من سعادة الانسان ان ينفتح على عالم الحقائق ويبصر واقعات الحياة فالحقائق في هذا الوجود صور للحق والاعراض عن هذه الحقائق يعني الدخول في عالم الاوهام الذي لا اساس له والذي يكون من مصادر الشقاء، وهناك حالات ينبغي للمرء الحذر الشديد منها لانها تمنعه من الارتباط بالحق وتجعله يتخبط في الوهم والظلام بعيداً عن نور الحقائق الواقعية وبعيداً عن درب السعادة الذي يوصل الانسان الارضي الى الله تبارك وتعالى، والبعد عن الله هو الشقاء الاعظم حيث الام العذاب الباطني التي تتجلى بضيق الصدر في الدنيا وبنار جهنم في الآخرة ونعوذ بالله من عذاب الطرد والحرمان.
من هذه الحالات التي تحرم صاحبها الوعي والبصيرة اخي المستمع الكريم وتلقيه طعمه لنار الاوهام حالة الكبر التي يجدها الانسان احياناً في داخل نفسه، الكبر او التكبر دخول في فقاعة كبيرة تعزل الانسان عن ملامسة الحق وتجعله ينظر الى ما حوله نظرة ملئها التعالي والانتفاخ في التكبر يرى الانسان نفسه اكبر من الآخرين وينسب الى ذاته فضائل يتعالى بها على من سواه، وهذه الحالة كما ترى يا اخي المستمع الكريم صفة ذميمة ورذيلة مقبوحة تظهر في سلوك المرء وتصرفه وتعامله وفي مجمل علاقاته بالاخرين ومن البين انها تكون مصحوبة بحالة من ازدراء الناس واستصغار الاخرين.
ان السلوك اليومي للمتكبر لا يشي بما يعتمل في نفسه وبما يتوارد على خياله فيظهر في اسلوب حديثه وطريقة جلوسه وفي صور تعامله وارتباطه بالآخرين وهذه كلها تعبير عن الانتفاخ الوهمي الذي يعيش المرء في فقاعته الكاذبة وفي ظنه ان يصون بذلك كرامته ويحفظ عزته وموقعه اللائق به بين الناس ولا ريب ان التكبر هو حجاب من الحجب الغليظة المظلمة التي تحجز صاحبها عن رؤية الحلقائق وتعزله عن الارتباط بالله مصدر السعادة والنور، من يرى لنفسه فضيلة وامتيازاً ويعتقد ان له عزة وكبرياء ترفعانه الى منزلة متعالية فأنما يكون قد وقع في وهم كاذب وفي غلط خداع، انه يكون قد جعل نفسه في مقام من العزة والكبرياء هو غير جدير به بل يكون والحالة هذه قد نازع الحق تعالى الذي له الكبرياء في السموات والارض وهذه رذيلة يائسة مشينة يرتكبها المرء ثم لا يلقى منها غير البوار والخسار، يقول الامام الباقر (عليه السلام)، «الكبر رداء الله والمتكبر ينازع الله كبرياءه»، ويقول (عليه السلام) في حديث آخر «العز رداء الله والكبر ازاره فمن تناول شيئاً منه اكبه الله في جهنم». ان الكائن البشري يا اخي الكريم لو صدق مع نفسه لوجد ان وجوده ما هو الا احتياج وفقر محض لا يمكن له ان ينفصل عنه مادام بشراً مخلوقاً، انه محتاج حاجة ذاتية ومفتقر فقراً وجودياً الى الله الخالق الحي القيوم، فما معنى ان يتطلب الكبرياء اذن وما معنى ان يتلبس بالكبر، ما تكبره وتلبسه بالكبرياء الموهومة الا سعي للمنازعة مع الحق، والله جل جلاله يقصم من يريد منازعته ويقهره بالمذلة والامتهان في عذاب الحجيم، اكبه الله في جهنم ذليلاً مرذولاً خاسئاً لا يقدر من امره على شيء.
هذا من جهة ومن جهة اخرى نلاحظ ان رذيلة التكبر والكبر لا تنسجم ابداً والاقبال على الله سبحانه، فمن اراد ان يتقرب الى الله تبارك وتعالى واراد ان يفور بجواره ويسعد بلقاءه فأن عليه ان يتجرد من هذه الخصلة المرذولة المذمومة وان يتبرأ منها وينجو من قيودها ففي القيامة كل شيء علن مكشوف، هنالك يبدو التكبر حجاباً ضخماً يمنع صاحبه من دخول النعيم ويحرمه من الاقتراب الى ساحة الحق جل وعلا وما ذاك الا ان صاحب الكبر لا ينظر الا لنفسه ولا يرى الا ذاته وانانيته بل انه لا يحرص على ان يظهر ذاته اكبر من واقعها واضخم من حقيقتها وهذه حركة معاكسة لحركة العبودية لله التي تعني نسيان الذات الانانية والدخول في رحاب الله تبارك وتعالى، ان رؤية النفس والشغف بها والطواف التقديسي حولها كل ذلك بعد عن الله سبحانه ونأي عنه ذلك ان حب الله والعبودية له دائمة على الاحساس بالافتقار الذاتي اليه والاحتياج الوجودي بين يديه وهما حقاً طريق القرب والوصال، ثم ان التكبر يتنافى ومنهج العبودية لله فالعبودية هي انقياد خالص لله والتكبر اسلوب للمخاصمة والمنازعة مع الحق ومن هنا حمل التكبر لوناً من الوان الالحاد لله ودرجة من درجاته.
ورد في اصول الكافي ان الامام الصادق (عليه السلام) سؤل عن ادنى الالحاد فقال: «ان الكبر ادناه».
وثمة يا اخي قضية في غاية الاهمية ينبغي ان نأخذها بمزيد من الجد وهي ان الله سبحانه هو الذي يأخذ بيد العبد ليهديه الى طريق العبودية العظيم وهو الذي يمن عليه بنظر لطفه وتوفيقه فيعبر به المراحل ويسهل عليه العسير، جاذباً اياه اليه ومزيلاً الحجب من امامه الواحد بعد الاخر حتى يصفو الانسان لسعادة العبودية، لكن انطواء نفس الانسان على رذيلة التكبر يحرمه من الفوز بنظر الرحمة الالهية والكرامة الربوبية ويمنعه من الانجذاب القلبي نحو الله.
نقرأ حديثاً للامام الباقر (عليه السلام) يقول فيه: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) «ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر اليهم يوم القيامة ولا يزيكهم ولهم عذاب اليم شيخ زان وملك جبار ومقل مختال اي معجب بنفسه» الحديث كما ترى في صدد القيامة يوم تبلى السرائر وتنكشف البواطن وتبدو الخفايا ويهمنا في هذا السياق التركيز على المقل المختال من بين هذه الاصناف الثلاثة وهو المتكبر التياه بنفسه المعجب بها فأنه يشمله الحرمان من نظر الله.
*******