الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الانبياء وخاتم المرسلين محمد وآله الطاهرين ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين.
الخلق الرفيع والاحساس الاجتماعي النبيل هو ابرز ما كان يتصف به اهل البيت(ع). الذين وصفهم الله في القرآن الكريم بالصادقين وامرنا باتباعهم والسير وراء هم والكون معهم حيث قال: "يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين" ولو تصفحت حياة جميع الائمة(ع) لوجدت هذه هي الخصيصة البارزة في سلوكهم وحياتهم، الخلق الرفيع والاحساس الاجتماعي النبيل تماماً مثل ماكان جدهم رسول الله(ص).
وبما اننا نعيش اياماً ترتبط بالحسين(ع) فهذه الايام هي الايام بين مصرعه يوم عاشوراء وبين اربعينه في العشرين من صفر لذلك نمثل لهذا الامر من اخلاق الامام الحسين(ع)، دخل الامام(ع) على اسامة بن زيد وكان اسامة مريضاً فسمعه يقول: "واغماه" وكأنه كان يشكو غماً ويشكو هماً، فقال له الحسين(ع): "وما غمك يا اخي" قال: "ديني وهو ستون الف درهم" وكأنه كان يريد ان يقول انا مقبل على عالم الآخرة وان ديني سيكون ويلاً علي لانني لم استطع تسديده لصاحبه الى هذا الوقت وهذا هو الذي جعلني مغموماً.
فقال الحسين(ع) له: "هو علي انا أأديه لك" قال اسامة: "اني اخشى ان اموت" فقال الحسين(ع): "لن تموت حتى اقضى هذا عنك" فقضاها(ع) قبل موت اسامة كما قال الراوي. ما اروع هذا الموقف ما اروع هذه النجدة للمؤمن والمسلم انه نموذج من الاحساس الاجتماعي. انه نموذج من السخاء والجود والكرم اتصف به اهل بيت رسول الله(ص). ولكن هذا ليس هو الموقف الوحيد وليست هذه القصة الوحيدة وهذه العواطف وهذا الكرم متصل ومستمر وكثير في حياة الامام الحسين(ع)، وكذا في حياة الائمة (ع).
فيقول لنا التاريخ ان الحسين(ع) مر على جماعة من المساكين وهم يأكلون كسراً لهم على كساء قطعاً من الخبز فرشوها على بساط متواضع فسلم عليهم فدعوه الى طعامهم فجلس الامام الحسين(ع) معهم من دون ان يتكبر ومن دون ان يستكبر ومن دون ان تمنعه منزلته ومكانته من هذا العمل ثم قال لهم: "لو لا انه صدقة لا كلت معكم حيث ان الصدقة حرام على آل محمد" ثم قال: "قوموا الى منزلي" فاخذهم الى منزله واطعمهم وكساهم وامرلهم بدراهم. وهكذا نجد في حياة الامام الحسين وسلوكه نماذج من الاحساس الاجتماعي ومن الخلق الرفيع.
جاء في التاريخ انه وفد اعرابي المدينة فسأل عن اكرم الناس بها فدل على الحسين(ع)، فدخل المسجد فوجد الامام(ع) في حال الصلاة وقف بازاءه وانشأ يقول وفي رواية جاءه الى بيته ودق عليه الباب وهو يقول: "لم يخب الآن من رجاك ومن حرك من دون بابك الحلقة انت جواد وانت معتمد ابوك كان قد قاتل الفسقة لولا الذي كان من اوائلكم كانت علينا الجحيم منطبقة" فسلم الامام الحسين(ع) وقال لاهل بيته: "هل بقي من مال الحجاز شيء" قالوا: "نعم اربعة آلاف دينار"، وكان الامام يريد ان يوزع هذا المال على اقرباءه قد ادخره لذلك ولكن لما جاءه هذا الاعرابي المحتاج فقال: "هاتوا بالمبلغ قد جاء من هو احق بها منا" ثم نزع قباءه ولف الدنانير فيها واخرج يده من شق الباب من دون ان يواجه ذلك الاعرابي ويقابله وجهاً لوجه وانشأ يقول وهو ماد يده بالمبلغ الى ذلك الاعرابي:
خذها فاني اليك معتذر
واعلم بأني عليك ذوشفقة
لوكان في سيرنا الغداة عصا
امست سمانا عليك مندفقة
لكن ريب الزمان ذو غير
والكف مني قليلة النفقة
فاخذها الاعرابي وبكى، فقال الامام له: "لعلك استقللت هذا المبلغ الذي اعطيناك هل هو قليل" قال: "لا يا بن رسول الله بكائي ليس من قلة المال بل هو كثير وسيغنيني ولكن بكائي هو ان يأكل التراب وجودك اي ان تدفن هذه اليد السخية الكريمة تحت التراب هذا هو الذي يبكيني وهذا هو الذي يحزنني. فانتم منبع الكرم وانتم منبع السخاء وانتم منبع الاحساس الاجتماعي وبكائي هو لان التراب سيضمكم وستدفنون بعد حين ان بكائي هو لهذا".
وقد روى شعيب بن عبد الرحمن الخزاعي قال وجد على ظهر الحسين بن علي يوم الطف حينما جرد من ثوبه اثر فسألوا زين العابدين(ع) عن ذلك فقال: "هذا مما كان ينقل والدي الحسين الجراب على ظهره وهذا اثر الاكياس من الدقيق ومن التمر ومن الحاجيات الاخرى التي كان ينقلها الحسين(ع) ليلاً الى منازل الارامل واليتامى والمساكين". طبعاً كان هذا الاثر اثراً خاصاً الامام عرف به ووصفه والا فان هناك آثاراً اخرى كانت على ظهر الحسين وصدره نتيجة جولان اولئك الفسقة واولئك الظلمة على جسد الحسين بعد مصرعه بخيولهم ومراكبهم نعم هكذا كان الامام الحسين(ع) وهذا كان احساسه الاجتماعي والجميل ان هذا الاحساس كان في اكثر الاوقات يختلط بالحب للمعرفة وبالحب للعلم.
فيقال ان عبدالرحمن السلمي علم ولداً من اولاد الحسين كلمة الحمد لله فلما قرأ ذلك الولد على والده الحسين هذه الكلمة او انه علمه سورة الحمد فلما قرأها على والده الحسين اعطاه الامام الحسين الف دينار والف حلة وحشا فاه دراً، فقيل له يابن رسول الله واين يقع هذا من عطاءه ان عبد الرحمن السلمي لم يعلم ولدك الاسورة قصيرة من سور القرآن القصار فلماذا هذه المبالغ ولماذا هذه الاعطية الواسعة، هذا كثير بالنسبة لتعليمه وكثير بالنسبة لعمله الذي قام به فانشد الحسين(ع) قائلاً:
اذا جادت الدنيا عليك فجد بها
على الناس طراً قبل ان تتفلت
فلا الجود يفنيها اذا هي اقبلت
ولا النجل يبقيها اذا ما تولت
ما اعظم هذا العطاء وما اعظم من هذا الاعطاء النظرة الى الدنيا الرؤية والبصيرة انها حقاً دروس كبار يجب ان نترسمها ونتعلمها ونطبقها في حياتنا نسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق والسداد.
والسلام عليكم اخوة الايمان والعقيدة ورحمة الله وبركاته.
*******