الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خاتم الانبياء وسيد المرسلين محمد وآل الطيبين والطاهرين.
قال الامام جعفر الصادق(ع) ان الحسين بن علي حجّ خمسة وعشرين حجة ماشياً وقاسم الله تعالى ماله مرتين.
نعم هكذا كان الامام الحسن(ع) وليس غريباً هذا الامر فالحسن(ع) اديب رسول الله وهو الذي تولى رسول الله(ص) تربيته، ففي الرواية وفي التاريخ ان الحسن بن علي(ع) كان يحضر مجلس رسول الله(ص) وهو ابن سبع سنين فيسمع الوحي فيحفظه فيأتي امه فاطمة فيلقي اليها ما حفظه كل ما دخل علي(ع) وجد عندها علماً بالتنزيل فيسألها عن ذلك فقالت من ولدك الحسن ولهذا فان علياً(ع) اراد ان يتحقق من ذلك بنفسه فتخفى يوماً في الدار ثم دخل الحسن بن علي وسمع الوحي واطلع على ايات جديدة نزلت على جده رسول الله(ص) ولكنه عندما اراد ان يلقي تلك الايات الى امه كعادته ارتج عليه وتلكئ ولم يستطع ان يتكلم فعجبت امه من ذلك فقال يا اماه لا تعجبين فان كبيراً يسمعني فاستماعه قد اوقفني فخرج علي(ع) فقبله واحتضنه وغمره بلطفه ومحبته الابوية.
نعم هذا هو الامام الحسن هكذا كان ابن علي وفاطمة وهكذا يكون شأن من تربى في حجر رسول الله وهكذا يكون من تلقى ادبه وتربيته في احضان الرسالة.
يقول ابو نعيم في حيلة الاولياء قال الحسن(ع) اني لاستحي من ربي ان القاها ولم امشي الى بيته فمشى عشرين مرة من المدينة على رجليه وفي ذلك الكتاب ايضاً، قال ابو نعيم ان الحسن بن علي(ع) قاسم الله تعالى ماله مرتين حتى تصدق بفرد نعله.
ان الحسن(ع) مثال عظيم لنا جميعاً في الادب مع الله وفي العناية بالفقراء والمستضعفين ودرس حي لنا جميعاً في القيام بما يجب القيام به العبد امام ربه.
يقول احد الرواة ان الحسن بن علي(ع) كان اذا توضأ ارتعدت مفاصله واصفر لونه فقيل له في ذلك وسأل لماذا اصفرار الوجه وارتعاد الفرائص؟ ونحن نعلم ان الحسن هو ابن علي(ع) ابن ذلك البطل ابن ذلك الاسد ابن ذلك الشجاع الذي كان يهابه القرآن ولكن ولاشك ان شبل الاسد يحمل نفس صفات الاب في البأس والشجاعة والقوة الفكرية والبدنية ولهذا سأل لماذا ارتعاد الفرائص والمفاصل ولماذا اصفرار اللون؟ وقال(ع) في الجواب على هذا السؤال "حق على كل من وقف بين يدي رب العرش ان يصفر لونه وترتعد مفاصله".
ان هذا ايها الاخوة هو شأن من ينظر الى عظمة الله والى صفاته والى اسماءه والى ذلك الجلال والجمال، ان الله سبحانه وتعالى خالق هذا الكون العظيم العريض ورب الناس وملك الناس واله الناس وهو المبدأ والمعيد وهو الرزاق ذو القوة المتين ومن عرف الله سبحانه وتعالى معرفة كاملة يرى ان يتأدب مع الله ويرى ان يقف امامه موقف العبد الذليل. وهذا ما نراه في سيرة اهل البيت(ع) الذين عرفوا ربهم عرفوا الله سبحانه وتعالى معرفة واسعة وعميقة ووقفوا على صفاته واسماءه كما وصف القرآن بالحق تعالى، ولهذا فان حضورهم امام الله تعالى وان وقفوهم امام الله وسلوكهم في محراب العبادة يختلف عن الآخرين ممن لا يعرف الحق تعالى المعرفة الكاملة، ولهذا يقول الامام الحسن: "حق على كل من وقف بين يدي رب العرش ان يصفر لونه وترتعد فرائصه" ان هذا الاستشعار بالعظمة الالهية ناشئة من المعرفة الكاملة اليقينية.
ان الدرس الذي نأخذه من سلوك الامام الحسن وتأدبه مضافاً الى الحقيقة الساطعة القاطعة وهي ان اهل البيت لكونهم تربوا في احضان الرسالة وحجر النبوة قد تأدبوا بادب رسول الله(ص) واخذوا باخلاقه وتطبعوا بطبائعه وورثوا الكثير الكثير من سجاياه الكريمة، فان هذه القصص التي سمعناها عن الحسن(ع) ومواقفه من الله تعالى ومن الناس تكشف عن معرفة عميقة بامور ثلاث هو الدرس العظيم الذي نأخذه من هذه القصص من هذه المواقف العظيمة التي اختص بها اهل البيت واختص بها الامام الحسن هذه المعرفة التي هي معرفة تتشعب في شعب ثلاث معرفة الامام(ع) بنفسه ان الانسان اذا عرف نفسه ومقدارها وحجمها وحجم مالها من المقدرات والطاقات وانه في هذا العالم العظيم وانه امام القوى الهائلة الموجودة في صفحة هذا الوجود لا شئ بل ذرة في هذا العالم ذرة حائرة تائهة فانه لا يتكبر كما يتكبر الطواغيت كما يتكبر الفراعنه والقياصره.
والمعرفة الثانية التي تحلى بها الامام الحسن وقفنا عليها في هذه القصص معرفته العميقه بربه فان الكثير من الناس يتصورون ان ربهم العظيم ان الله تعالى مخلوق او موجود على الاقل شأنه اعظم بقليل او اعظم بدرجات كبيرة عن شأن الملوك وعن شأن السلاطين وعن شأن الجبابرة ولا يعلمون علماً واضحاً وقوياً وقاطعاً بان الله يختلف تمام الاختلاف في القوة والعلم والقدرة والسلطان والجبروت عن السلاطين والجبابرة وانه لا يقاس باحد ابداً وهذه المعرفة هي معرفة ساذجة عند الناس وتتفاوت عندهم ولذلك فانهم يقفون من الله مواقف ضعيفة ويخضعون له تمام الخضوع، اما اهل البيت فقد عرفوا الله معرفة كاملة معرفة عميقة تجلى في سلوكهم.
واما المعرفة الثالثة التي تقف وراء سلوك اهل البيت مع الناس فهي معرفتهم بالناس وقيمتهم وانهم عيال الله وانه لا فرق بين اسود وابيض وعربي وعجمي وانهم جميعاً عبادالله وانهم جميعاً مخلوقين للحق تعالى وانه يجب على الانسان المؤمن والمسلم ان يمد يد العون والمساعدة والمعونة الى كل هؤلاء، ففي الحديث "الخلق عيالي واقربهم اليّ انفعهم لعيالي".
هذه بعض الدروس التي نستفيدها من سيرة الامام الحسن(ع) وقد مرت بعض هذه السيرة في حديثنا نرجو الله ان يوفقنا لصالح العلم والعمل. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******