منذ البدء كان الامام الحسين (عليه السلام) مدخراً لمهمة كبرى حين تتوغل امة جدة (صلى الله عليه وآله) في اعماق الفتن والابتلاء وكان الامام (عليه السلام) يعلم انه مقتول في النهاية، والذين من حوله كانوا يعون هذا بوضوح، انه (سلام الله عليه) جاء ليخرج اهل عصره من كهف مظلم دخلوه، فمن اجابه ونصره يكون قد عبر قنطرة الدنيا بأمان ومن قاتله وسفك دمه المقدس يكون في زمرة اعداء النبي واعداء الله، لقد فصل الامام الحسين (عليه السلام): الناس الى فريقين متميزين لا يلتقيان، ايمان لا نفاق فيه ونفاق لا ايمان فيه، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخبر بما يقول به امر هذه الامة ويخبر بمقتل ولده وحبيبه الحسين بن علي (عليهما السلام) وقد وصف الموضوع الذي تدور فيه واقعة كربلاء بل احضر له جبرئيل من تربتها الى حد ان مؤرخين ممن مثل الطبري يروون ان اهل ذلك الزمان كانوا يعرفون ذلك وينتظرون في كل يوم وليلة وروى ابن ابي شيبة ان الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) قال: ليقتلن الحسين قتلاً واني لا عرف تربة الارض التي بها يقتل قريباً من النهرين وروي انه مر بالمقتل الذي يقتل فيه الحسين وقال: ها هنا مناخ ركابهم وموضع رحالهم ومهراق دماءهم فتية من آل محمد يقتلون بهذه العرصة تبكي عليهم السماء والارض والامام الحسين كان يعرف كل ما يتعلق بحركته، كان يعرف ان جند الباطل سيجتمعون ويزدلفون اليه لقتله وقطع رأسه وتمزيق بدنه القدسي، كان يعرف انهم سينهبون رحله ويسبون ذراري رسول الله بعد قتله واكثر من ذلك ان امير القتلة عمر بن سعد بن ابي وقاص هو نفسه كان يعرف موقفه من سيد شباب اهل الجنة الامام الحسين، قبل ان يتحرك الامام تلقاء العراق، روى ابن عساكر ان علي بن ابي طالب (عليه السلام) قال لعمر بن سعد: كيف انت اذا قمت مقاماً تخير فيه بين الجنة والنار فتختار النار.
اجل يا اخي، كان الناس يعرفون حقيقة الاحداث قبل وقوعها لكي يجدوا فرصة يختارون فيها سبيل النجاة ولا يتورطون بسفك الدم الحسيني الطاهر الذي يعني الاجتراء عليه الخسران المبين، ولم يكن الحسين (عليه السلام) ممن يمكن ان يشبه في شأنه احد من المسلمين بعد البيانات النبوية المستفيضة ممن مثل قوله صلوات ربي عليه وآله «الحسن والحسين سيد الشباب اهل الجنة»الذي رواه ستة عشر صحابي ومثل قوله (صلى الله عليه وآله): «هما ريحانتاي من الدينا» وقوله: «من احبهما فقد احبني» وروي ان حبر الامة عبد الله بن عباس كان يأخذ بالركاب للحسن والحسين اذا ركبا، ويرى هذا من النعم عليه كما رواه احمد، وما ورد في ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) على انفراد جل كثير، قال ابو هريرة: رأيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حاملاً الحسين وهو يقول اللهم اني احبه فأحبه، وعن جابر بن عبد الله الانصاري سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: من سره ان ينظر الى رجل من اهل الجنة فلينظر الى الحسين بن علي.
كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يحدد من خلال الاحداث الكبرى في الجيل الاول يحدد المثل الاعلى للخير والمثل الاعلى للشر ويبين ان المثل الاعلى للخير غايته الله ومقامة الجنة ورضوان من الله اكبر اما المثل الاعلى للشر ففي طريقه تكون الفتن الذي يغيب فيها العقل وتلتبس فيها الامور ولا ينجو الا العالم البصير لحقيقة ما يجري.
وكان ابو عبد الله الحسين (صلوات الله عليه) علماً من اعلام طريق المثل الاعلى للخير الذي غايته الله وحده، كان ابو عبد الله دعوة لرفض الظلم والاستكبار على عباد الله المساكين فالسلطة الاموية الحاكمة تسير بالناس نحو طريق لا يورث الامة الا الذي والهوان، الم يقتل حجر بن عدي ويدعي معاوية زياداً ولم يبق من معالم الدين الا الصلاة التي ابيعت ايضاً، الم تنفق اموال المسلمين على تدبير المؤامرات وقبل ان ترى الدولة انهم معارضون لسياستها، الم تتخذ الدولة بطانة لها من النصارى وعلى رأسهم سرزون الرومي موضع سر معاوية، الم تكن الساحة قد طفحت بثقافة سب الامام علي (عليه السلام) على منابر الشام وغيرها بأجيال سيكون لهم الاثر البالغ في مسيره الامة بعد عام ٦۰ للهجرة، ان هذا الطفح كان لابد له من مثل اعلى للخير فمن تذكر الموت وعلم ان لكل ذرة في هذا الكون رسالة وان رسالته الوقوف في خنادق القيم الالهية والسير على هداها وفي اتجاه اهدافها، من علم ذلك فأنه لن يجد مشقة في الوقوف تحت مظلة المثل الاعلى الرفيع ويكفيه عنوان من احب ان ينظر الى سيد شباب اهل الجنة فلينظر الى هذا يعني الحسين، ويكفيه ايضاً العنوان التحذيري القاطع البتار، ان ابني هذا يقتل بأرض من ارض العراق، يقال لها كربلاء: فمن شهد ذلك فلينصره وفي رواية فمن شهده فلينصره وفي رواية ثالثة فمن شهد منك ذلك فلينصره.
لقد كان العصر الاموي على علم بأحداث الامام ابي عبد الله الحسين في خطوطها العريضة وكان الامويون يعلمون بما يترتب على قتلهم سيد شباب اهل الجنة ويعلمون انهم قد سلكوا طريق الجاهلية المظلم الذي يقضي الى عذاب الحريق مع انهم قد امروا كما امر الناس بأحاديث رسول الله ان ينصروا الحسين ويقفوا مع مثل الخير الاعلى ويتبعوه، كان موقف الصمت والتفرج هو ما كانت عليه الاغلبية من الناس وكأنهم قد انسوا كل تلك الدلالات النبوية وكل تلكم التحذيرات.
ومن الثابت في التاريخ ان معاوية كان يسب اهل البيت على منابر الشام ولن تقف الاكثرية ضد هذه الثقافة التي ليس فيها نصر للحسين، لم يعملوا بسياسته لو ان الناس اعتزلوهم، كما ورد في حديث رسول الله الذي رواه البخاري ولم يدخلوا بقول النبي (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع: ايها الناس خذوا العطاء ما كان عطاءاً فأذا تجاحفت قريش على الملك وكان عن دين احدكم فدعوه.
وقال: خذوا العطاء مادام عطاءاً فأذا كان انما هو رشاً فأتركوه ولا اراكم تفعلون الا وان رحى بني مرجان قد دارت وان رحى الاسلام دائرة وان الكتاب والسلطان سيفترقان فدوروا مع الكتاب حيث دار. ان الاغلبية بعد وفاة النبي بأقل من خمسين سنة لم يعتزلوا بني امية عندما تبينوا ان معاوية يتجاحف على الملك وهو من الطلقاء ويبذر المال بذراً لوقف تقدم الذين يدورون مع الكتاب حيث دار، ولا يعني هذا ان بني اميه قد شقوا طريقهم بسهولة ويسر فأن خير امة اخرجت للناس ما نامت وان كان اكثرهم قد قتل ولو لم يكن غير هذه الفئة القليلة لكان ذلك كفاية لان التاريخ قد سجل وعلم الشاهد والغائب ان خير امة اخرجت للناس وقفت للظلم والاستكبار بالمرصاد ومعاندة الحق الذي اتخذ من الدين رداءاً له وهكذا دارت واقعة كربلاء بين قلة قليلة هي على بينة وبصيرة وترفع رأية القرآن والسنة وتنادي بأقامة العدل وبين امة ترفع راية الاسلام وهي تريد معاك الحق.
*******