من انماط الشخصية نمط يقال له الماسوشية، تكون فيه الشخصية خانعة مستسلمة لا ترى لنفسها من قيمة ولا لحياتها معنى الا من خلال الخضوع لشخصية طاغية اقوى تهيمن عليها وتشعرها بالامان وتقوم بمسؤولياتها نيابة عنها وهذه الشخصية الطاغية هي التي تعرف بالشخصية السادية.
ان كافة الاشكال السادية التي يمكن ان نلاحظها انما ترتد في النهاية الى دافع اساسي واحد هو السيطرة الكاملة على الشخص الاخر وان تجعله موضوعاً عاجزاً تحت ارادتها وتصبح هي الحاكم المطلق عليه تتصرف فيه كما تشاء فتذله وتستعبده وان تجعله يعاني فأنه لا توجد سيطرة على الشخص الاخر اقوى من بث الالم فيه لارغامه على الاحساس بالمعاناة دون ان يكون قادراً على الدفاع عن نفسه ان متعة السيطرة التامة على شخص آخر هي جوهر الدافع السادي، وهذا الميل للذات البشرية لان تكون سيداً مطلقاً على شخص آخر هو الضد المباشر للنيل الماسوشي وقد يبدو محيراً ان يرتبط هذان الميلان المتعارضان ارتباطاً وثيقاً فالرغبة في الخضوع والتبعية والمعاناة والعذاب هي عكس الرغبة في السيطرة والتسلط وجعل الاخرين يعانون، بيد ان الحاجة الاساسية الكامنة في الميلين هي في الواقع هي حاجة واحدة تنبع من العجز من تحمل العزلة والوحدة وضعف الذات والفرق بينهما ان احدهما يبحث عن الامان في شخص يبتلعه والآخر يسعى اليه عن طريق ابتلاع شخص آخر.
في ميدان العلاقات السياسية نجد ان الشخصية السادية تتحول الى شخصية استبدادية هي شخصية الطاغية المتسلط او القوة الامرة النشطة التي لا تعترف بالمساواة بين الناس لانها تتعارض والفلسفة التي تقوم عليها.
صحيح انها تستخدم كلمة المساواة في الشعار السياسي لكن هذا الاستخدام اما جرياً على العرف والعادة او لانه يحقق مصالح معينة مؤقتة، عزيزي المستمع ان العالم البشري في نظر هذه الشخصية الطاغية يتألف من نوعين، الفئة الاولى هم الاقوياء المتميزون والثانية هم الضعاف الذين لا حول لهم ولا قوة والشخصية العليا المتميزة هي شخصية القائد او الزعيم او كما قد يقال احياناً مبعوث العناية الالهية الذي لابد ان تخضع له الشخصيات الادنى اي الماسوشية السلبية العاجزة وهكذا يتحول هذا القائد الملهم الى ساحر يعينهم على الحياة ويحقق لهم مطالبهم في الحماية والنمو والامن والتطور وهم يشعرون بالعجز من دونه ولا يستطيعون اتخاذ قرار، انها شخصيات هزيلة تريد دائماً ان تكون تابعة منقادة معفاة من المسؤولية وذلك هو الفرار من الحرية خلافاً للانسان القويم الذي تصنعه رسالات الانبياء الالهيين المنقذة كما قال امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) «لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً».
ان اوضح مثال للعلاقة الماسوشية السادية بين الطاغية وشعبه في التاريخ المعاصر هو في المانيا النازية وان كان ينطبق على كل الطغاة في مراحل التاريخ، كان هتلر شخصية سادية متسلطة على نحو ما كان موسوليني في ايطاليا تهدف الى السيطرة التي لاحد لها على الاخرين ابتداءاً من المحيطين به وامتداداً الى الشعب الالماني ثم الى العالم بأسره، ويمكن ان يجد المرء في كتاب كفاحي لهتلر تعابير عديدة للرغبة السادية العارمة في امتلاك القوة وبسط الهيمنة، هذا الزعيم الذي يوصف طغياناً بالملهم يحب الجماهير الالمانية ويحتقرها في نفس الوقت ذلك ان الشخصية السادية لا يستطيع الحياة بدون الموضوع الذي تمارس عليه سيطرتها وسطوتها لكنها في الوقت نفسه لا تحترم هذا الموضوع ولهذا ترى هتلر يتحدث عن رضى الجماهير بالخضوع لسيطرته يقول ما تريده هذه الجماهير هو انتصار الاقوى وسحق الاضعف واستسلامه بغير شروط ويقول ان الجماهير كالمرأة تريد ان تخضع لرجل قوي لا ان يسيطر عليها رجل ضعيف فأنها تحب الحاكم القوي لا الحاكم المتضرع والمتوسل.
ويعتقد هتلر ان الزعيم قادر على الاستحواذ على ارادة الجماهير بل على تحطيم هذه الارادة اذا اصاخت السمع بعمق لقوة عليا تتحدث اليها وتلك في رأيه هي ماهية الدعاية، لكن الزعيم العبقري في نظره عليه ان يختار افضل الاوضاع التي يمكن ان تفقد فيها الجماهير ارادتها وان تذوب شخصيتها امامه وهو لا يتردد في الاعتراف بأنه عندما تكون الجماهير منهكة فأن ذلك هو الوضع الامثل للايحاء اليهم، ومن هنا فهو يحصي ساعات النهار او الليل التي تكون مناسبة اكثر لعقد الاجتماعات السياسية للجماهير ويرى ساعات المساء هي الافضل، يقول يبدو ان ارادة الناس تكون في الصباح وطيلة النهار قوية قادرة على التمرد على من يحاول ارغامها لقبول ارادة شخص آخر او رأي مختلف فأنهم يستسلمون بسهولة شديدة لقوة مسيطرة ذات ارادة اقوى.
ويصف جو بلس الزعيم النازي المعروف ووزير الدعاية في الحكومة النازية الجماهير بهذه الخصائص نفسها فيقول الجماهير لا تريد شيئاً على الاطلاق سوى ان تحكم بطريقة لائقة وعنده ان الجماهير بين يدي الزعيم القائد اشبه بقطعة الحجر بين اصابع المثّال.
وفي صدد العلاقة المتبادلة بين الماسوشية والسادية والحاجة المتقابلة بينهما يكشف جو بلس عن مدى ضيق القائد عندما يبتعد عن الجماهير، يقول ان المرء ليصاب احياناً بيأس عميق لا يقوى على التغلب عليه الا اذا واجه الجماهير مجدداً فالشعب هو ينبوع قوتنا.
وهكذا يكشف جو بلس بجلاء عن اعتماد الشخصية السادية، شخصية القائد المستبد على الجماهير التي يستمد من ضعفها وخنوعها قوته حتى انه لا يشعر باليأس والقنوط بل بالضعف والفراغ اذا لم يلقها امامه.
اما الجماهير نفسها فلابد من ترويضها لكي تنمى لديها الرغبة في الخضوع والاستسلام لقوة عليا وسلطة كبرى وان كان هذا لا يهبها شيئاً من قيمة ذاتية، ان قيمتها تكمن وحسب في انها موضوع يخضع للشخصية السادية لتمارس عليها تسلطها وتجبرها فالفرد ليس شيئا ولا قيمة له ولا اعتبار وعليه ان يتقبل هذه التفاهة والضعة الشخصية وان يذيب نفسه في قوة عليا وان يشعر بالفخر لانه يشارك في هذه القوة.
هذه الافكار هي جوهر التنظيم السياسي في العلاقة الماسوشية السادية بين القائد والشعب في عرف هذا اللون من الطغيان، اذ لابد من التنازل عن الذات في المصالح الخاصة والسعادة الشخصية ولابد من تربية الطفل بحيث تغرس فيه هذه الافكار ذلك ان هدف التربية في العرف النازي ان لا يؤكد الفرد ذاته وان الطفل في المدرسة ينبغي ان يتعلم الصمت، ان يكون صامتاً ليس عندما يوجه اليه اللوم وحسب بل عليه ان يتعلم ايضاً اذا اقتضت الضرورة ان يتحمل الظلم بصمت.
واذا كانت التربية النازية تستهدف ايجاد شخصيات ماسوشية ضعيفة مستسلمة فأنها لا تنسى الجانب الاخر من المعادلة اي تكوين شخصيات سادية تواصل ما يقوم به النخبة من اعمال السيطرة على الاخرين، يقول هتلر: ان تطور التلميذ وتربيته بأسرها لابد ان تتجه الى ان نغرس فيه الاقتناع بأنه متفوق على غيره تفوقاً مطلقاً كما ينبغي على الطفل ان يتعلم من ناحية اخرى كيف يعاني من الظلم دون يتمرد، وتلك هي الخاصية التي تتميز بها العلاقة الماسوشية السادية، علاقة ازدواج التناقض، القوة والضعف، السيطرة والاستسلام، الحب والكراهية، الامتنان والاحتقار، الرغبة العارمة في السيطرة والرغبة العارمة في الخضوع والاستسلام في وقت واحد. وهي العلاقة ما بين زعماء النازية والجماهير.
ان القادة او الزعماء وحدهم من يحق لهم الاستمتاع بالسلطة والسيطرة والقوة اما الجماهير فأن عليها ان تقنع بالخضوع والاستسلام ولكنها اذا ارادت ممارسة هذا الجانب السادي المتسلط فلديها الاقليات العرقية والاقليات السياسية في داخل المانيا وخارجها ذلك ان الامم الاخرى توصف عند النازي بأنها ضعيفة عاجزة عديمة الجدوى وفي حالة انهيار ومن ثم فهي موضوعات يمكن ان تتغذى عليها سادية الجماهير ولا يتخفى الطاغية السادي هتلر في اعلان رغبته في السيطرة على العالم بأعتبار ذلك هدفه الرئيس، يقول مثلاً: في هذه الحقبة المسمومة بالعنصر العرقي فأن الدولة التي تنذر نفسها للمحافظة على افضل العناصر العرقية ودعمها لابد ان تكون يوماً سيدة العالم.
*******