الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
في مجال الحديث عن الشخصيات الاسلامية والشخصيات الجهادية والتي طعت في تاريخ الجهاد والدفاع عن الاسلام نقف عند شخصية نراقب فيها حالات ملفتة للنظر وهو احد شهداء بين يدي الحسين(ع)، الحر بن يزيد الرياحي. النكات الملفتة في حياة هذا البطل او هذه الشخصية عملية او مانسميه حالياً بالنقلة التي حدثت عند هذا الرجل حينما هزه ضميره، احد الادباء يقول:
لنعم الحر، حر بني رياحي صبور عند مشتبك الرماح لنعم الحر، اذ وافى حسيناً وجاد بنفسه عند الصباح طبعاً الرجل هذا، استشهاده، بين استشهاده وبين هذه النقلة التي مربها ما هي الا لحظات يسيرة، شمله الفيض الالهي واذا به يتحول مئة وثمانين درجة من شخصية، مقاتلة للحسين الى شخصية مقاتلة بين يدي الحسين بين مهاجم للحسين الى مدافع عن الحسين(ع).
طبيعة الحال ايها الاخوة ان هذا الرجل اصالة وذاتاً هو شريف. وطبعاً هذه ساعدت يعني طهارة الذات او الاستعداد الذاتي او ما نسميه بالاستعداد الفطري الانسان اساساً. وبالذات الله سبحانه وتعالى لما يخلق الانسان يبعث فيه روح الحياة ويعطيه هذه المؤهلات وهي الفطرة او طهارة الذات فيخلق الانسان على طريق الفطرة الالهية مؤهلاً بأن يسير في طريق الخير وفي ركاب الصلاح لكن من الذي يخربه. الذي يخربه هي العوامل عوامل الانحراف، صداقة السوء، التربية السيئة، الحاكم السئ، القانون السئ، البيئة السيئة. هناك من الاشخاص من هم في عالم الذات والاصالة وعالم الفطرة هم في ميدان الصلاح لكن العرض يخربهم، العرض هو الذي يسبب لهم الانجراف في متاهات الضلال.
نحن نلاحظ مثلاً مؤشرات طيب الفطرة عند الحر بن يزيد الرياحي. اولاً معروف انه كان كريماً ومعروف انه كان من العرب الاشراف بحيث نلمس هذا من كلامه للحسين لما تواجهوا في الطريق. وطبعاً كان الحر آنذاك قائد، رجل عسكري وتحت امرته مجموعة الف واحد من الفوارس مدججين بالسلاح. وعارض الحسين وصار بينه وبين الحسين(ع) حوار ساخن الى ان انتهى الى ان خاطبه الحسين ثكلت امك. وهو اصالة الشرف عنده من خلال جوابه يقول يا بن رسول الله انا لا استطيع ان ارد عليك بهذا اللون لان امك فاطمة الزهراء (ع). فاذن نلمس من الشخصية هذه لكن كان مدنس بارتباطه بالسلطة الغاشمة سلطة بن زياد سلطة معاوية. لكن بوادر طيب الفطرة موجودة عنده لكن العرض الذي خربه. الى ان تطورت الامور والتصعيد بلغ الى المواجهة واندلعت المعارك وبدأت الاشلاء تتساقط من الجانبين. واذا هو تأخذه نفحة الخير، نسمة الهداية احدثت عنها النقلة هذه. واذا به فجأة كالانسان النائم وصحى من نومه جاءته حالة استبصار، صحوة ضخمة فوراً تحرك والمعارك مندلعة وعلى اشدها جاء وقال يا بن سعد أمقاتل انت هذا الرجل واشار الى الحسين. يعني ستستمر بهذا الموقف حتى ولو قتل الحسين، ابن سعد اجابه بأصرار نعم وهو يقول قتالاً ايسره ان تطيح الرؤوس وتتساقط الايدي، قال وحتى الحسين، قال وحتى الحسين فقال له الحر أمالكم فيما عرضه عليكم. لانه سمع خطب الحسين وعروض الحسين ودفاع الحسين ورأى ان الحسين لم يكن هو البادئ بالمعارك. العمليات اول من بدأها ابن سعد وكان يستشهد بأعوانه، اشهدوا لي عند الامير انني اول رامي يعني الامير ابن زياد.
فيقول لابن سعد آخر عروض الحسين يريد يتوجه الى بلاد الله.
فقال ابن سعد لن نفعل ذلك واميرك يأبى، يعني الاوامر التي جاءتني من القيادة من ابن زياد ان هذا الرجل ننهيه بأبشع صورة. هنا جاء الوعي الكامل عند الحر واذا سبحان الله اصبح الرجل هذا اسم ومحتوى يعنى اسمه حر وبالمحتوى اصبح حراً بعد ان كان عبداً مقيداً. ليس عبداً فقط بل عبد مقيد بالمعصية وبطاعة الطغاة. واذا به يتمرد على ذلك الواقع السئ وفي نقلة مفاجأة حيرت الجيش الاموي بحيث المؤرخين يقولون اعترته حالة غريبة من الدهشة والتفكير العميق، جاء صديق عنده اسمه المهاجر قال له يخاطب الحر ماذا بك؟ هل تريد ان تحمل على القوم؟
قال لا ثم سأله ما دهاك ما رأيتك يوماً كهذا وانا الذي كنت اذا سألت من اشجع الناس من اهل الكوفة ما عدوتك واذا يجيبه الرجل الحر بهذه الكلمة:
اخير نفسي بين الجنة والنار، هنا يريد ان يبرهن بأن الضمير هو الحاكم العادل لا الطغاة ولا قرارات الظلم وانما الله سبحانه وتعالى من على الانسان بحجة مابعدها حجة وهي حجة العقل. اذا تحكم وتحرك بشكل برئ وعادل، اني اخير نفسي بين الجنة والنار اما حرارة النار منا واما برودة الجنة من هذا الجانب. ثم تقول المصادر بهذه اللحظة صاح انا لا اختار على الجنة شيئاً حتى لو قطعت واحرقت. ضرب فرسه وانقض ليقف فجأة بين يدي الحسين(ع).
سبحان الله هذه النعمة نعمة الهداية اللطف الالهي لكن هنا يصور المؤرخون كما وصلت المعلومات اليهم ودونوها يقولون وقف لا يقوى على ان يرفع حاجبيه، اسدل عينيه ثم يقول السلام عليك يا اباعبدالله انا الذي جعجعت بك في الطريق، انا الذي منعتك من الرجوع، انا الذي ارعبت الهاشميات العائلة. لكن بعد كل هذا انجلت لي الحقائق كأنه يريد يقول للحسين وما علمت ان القسوة تنتهي بالقوم الى هذا الحدثم صاح لان الوضع جداً متأزم صاح هل لي من توبة. وهنا نقرأ باباً جميلاً من سلوك اهل البيت وانفتاحهم وعدم تعاملهم بالاحقاد وفهمهم للمواقف وتحليلهم للواقع الذي يمر به الانسان كيف. يفهمون اهل البيت هذا رأساً الحسين انفتح عليه لم يتعامل بما سبق من مواقف هذا الرجل، حركاته. قال نعم: يتوب الله عليك فانزل عن فرسك قال ابا عبد الله انا فارس خير من راجل.
يعني انا اتعامل بالموقف كفارس قال له الحسين لكذلك واذا هذا الرجل الذي كان صوته صوت اموي وعقله عقل يزيدي تحول الى صوت حسيني والى عقلية محمدية. هو على الفرس والجيش كان مذهول يسمع هذا المعنى او هذا الشعار اني انا الحرو مأوى الضيف يعني يعطي صورة عن اصالته وعن كرمه وعن اباءه:
انه من عشيرة وقبيلة شريفة اني انا الحر ومأوى الضيف اضرب في اعناقكم بالسيف اضربكم ولا ارى من حيف واذا يسقط وشاء الله له هذه النهاية الشريفة ان الحسين جاء يؤبنه بهذه الكلمة وهو يقول انت حركما سمتك حر، ثم رأى الحسين جرحاً في جبينه فاخذ الحسين يضمد جراحه بمنديل اخرجه من جيبه ولفظ انفاسه والحسين واقف عند رأسه. بدل ان يقف ابن سعد عند رأسه.
وقف الحسين عند رأسه، هينئاً لهذا الرجل في نهايته وهينئاً له على استبصاره وعلى هذه النقلة التي حولته من حطب في جهنم الى رفيق للصديقين والشهداء والصالحين.
نسأل الله ان يجعله مثلاً يسير عليه ويقتدي به المؤمنون والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******