في السيرة النبوية ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان في بعض الحالات يكرر جوابه على من يسأله اكثر من مرة وربما كرر الجواب ثلاث مرات كما يشير ابو داوود في السنن. وقد يصل تكرار الجواب الى سبع مرات كما يذكر الترمذي ولكن لماذا هذا التكرار النبوي لجواب سؤال او لحديث معين؟ انه من اجل تحقيق الاستماع والانصات لمن حوله لكي يدركوا القضية المطروحة فلا ينسوها ولا يبين لمن لم ير ولم يشهد واعلان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن اشخاص اهل بيته المطهرين قد كان في اكثر من مرة واكثر من مناسبة، ليعلم الناس ان هؤلاء في عرف القرآن هم اهل البيت، وقعت حادثة الكساء في بيت ام سلمة وبعد بيت ام سلمة تكرر المشهد في مواطن اخرى، في مثل ما رواه الحاكم عن اسماعيل بن عبدالله قال لما نظر رسول الله الى الرحمة هابطة قال ادعو لي ادعو لي فقالت صفية من يا رسول الله قال اهل بيتي علياً وفاطمة والحسن والحسين، فجيء بهم فألقى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عليهم كساءاً ثم رفع يده وقال: اللهم هؤلاء آل محمد فصلي على محمد وآل محمد. وعلى امتداد حركة الرسالة في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت تجري احداث يترتب عليها غرس مفهوم من هم اهل البيت في ذاكرة الذين عاصروا النبي، بأعتبار انهم الجيل الذي سيفتح الابواب من بعده ووفقاً لحركة هذا الجيل فتسير الحركة على امتداد التاريخ، ومن هذه الاحداث التي غرست مفهوم من هم اهل البيت احداث يوم المباهلة المعروفة يوم باهل نصارى نجران بعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام).
وبعد تأكيد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على ان اهل البيت المطهرين هم علي وفاطمة والحسن والحسين (سلام الله عليهم) كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يربط بينهم وبين القرآن الكريم برباطاً وثيقاً وهذا الرباط غرس غرساً في ذاكرة العديد من الصحابة في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)، روى مسلم عن زيد بن ارقم انه قال: قام رسول الله (صلى الله عليه وآله) فينا خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة فحمد الله واثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: اما بعد الا ايها الناس فأنما انا بشر يوشك ان يأتي رسول ربي فأجيب وانا تارك فيكم الثقلين اولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: واهل بيتي اذكركم الله في اهل بيتي، اذكركم الله في اهل بيتي، اذكركم الله في اهل بيتي.
قال النووي سمي الثقلين لعظمهما وكبير شأنهما وقيل لثقل العمل بهما، وهذا الحديث تحدث به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد حجة الوداع عند غدير خم مما يفيد ان جمعاً كبيراً من الصحابة قد كنسهوه ووعوه، وروي ايضاً ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اخبر ان اهل بيته هؤلاء والقرآن لم يفترقا حتى يراد عليه الحوض يوم القيامة وهذا يفيد بأن اهل بيته المطهرين على الصراط المستقيم يسيرون بالطهر الى غاية عظمى فمن اراد الوصول فعليه بسبيل الطهر الذي لا يقربه الشيطان لانه سبيل القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولانه سبيل اهل البيت علياً وفاطمة والحسن والحسين الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، فلا يمكن للشيطان ان يأتيهم من بين ايديهم ولا من خلفهم وهو الذي اخذ على عاتقه ان يأتي الناس من بين ايديهم ومن خلفهم الامن عصم الله.
اجل، ان احاديث اهل البيت والقرآن والحوض رواها اصحاب السنن واثبتها المفسرون في تفاسيرهم فعن ابي سعيد الخدري قال:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): اني تارك فيكم الثقلين احدهما اكبر من الاخر كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الارض وعترتي اهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.
وفي رواية عن زيد بن ثابت قال (صلى الله عليه وآله وسلم): اني تارك فيكم خليفتين كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والارض وعترتي اهل بيتي وانهما لا يفترقان حتى يردا علي الحوض.
وفي رواية عن حبيب بن ابي ثابت وزيد بن ارقم معاً قالا:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): اني تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي، احدهما اعظم من الاخر كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الارض وعترتي اهل بيتي ولم يفترقا حتى يردا علي الحوض فأنظروا كيف تخلفوني فيهما. اجل ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اعلن هذا على الملأ في حجة الوداع وفي غدير خم وفي اكثر من موطن انه تارك في امته من بعده ثقلين او خليفتين من يتمسك بهما فلن يضل ومن سار معهما وصل الحوض سالماً ولم يكون مع الذين سيقال فيهم انهم ارتدوا على اعقابهم فيقول النبي سحقاً سحقاً كما رواه البخاري ومسلم. وفي تفسير هذا الحديث قال صاحب تحفة الاحوازي كتاب الله حبل ممدود اي هو حبل ممدود من السماء الى الارض يوصل العبد الى ربه ويتوسل به الى قربه وعترتي اهل بيت يبيان لعترته فقوله:اني تارك فيكم اشارة الى انهما بمنزلة التوأمين الخليفتين عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وانه يوف الامة بحسن المخالقة معهما وايثار حقهما على انفسهم كما يوف الاب المشفق في حق اولاده ولن يفترقا اي الكتاب والعترة في مواقف القيامة حتى يردا علي الحوض يعني فيشكرانكم صنيعكم عندي، فأنظروا كيف تخلفونني اي كيف تكونون بعدي خلفاء اي عاملين متمسكين بهما. ولعل السر في هذه التوصية واقتران العترة بالقرآن ان ايجاز محبتهم لائح في معنى قوله تعالى « لّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» فأنه تعالى جعل شكر امعانه واحسانه بالقرآن منوطاً بمحبتهم على سبيل الحصر فكأنه (صلي الله عليه وآله) يوصي الامة بقيام الشكر فمن قام بالوصية وشكر تلك الصنيعة بحسن الخلافة فيهما فلن يفارقهما يوم القيامة ومن اضاع الوصية وكفر النعمة فحكمه على العكس هذا ما قاله مؤلف تحفة الاحوازي في شرح جامع الترمذي.
وفي معنى العترة قال صاحب لسان العرب، عترة الرجل اخص اقاربه، قال ابن الاعرابي العترة ولد الرجل وذريته وعقبه من صلبه وعترة النبي (صلىالله عليه وآله وسلم) ولد فاطمة البتول (عليها السلام) وقال في مختار الصحاح العترة ولد الرجل وذريته وعقبه من صلبه ولا يعرف العرق من العترة غير هذا وقال في الفتح الرباني عترة النبي هم اصحاب الكساء الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. واخيراً نذكر ما رواه الحاكم بن عساكر عن جابر الانصاري قال:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ان لكل بني اب عصبة ينتمون اليها الا ولد فاطمة فأنا وليهم وانا عصبتهم وهم عترتي خلقوا من طينتي ويل للمكذبين بفضلهم من احبهم احبه الله ومن ابغضهم ابغضه الله.
*******