في الفكر السياسي القديم تحدث ارسطو طاليس عن اشكال الحكم وصنفها صنفين فمنه شكل الحكم الصالح وشكل الحكم الفاسد وكان حكم الطاغية احد اشكال الحكم الفاسد في تصنيف ارسطو، يرى ارسطو ان الطغيان صورة من صور الحكم الفردي عندما يتحول الى حكم سيء ينفرد فيه صاحبه بالسلطة دون حسيب ولا رقيب فلا يكون ثمة قانون بل الحكم لارادة الفرد المتسلط الذي لا يتحمل مسؤولية من اي نوع انه السيد الاول الاوحد الذي يحكم بصلحته الشخصية ولاهدافه الخاصة وحدها، ويضيف ارسطو ان هذا النوع من الحكم مما كان بالاكراه فأن الطاغية فيه يغتصب الحكم اغتصاباً دون ان يكترث برضى المواطنين، انه يصل الى الحكم بالقوة المسلحة او بحد السيف دون ان يستند الى اي حق شرعي في توليها وذلك هو تعريف الطاغية الذي ساد الفكر السياسي الاوربي بعد ذلك ، يقول جون لوك معرفاً الطغيان تعريفاً يكاد يكون هو نفسه تعريف ارسطو اذا كان الاغتصاب هو ممارسة انسان ما لسلطة ليست من حقه فأن الطغيان هو ممارسة سلطة لا تستند الى اي حق، والسيرة الاخرى التي سادت الفكر الاوربي واخذت من ارسطو ايضاً هي ان الطاغية يستخدم السلطة التي انفرد بها لمصلحته الخاصة ويمكن الجمع بين هاتين السمتين في سمة واحدة هي عدم المسائلة فهو غير مسؤول امام اي احد ولا يجرؤ احذ على محاسبته ولو بالاشارة.
ويقارن ارسطو بين الملوك الذين نشأوا في اسر رفيعة وخرجوا من طبقات اجتماعية عليا وبين الطغاة الذين نشأوا في اجواء متدينة ومن الطبقات الشعبية ولهذا استهدفوا في البداية حماية الجماهير التي خرجوا منها ضد طبقة النبلاء والاشراف انذاك، الطاغية يظهر لانقاذ الجماهير ويستحوذ على السلطة بدعوى رفع الظلم عن الطبقات الكادحة المحرومة بل ان الطاغية قد يلجأ الى اشاعة الفوضى والبلبلة والاضطراب ليشعر الجماهير بحاجتها اليه وحمايتها من طبقة الاغنياء التي تستولي على حقوقها، بيد ان ارسطو ينبه الى انه ليست هذه هي الطريقة الوحيدة لمنشأ الطغاة فعلى الرغم من ان العدد الاكبر من الطغاة قد نشأوا بهذه الطريقة في الامة التي كانت فيها الطبقات الشعبية قوية الا ان بعض الطغاة في حقب اقدم نشأوا بطرق مختلفة، بعض الطغاة استمد مصدره من طموحات الملوك الذين انتهكوا الحدود التقليدية لقوانين بلدانهم فطمعوا في اكتساب سلطة استبدادية ومعظم نظم الطغيان الاخرى اسسها رجال اصلاء انتخبهم الشعب في البداية لمهمات عليا فالملوك قد ينقلبون الى طغاة اذا لم يتقيدوا بالقوانين، والحاكم العسكري قد ينتهز الفرصة فيمد السلطة الممنوحة له لاداء مهمة معينة، ويتولاها طيلة حياته ويسخرها لاغراضه بل قد يخرج الطاغية من قلب النظام الاوليجركي اي حكم القلة الغنية عندما تختار هذه القلة شخصاً معيناً تمنحه اختصاصات سياسية واسعة الى ابعد حد كالاشراف على شؤون الدولة ومراقبتها.
وفي جميع هذه الحالات عزيزي المستمع تسنح الفرصة لشخص من الاشخاص الطموحين ليصبح طاغية اذا اراد فقد يتاح له ان توضع السلطة كلها في يديه او يخضع لاغراء المنصب خاصة اذا كان من المناصب العليا، وقد حدث ذلك على امتداد التاريخ اليوناني القديم في كثير من المدن اليونانية وعلى هذه الشاكلة اصبح فيدون طاغية لمدينة ارجوس وقد يبدأ الحاكم ملكاً ثم يصير طاغية على نحو ما حدث لطغاة ايونيا وفلاريس الذين استغلوا مناصبهم جسراً للطغيان.
والان اخوتي المستمعين كيف يحافظ الطاغية على حكمه؟ يرى ارسطو ان الطاغية يحتفظ بعرشه بأحدى وسيلتين نتحدث في هذا اللقاء عن جوانب من الطريقة الاولى، الطريقة الاولى التي يعتقد ارسطو ان الطاغية يلجأ اليها للاحتفاظ بعرشه هي مألوفة لنا تماماً ومعروفة فهي تقليدية يتوارثها الطغاة ويسير عليها معظمهم في تدبير شؤون سلطتهم وقد ابتكر اغلب خصائص هذه الطريقة في الاصل بريندر طاغية كورنث وان كان قد استمد الكثير من سماتها من نظام الحكم في بلاد فارس واهم هذه الاساليب التي يعمل اليها الطاغية لحفظ سلطته:
اولاً: ان الغاية النهائية للطاغية لكي يحتفظ بعرشه هي تدمير روح المواطنين وزرع الشك وانعدام الثقة فيما بينهم وجعلهم عاجزين عن عمل شيء او فعل شيء كذلك تعويد الناس على الخسة والضعة والعيش بلا كرامة بحيث يسهل عليهم ان يكيفوا مع الذل والهوان.
ثانياً: القضاء على البارزين من الرجال واصحاب العقول الناضجة واستئصال كل من توفق او حاول ان يرفع رأسه.
ثالثاً: منه الموائد المشتركة والاجتماعات والنوادي ومنع التعليم او جعله لوناً من الدعاية للحاكم وحجب كل من يعمل لتوعية الناس وكل من يبث الشجاعة والثقة بالنفس.
رابعاً: منع المواطنين من التجمع لاغراض ثقافية او اي تجمع مماثل واتخاذ كافة السبل التي تغرس في المواطن الشعور بأنه غريب عن بلده بقدر المستطاع ذلك ان تعارف المواطنين وتواده يؤدي بأستمرار الى ثقة متبادلة.
الاسلوب الخامس: الذي يلجأ اليه الطاغية للاحتفاظ بعرشه هو اجبار كل مقيم في المدينة ان يظهر للعيان بصفة مستمرة واكراهه بوجه عام ان لا يجاوز ابداً ابواب المدينة الا اذا كان الطاغية واعوانه على علم بما يعمل الناس في دولته وهكذا يواصل الطاغية استعباد المواطنين وعن طريق الاستعباد المستمر يألف الناس حياة الضعة والهوان.
سادس اساليب: الحاكم الطاغية للمحافظة على كرسي السلطة عزيزي المستمع هو انه يجتهد لتكون لديه معلومات منتظمة عن كل ما يفعله رعايا وما يقولونه وهذا يعني ان تكون هناك اجهزة امن ومباحث وشرطة سرية وجواسيس وعيون يبثها في ارجاء البلاد على نحو ما كان يفعل طاغية سيراقوص لما كان يستخدم جواسيس من النساء او المتنصتون الذين كان يبعث بهم هيرو الطاغية في كل التجمعات والمحافل العامة فأن الناس بهذه الطريقة كانوا يقللون من صراحتهم اذا ما تكلموا عن نظام الحكم او يكتمون اراءهم في داخلهم خشية من الجواسيس وخوفاً من العيون والاذان المنتشرة حولهم مما يعني اختفاء حالة انتقاد السلطة والتهيب بالكلام السياسي، الاسلوب السابع اغراء المواطنين ان يشيء بعضهم ببعض مما يقود الى انعدام الثقة بينهم ونشوب الخلافات بين الاقارب والاصدقاء وزملاء العمل الواحد من كل الطبقات وهكذا يبذر الطاغية الشقاق والنميمة ويثير حقد الشعب على الطبقات العليا التي يحرص على ان يفرق بينها واخيراً هناك اسلوب للطاغية هو افقار رعاياه لينشغل المواطنون بلقمة العيش فلا يجدون الوقت الكافي للتفكير السياسي والعمل السياسي للاطاحة بالطاغية او حسب تعبير ارسطو انهم لا يجيدون من الوقت ما يتمكنون فيه من التآمر عليه.
*******