"الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا" المائدة 3
وأعلنت هذه الآية الكريمة عن أعظم ركنٍ من أركان الإسلام، وبه كان الكمال والتمام في الدين والنعمة، والرضا من الله سبحانه، ولهذا قال النبي(ص): "مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَهَذَا عَلِيٌّ مَوْلَاهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ وَ انْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَ اخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ".
وكان ذلك اليوم يوم عيد، وسمي عيد الغدير و"عيد الله الأكبر".
نعم إنّه عيدٌ أكبر من كلّ الأعياد الإسلاميّةِ، لما يحمل من عمق في معناه، وتأثير كبير في مسار الأمة الإسلامية.
لم يكن اختيار الزمان لإعلان قضيّة الولاية اختياراً من الرسول الأكرم (ص)، بل كان اختياراً من الله سبحانه وتعالى، فقد جاء الوحي منه سبحانه: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ... } المائدة 67
وهذا يعني أنّ هذه رسالة إلهيّة يجب عليك أيها النبي أن تُلقيها إلى الناس، وهذا ما صدع به النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) حين أمر.
وحادثة الغدير حدّدت للأمّة الإسلاميّة تكليفها من ناحية التوجيه ومن ناحية الحكومة.
أجل، فالقرآن قد جعل معياراً يحدد للأمة وظيفتها ومسارها العام، والأمة حادت عن المعيار القرآني ولم تنهض بتكليفها، والشواهد التاريخية على هذا كثيرة، ولا محل لسردها هنا.
ومع علم النبي(صلى الله عليه وآله) بأن ما أمر به الله تبارك وتعالى لن يعمل به، وكان النبي(ص) قد أخبر بذلك، غير أن القرآن قال بعد الانتهاء من مراسم تنصيب أمير المؤمنين عليه السلام وليَّاً، قال: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ...} المائدة:3
نعم اليوم يئس الذين كفروا لأن إرادة الله تعالى تحققت، وهذا ما كانوا يخشونه، ويسعون جاهدين دون تحققه {وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} يونس 82
إذن فالمعيار الذي أراده الله تبارك وتعالى تحقق، والولاية أمر الله، وذات يوم ستفتح الأمة عينها على هذه الحقيقة، لتطبق المعيار، وتمتثل أمر الله تعالى وتتخذ أولياء الله الحقيقيين ولاة أمرها.
من هنا تبرز أهمية الغدير، ولهذا هو عيد الله الأكبر، لأنه يمثل قانون الله والمعيار الذي جعله ليتم على أساسه اختيار الولي.
ثم إن الشخصية التي انتخبت لهذا المقام، لم تكن بالشخصية العادية، فهي النموذج الأرقى، لترتقي سُدَّةَ الحكم، لما تحمله من مواصفات مؤهلة لهذا المنصب الإلهي.
فعليٌ أول القوم إسلاماً، وعليٌ أخلصهم إيماناً، وعليٌ أشدهم يقيناً، وعليٌ أخوفهم لله، وعليٌ أعظمهم عناءً، و عليٌ أفضلهم مناقب، وعليٌ أكرمهم سوابق، وعليٌ أرفعهم درجة، وعليٌ أقربهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأشبههم به هدياً وخلقاً وسمتاً وفعلاً، وعليٌ أشرفهم منزلة، عليٌ أكرمهم على الله تعالى، وعليٌ أصوبهم نطقاً، وعليٌ أكبرهم رأياً، وعليٌ أشجعهم قلباً، وعليٌ أحسنهم عملاً، عليٌ أعرفهم بالأمور.
وما شئت فحدث عن علي فلن تعدوَ الحق، بل علي قطب رحى الحق ومحوره.
وهنا تجد أن علياً عليه السلام هو المعيار والمقياس والميزان الذي على أساسه يكون وليُّ الأمة وسيدها وقائدها.
يخاطبه العبد الصالح الخضر عليه السلام في الزيارة: وسبقت سبقاً بعيداً، وأتعبت من بعدك تعباً شديداً.
هذه المعايير المتعدّدة للتفوق والتميّز في الإسلام، حددت مواصفات الشخصية القيادة الأولى للمسلمين.
وبناء على ما تقدم كان يوم جعل معيار اختيار وليّ الأمة الواجب عليها تولّيه وأتباعه، فكان عيد الله الأكبر، وكان عيد الغدير.
بقلم الناشط القرآني والمقرئ اللبناني "الشيخ طلال المسمار"