البث المباشر

ما هي أصول الكفر الثلاثة؟

الإثنين 10 أكتوبر 2022 - 14:04 بتوقيت طهران
ما هي أصول الكفر الثلاثة؟

ورد عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله، جعفر الصادق (ع): "أصول الكفر ثلاثة: الحرص، والاستكبار، والحسد. فأمَّا الحرص، فإنَّ آدم حين نهي عن الشجرة، حمله الحرص على الأكل منها، وأمَّا الاستكبار، فإبليس حيث أُمِر بالسجود لآدم فأبى، وأمَّا الحسد، فابنا آدم حيث قتل أحدهما صاحبه".

وقد نفهم من هذا الحديث، أنّ اعتبار هذه الأمور من أصول الكفر، هو باعتبار أنها - في مورد الحرص - تربط الإنسان بالذّات في حاجاتها وشهواتها، الأمر الذي يقوده إلى حالة الانحطاط الروحي، فينسى موقعه من الله، في غفلة العقل ويقظة الغريزة.

وهذا ما حدث للنبيّ آدم وزوجته حوّاء اللّذين نهاهما الله عن الأكل من الشجرة الخاصّة، وأباح لهما الأكل من كلّ أشجار الجنة، فوسوس لهما الشَّيطان، مثيراً في إحساسهما الذاتي الرغبة في الأكل من الشجرة، من خلال التطلّع نحو الخلود، أو أن يصبحا من الملائكة، فنسيا التحذير الإلهي، ووقعا في التجربة الصَّعبة التي أبعدتهما عن الجنّة. وقد جاء ذلك في قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}[طه: 115]؛ لأنَّ الحرص - بحسب تعبير الرواية - جعله يتجاوز العهد الإيماني ويضعف أمام رغبته.

وإذا كان الله سبحانه قد شمل آدم وزوجه برحمته، فلأنَّ المسألة لم تكن تكليفاً ترتكز العصمة على امتثاله، بل كانت بمثابة دورة تدريبيّة، وقضيّة إرشاديّة، لوضعهما في المستقبل مع إبليس، فأعطاهما الله اللّطف من مغفرته ورحمته. ولكنّ القضيّة تختلف مع الناس العاديّين الذين يتحكّم الحرص في كيانهم، فيستغرقون في شهواتهم ولذاتهم وأطماعهم، بحيث يغفلون عن الإيمان بالله وعن مسؤوليَّتهم أمامه، فيقتربون من الكفر الشعوري الذي يتحرّك فيه الإنسان كما لو لم يكن الله موجوداً، فيسقط فيما يشبه خصائص الكفر في السلوك الأخلاقي السلبي.

وأما الاستكبار، فإنه يمثل استغراق الإنسان في داخل ذاته، من خلال بعض العناصر التي تصيبه بحالة انتفاخ داخلي، وضخامة في الشخصيَّة بشكل مرضي، بحيث يغفل عن العناصر الكامنة في الآخرين، ممّا قد تتفوق على العنصر الذي يتميّز به.

وهذا ما وقع فيه إبليس الذي رفض ما أمره الله به من السجود لآدم، انطلاقاً من ذاتية الكبرياء التي عاشها في ذاته استكباراً على آدم، لأنَّ الله خلقه من نار وخلق آدم من تراب، فاعتبر ناريّته تمثّل موقع القوَّة أمام ترابيّة آدم؛ لأن النار تفني التراب، ولم يلتفت إلى الخصائص التي يتميَّز بها التراب، فيما يحمله من إيجابيات في بناء الحياة من أكثر من جهة، فأوقعه ذلك في التمرّد على الله وعصيانه لأمره، ما أسقطه من رحمته، وأخرجه من جنته، وأجرى عليه اللَّعنة إلى يوم الدين، فاقترب بذلك من موقع الكفر في سلوكه المتحرّك مع بني آدم، لإبعادهم عن الإيمان بالله وعن طاعته وعن السَّير في الطريق إلى جنته.

ولعل من خصائص الاستكبار، إنكار الحقّ والوقوف ضدّه، من خلال تصوّر المستكبر أن خضوعه للرأي المغاير الذي يؤمن به الآخر من الحقّ، في عالم العقيدة والإيمان، وفي كل قضايا الحياة التي تتنوع فيها الآراء، سوف يضعف موقعه، ويقلّل من قيمته، ويوحي إلى الآخر بالتفوّق على المستوى الفكري، الأمر الذي يسقط كبرياءه. ولعل الكثير من الكافرين والمعاندين وقعوا في انحرافهم الفكري والإيماني من خلال حالة الكبرياء التي تمنعهم من الخضوع للحقّ وأهله، ومن التنازل عمَّا يلتزمونه من الباطل.

وقد يتحرَّك الاستكبار ليتحوَّل إلى حالة احتقار للنَّاس الضعفاء والفقراء الذين لا يملكون عناصر القوَّة الجسدية أو الجمالية أو المالية، ما يؤدِّي بالمستكبر إلى اضطهادهم ومصادرة حقوقهم وإسقاط أوضاعهم. وقد يمتدّ ذلك إلى الأوضاع العامة في حياة الأمم والشعوب من المستضعفين الذين يواجههم المستكبرون في استكبارهم؛ في خنق حرياتهم، وإضعاف اقتصادهم، وإرباك سياساتهم، والسيطرة على أمنهم، ما يجعل هؤلاء المستكبرين يقتربون من الكفر في ذهنياتهم وأخلاقياتهم، لأنهم لا يراقبون الله في تعاليمه التي أرادت العزّة والكرامة للمستضعفين، ومنعت من الإساءة إليهم وحذّرت من ذلك، وتوعّدت من يقوم بذلك بالعذاب الشديد في الآخرة، لأنَّ الظلم للضعفاء هو حركة في خطّ الكفر العملي في أوسع نطاقه.

وأما الحسد، فإنه يتطوّر في نفس الحاسد، ليتحوَّل إلى شخص عدواني ضد المحسود، بحيث يتحرّك الحقد الأسود في نفسه كلَّما رأى امتداد الخير وتعاظُم النعمة فيمن يحسده، فيتطوّر الوضع النفسي عنده ليصل إلى درجة الاعتداء على حياته، بالتَّدمير الجسدي أو المعنوي لشخصيّته، ليسقطه من أعين الناس، كما حدث لقابيل بن آدم الذي قرب قرباناً فلم يتقبّل منه، بينما قرَّب أخوه هابيل قرباناً فتقبَّل الله منه قربانه، فنشأت في نفس قابيل العقدة تجاه أخيه، فحسده على ذلك، من دون أن يكون لأخيه أيّ دخل في رفض قربانه، فهدَّده بالقتل باعتباره تعبيراً عن الحقد العدواني في نفسه، ولم يراقب الله في ذلك، ما جعله يتحوَّل إلى وحش مفترس، فقتل أخاه الذي كان مسالماً له، وعرّفه بأنَّه لن يبادر إلى قتله حتى في حالة الدفاع عن النفس، انطلاقاً من الذات الوديعة والروح الرضيّة المتسامحة المسالمة، من خلال الخلق الإيماني الذي يتميّز به في رفض العنف ضدّ أخيه.

وقد حكى القرآن الكريم هذه الحادثة: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآَخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ العَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الخَاسِرِينَ}[المائدة: 27 – 30].

وهكذا رأينا كيف تطوّر الحسد في نفس قابيل بالمستوى الذي عاش معه أخلاقية الكفر في عدوانيته، من خلال غفلته عن الله وعن الإيمان به.

 

* من كتاب "النَّدوة"، ج 18.

السيد محمد حسين فضل الله

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة