البث المباشر

من سيرة الامام الرضا (ع) في تجيد الشورى

الإثنين 4 فبراير 2019 - 10:26 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- مع الصادقين: الحلقة 31

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا الانبياء وخاتم المرسلين وآله الطيبين الطاهرين.
يقول الحسن بن الجهم: كنا عند ابي الحسن الرضا(ع) ذات يوم فذكرنا اباه الامام موسى بن جعفر(ع)، فقال الامام الرضا: كان عقله لا يوازن به العقول وربما شاور الغلام من غلمانه فقيل له: اتشاور مثل هذا؟ فقال ان شاء الله تبارك وتعالى ربما فتح على لسانه، قال: فكان ربما اشاروا عليه بالشئ فيعمل به من الضيعة والبستان. 
هذه القصة تدل على اهمية المشاورة وتعطينا درساً كبيراً في هذا المجال، فالامام موسى بن جعفر(ع) رغم انه كان اماماً معصوماً مزوداً بعقلية كبيرة وعلم واسع مع ذلك كان يستشير حتى بعض غلمانه كما يقول ابنه علي بن موسى الرضا ولما يسأله البغض، تشاور هذا الغلام وانت امام عالم معصوم فكان الامام يقول: ان الله تبارك وتعالى ان شاء ربما فتح على لسانه وربما اجرى على لسانه الخير ومافيه مفتاح مشكلة من المشاكل وربما كان ولطا لما كان هؤلاء الغلمان يشيرون بشئ فيعمل به الامام ويتحرك وفق ما يدلون به من مشورة ونصيحة في قضايا الزراعة والفلاحة. 
طبعاً هذه القصة التي وردت في كتاب المحاسن للبرقي واوردها العلامة المجلسي في بحار الانوار المجلد خامس والسبعين في باب المشورة تعلمنا هذا الدرس الكبير، ان الانسان مهما كان عالماً مهما كان كثير المعرفة العلم فانه لا يمكن ان يستغني عن مشاورة الاخرين، فان الله سبحانه وتعالى ربما اودع في شخص ما لم يودع عند غيره من المواهب العقلية وربما فتح على لسان احد ما لم يفتح على لسان غيره، خصوصاً في امورالدنيا وبخاصى ان امور الدنيا تقوم على اساس التجارب وقد تكون عند احد تجربة مفيدة من حياته فلو استشرناه لادلى بتجربته وانتفعنا بها، ونظير هذه القصة قصة اخرى ايضاً حدث للامام علي بن موسى الرضا(ع) يقال له سعد فقال الامام لمعمر: اشر علي برجل له فضل وامانة يعني انت هل تعرف رجلاً فيه فضل وامانة يتمتع بالتقوى والامانة اشر عليه حتى اتخذه معيناً لي؟ يقول معمر بن خلاد: قلت للامام الرضا(ع) انا لا اشير عليك يا بن رسول الله اي انك انت العالم انت العارف انا اشير عليك فقال الامام شبه المغضب: ان رسول الله(ص) كان يستشير اصحابه ثم يعزم على ما يريده الله سبحانه وتعالى، المشورة لا بأس بها وتقليب وجوه الامر لا بأس بها، طبعاً الكلمة الاخيرة للشخص وبعد ان يقلب وجوه النظر يختار الاحسن فلماذا انت تستغرب اذا انا قلت لك اشر علي وقد كان الامام علي بن ابي طالب(ع) نفسه يقول لاصحابه: اشيروا عليّ كما كان رسول الله(ص) يقول: اشيروا عليّ، كما حدث ذلك في بدر لما سمع يمجئ قريش بخيلها ورجلها قال لاصحابه: اشيروا عليّ، ان مسألة الشورى والاستشارة والمشورة من الامور الهامة جداً في الحياة الاجتماعية وفي امكان المسلمين ان يصلوا عن طريق المشورة وتقليب وجوه الامرالى نتائج طيبة جداً والى امور ناضجة، ولهذا وردت في القرآن الكريم ايتان، اية تأمر رسول الله(ص) ان يستشير واية تصف المؤمنين بأن اوصافهم انهم يأخذون بالشورى. يقول سبحانه وتعالى في سورة آل عمران: "وشاورهم في الامر فاذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين". 
في هذه الاية نجد ان الباري سبحانه وتعالى بأمر نبيه الذي كان يتحلى باكمل العقول وكان اعلم من امته جميعاً يأمره بأن يشاور في الامر، نعم يترك الكلمة الاخيرة له بأن يأخذ الموقف الصائب واللازم لكن بعد ان يشاور، لان في المشورة فوائد كثيرة منها الوصول الى انضج الاراء ومعرفة محاسن الشئ ومساوئه من جميع الجهات واعطاء الاهمية للاشخاص والمنزلة. ومن فوائده ان الانسان خصوصاً اذا كان في موقع القيادة واتخذ موقفاً بعد مشورة اصحابه ومرافقيه واعوانه فانه سيكسب ودهم وسيكسب احترامهم وسيكسب مساعدتهم، حتى لو اتخذ رأياً غير رأيهم لانهم يعرفون بأنه كان مخلصاً معهم واعطاهم القيمة المناسبة واللازمة، هذا الامر في الحقيقة في المشورة له فوائد كثيرة لهذا الباري سبحانه وتعالى يقول: "وشاورهم في الامر فاذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين". وفي سورة الشورى سبحانه وتعالى، وهو يصف المؤمنين ويذكر صفات لهم يقول فيها يقول:"وعلى ربهم يتوكلون" الى ان يقول: "امرهم شورى بينهم". 
المؤمنون والمجتمع الايماني والمسلمون من اوصافهم انهم لا يقدمون على عمل خصوصاً اذا كان في غاية الاهمية من الاعمال الاجتماعية او الاقتصادية او السياسة او ما شاكل ذلك الا بعد ان تشاوروا فيما بينهم الامر ويدرسوا الامر من جميع جوانبه فاذن المشورة امر اهتم به القرآن الكريم. وثمت احاديث حث فيها رسول الله(ص) واهل البيت(ع) على المشورة انها تبلغ حوالي ثلاثمئة حديث، مثلاً في الحديث ان الامير المؤمنين(ع) حينما كان توجه الى القتال كان رسول الله(ص) يوصيه بالمشورة الى جانب من سلسلة من الوصايا الاخرى، فهذا حديث عن الامام الجواد(ع) عن ابائه عن امير المؤمنين علي بن ابي طالب(ع) يقول: بعثني رسول الله(ص)الى اليمن فقال وهو يوصيني: يا علي ما حار من استخار ولا ندم من استشار، يا علي يغدو على اسم الله فان الله بارك لامتي في بكورها كما ان رسول الله(ص) قال فيما اوصى فيه علياً قال: "لا مظاهرة يعني لا ظهيرة لا معينة لا مظاهرة اوثق من المشاورة ولا عقل كالتدبير" وهناك احاديث كثيرة يبين فيها اهل البيت(ع) ما ينبغي ان يتصف به المستشار الذي نستشيره، فهل يجوز لنا ان نستشير اياً كان؟ بل هناك ضوابط في هذا المجال حتى يكون عملنا وتكون استشارتنا مفيدة مثلاً قال امير المؤمنين(ع) في حديث: "شاور في حديثك الذين يخافون الله" فاذن ينبغي ان نستشير من يخاف الله ولا نستشير اي احد. وفي روايات اخرى جاءت هذه الصفات ينبغي ان يصف بها المستشار كقول رسول الله(ص) لعليّ : "يا علي لا تشاور جباناً فانه يضيق عليك المخرج، ولا تشاور البخيل فانه يقصر عليك غايتك ولا تشاور حريصاً فانه يزين لك شرهما واعلم يا علي ان الجبن والبخل والحرص غريزة واحدة بجمعها سوء الظن". 
الى غير ذلك فاذن كانت سيرة اهل البيت(ع) هي المشاورة في بعض الامور خصوصاً بالدنيا والحوائج الدنيوية والحث على المشاورة والاستشارة وفي ذلك خير الدنيا والاخرة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة