارها تراقب ذلك الموكب الكئيب وشاهدتهم وقد اتجهوا بهم صوب الشام، معروف ان القوافل اما تطلع صوب البصرة تسلك طريقاً واما صوب الشام تسلك طريقاً، واذا هذه الطفلة ضاق صدرها تنظر الى الموكب في الليل يسير فأخذت تنظر الى السماء وهي تقول: ترفع ايها القمر المنير لعلي ان ارى حجراً يسير.
يسير الى معاوية بن حرب
ليقتله كذا زعم الامير
ويصلبه على بابي دمشق
وتأكل من محاسنه الطيور
تجربت الجبابرة بعد حجر
وطاب لها الخورنق والسرير
الا يا حجر حجر بني عدي
تلقتك الكرامة والسرور
فان تهلك فكل عميد قوم
الى هلك من الدنيا يصير
طبعاً العرف السائد انذاك ان من يحمل من امثال هؤلاء الموالين لاهل البيت لا يرجعون احياء ونهايتهم القتل والصلب لهذا تقول:
ويصلبه على بابي دمشق
وتأكل من محاسنه الطيور
فوصلوا بهؤلاء مسافة خمسين كيلو متراً عن دمشق واذا برسول معاوية، جلاد وصل هناك ومعه مجموعة من الجلادين القتلة فعرضوا عليهم (على حجر واصحابه) اما البراءة من الامام علي او القتل، وافق ستة منهم وبقي حجر وولده الشاب وثلاثة معه هؤلاء اصروا على ان لا يتبرؤا من الامام امير المؤمنين(ع) وكلما كرر عليهم رسول معاوية اصرّ حجر وولده واصحابه وقالوا: (ان حرّ السيف اهون علينا مما تدعوننا اليه، والوفود على رسول الله ووصيه احب الينا من الوفود على جهنم)، حضرت قبورهم امام اعينهم وهذا نوع من حرب الاعصاب، حرب نفسية، تعذيب نفسي، حضرت قبور على عددهم وتقدم اليه رسول معاوية وقال نبدأ بك ولكن ايكما يقتل اولاً انت ام ولدك؟ قال: لا يقتل ولدي قبلي، فقتل ولده ولما قتل ولده امامه نظر اليه وتصبر فقال له رسول معاوية ما اقساك على ولدك كيف ارتضيت ان يقتل قبلك؟
قال: ارتضيت ذلك لامرين، اولاً ان يطمئن قلبي بأن ولدي مضى على مبدئي، هذا يكشف لنا قيمة مبادئ اهل البيت عند هؤلاء، ربما المغريات او الوعود او حب العزائز لذلك يخاطب رسول معاوية يقول ارتضيت ان يقتل ولدي قبلي ليطمئن قلبي بأن ولدي مضى على مبدئي وثانياً يقتل امامي وانظر الى فلذة كبدي يقتل فأصبر لازداد عند ربي اجراً، فلما اريد قتله قال اريد ان اصلي، فصلى ركعتين واطال بالصلاة، فقال له ذلك الجلاد: اطلت صلاتك يا حجر!
قال: ان ربي يعلم انها اخف صلاة صليتها لربي ولو لا ان تظنوا بي جزعاً من الموت لاستكثرت منها، فلما رفع هدية بن فياض الجلاد السيف على رأسه، ارتعد حجر واهتز فقيل له: زعمت بأنك لا تخشى الموت؟
فقال: وكيف لا يخشى الموت من يرى سيفاً مشهورا وقبراً محفورا وكفناً مشهوراً. واثناء تنفيذ القتل اشار الى تلك البقعة وصاح: ان هذا اول دم مسلم مظلوم بهرق في هذه البقعة ظلماً.
اما الستة الذين وافقوا على البراءة، هم في الواقع تلاميذ حجر ولم يكن موقفهم هذا موقفاً فاصلاً انما كان موقفهم هذا تكتيكياً، وزعيمهم وكبيرهم عبد الرحمن بن حسان العنزي معروف من الابطال هو والخمسة طلب ان يؤتى به الى معاوية وجئ بهم الى معاوية فلما مثلوا امامه ضرب عبد الرحمن بن حسان نمطاً رائعاً في موقفه فمثلاً قال له معاوية: ايه اخا ربيعه ما تقول في علي؟ في المجلس وامام الناس قال عبد الرحمن بن حسان: اعفني.
قال: لا اعفيك، لابد ان اسمع جوابك.
فقال عبد الرحمن: اشهد بالله ان علياً كان من الذاكرين الله كثيراً، الامرين بالمعروف والقائمين بالقسط والعافين عن الناس.
فسكت معاوية لكن على تشنج ثم تفجر غضبه صاح: يا اخا ربيع ما تقول في فلان (احد الخلفاء)؟
عبد الرحمن اجابه بكل جرأة: قال انه اول من فتح باب الظلم والجور وسد باب الحق والعدل!
فصرخ معاوية في حالة هستريا: اخرجوهم ثم كتب الى زياد كتاباً قال فيه ان هذا وصحبه شر من الذين قتلتهم في عذراء فأن وصلوك عاقبهم بأشد ما عاقبت به حجر وصحبه، وفعلاً جاءوا بهؤلاء الى الكوفة في منطقة جرداء صحراوية تسمى بقس الناطف فأمر بدفنهم احياء هناك احياء رضوان الله عليهم.
كان لهذا الانتشار والحادث الجلل والخطب الفضيع انعكاسات مهمة في العالم الاسلامي وحتى ان بعض المعادين لاهل البيت ادان هذا التصرف من معاوية مثلاً يذكر صاحب "اسد الغابة": ان ام المؤمنين عائشة رغم علاقاتها الايجابية بالامويين ورغم موقفها المعروف من الامام علي واصحابه الا انها شجبت شجباً شديداً مقتل حجر بن عدي واصحابه بشدة وقالت: "اما والله لو علم معاوية ان عند اهل الكوفة منعة ما اجترأ على ان يأخذ حجراً واصحابه الى الشام ويقتلهم، وقالت: اما والله ان حجراً واصحابه كانوا جمجمة العرب عزاً ومنعة وفقاهة سمعت رسول الله يقول: يقتل اناس في عذراء يغضب الله لهم واهل السماء".
ولما استشهد حجر بن عدي(رض) بلغ ذلك الحسن والحسين(ع) متأثر الحسنان تأثراً كثيراً. والسلام عليه وعليكم ورحمة الله وبركاته.
*******