البث المباشر

قلب الحليم يستنزل الرحمات الخاصة

الخميس 24 يناير 2019 - 17:22 بتوقيت طهران

الحلقة 54

تحية مودة اخي الكريم مشرقة بالصفاء ومتوردة بالامل واهلاً بك في لقاء اليوم والسلام عليك ونحن نتنفس نقاوة الهواء ونستدفأ بضوء الشمس السخي حيث التعرف والتبصر والامتلاء بالحكمة والبصيرة هو ذا نحن اذن نبدأ هذ اللقاء.
لا ريب يا اخي ان المؤمن الصادق الايمان يهمه امر صلته القلبية بالله تعالى ويعنيه ان يرقى الى مقام القرب من الحق والى مقام الرضوان ويبحث دائماً عن السبل التي تبلغ به هذا المقام النفيس، من هذه السبل فضيلة مهمة مضادة للغضب ومعاكسة له هي فضيلة الحلم، يقول الامام الصادق (عليه السلام): «من كظم غيظاً ولو شاء امضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضاه» معنى هذا عزيزي المستمع ان الله عزوجل يرضي عمن كظم غيظة وتعامل بالحلم يرضى عنه في هذه الحياة الدنيا ويودع رضوانه في باطن قلب المرء، حتى اذا كان يوم القيامة يوم انكشاف السرائر ظهر هذا الرضوان في العلن ومن البين يا اخي ان رضوان الله يتضمن كل خير وكل بهجة ونعيم مما لا نستطيع ان نتصوره الان ونحن قابعون في عالمنا المادي المحجوب، ومتى امتلأ قلب العبد يرضى الله فقد بلغ اعلى الغايات وفاز بلقاء الله تبارك وتعالى.
ان قلب الانسان الحليم الذي يرد غيطه ويحبسه يصبح مكاناً مقدساً تتنزل فيه رحمة من الله خاصة فأذا نجح المرء في كبح غضيه الذميم وقابله بالحلم ولم يحترق باطنه بنار الغضب وظل محافظاً على فضيلة الحلم في المواقف الصعبة فأن الافاضات الربوبية تتنزل على صدره وتغسله بالنور وبالمزيد من الهداية والتبصر، وان الرجل كما يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليدرك بالحلم درجة الصائم القائم وهذا يعني انه يكون دائماً موفقاً لتلقي الالطاف الالهية كما هو حال من يواظب على صيام النهار وقيام الليل ومن هنا وصف امير المؤمنين علي (عليه السلام) صفة الحلم بأنها خير، قال (عليه السلام): «ليس الخير ان يكثر مالك وولدك ولكن الخير ان يكثر علمك ويعظم حلمك».
عزيزي المستمع الكريم، ثمة اثر نوراني آخر لخصلة الحلم هو دخول صاحبها في امن الله وامانه اي فوزه بالسلامة من وساوس الشيطان والامان من المزالق والضلالات، انها لنعمة كبيرة ان ينال احدنا الامن المعنوي والضمان الالهي للاستمرار على الصراط دون ان تزل به قدم كثمرة من ثمارات كظم الغيظ والتغلب على هيجان الغضب وهذا الامن من الخواطر الشيطانية انما هو لازمة ضرورية لمن يريد ان يمشي في الطريق الى الله حافظاً قليه وصائناً لباطنه، هذا المعنى في الامن والسلامة الداخلية يبشرنا به الامام محمد الباقر (سلام الله عليه) في قوله: «من كظم غيظاً وهو يقدر على امضاءه حشى الله قلبه امناً وايماناً يوم القيامة» وواضح يا اخي ان حشو القلب امناً وايماناً انما يكون في هذه الحياة الدنيا كامناً مستتراً لكنه يتجلى علناً يوم القيامة بما يتناسب وحقائق الاخرة.
لا تقف ثمرات الحلم عند هذا الحد فهي كثيرة وذات اهمية كبيرة وكل منها بنفسه فضيلة عظيمة ونعمة باهرة، ما عدا الامن من المزالق والمضلات وما عدا كرامة الرضى والرضوان، هناك نعمة ستر العيوب التي هي ثمرة طيبة اخرى من ثمار الحلم، ومما لا ريب فيه ان النقائص الكائنة في نفس الانسان تعد عقبات امام الارتقاء الروحي في الطريق الى الله والعجيب ان التطهر من رذيلة الغضب والدخول في نور الحلم يورث الستر الالهي والاغضاء عن عيوب الانسان والتسامح ازاء نقائصه الداخلية فينفتح عندئذ امامه الطريق للارتقاء والصعود، يقول الامام جعفر الصادق (عليه السلام): «من كف غضبه ستر الله عورته».
ثمة نقطة مهمة يا اخي المستمع الكريم ينبغي الاشارة اليها هي ان الحلم قد يتصف به الانسان في حالات وفي موارد من سلوكه اليومي لكنه ليس حلماً بالمعنى الواقعي اي انه قد يتعامل بالحلم ظاهرياً لكن غضبه محتدم في الصدر وهذا تشبه بالحلم وليس فضيلة راسخة وملكة ثابتة، وفي مثل هذه الحالة لا يكون لمثل هذا الحلم الظاهري النتائج والثمرات التي ذكرناها انقاً.
ان ما يعد كمالاً للانسان وفضيلة كبيرة هو ان يتحول الحلم الى خلق ثابت في داخل المرء لا حالة مؤقتة وهذه الملكة الراسخة مما يمكن تحصيله بالتدريب والاستمداد من الله عزوجل بحيث لا يسمع احدنا لنار الغضب ان تضطرم في داخله ولا يدع ثغرة يتسلل منها الغيط الى نفسه، وتعبير سعة الصدر يراد به هذا المعنى فلا يؤذن للغضب الذي هو جمرة الشيطان كما تعبر عنه الاحاديث بأن يجدله موضعاً في القلب وعندها تتجلى في الانسان تلكم الثمرات العظيمة التي يمن الله بها على الحليم الكاظم غيظه ولا خفاء يا اخي ان الانسان في مسيرته الايمانية يحتاج الى وقاية عاصمة من الذلل والانحراف ورب خطأ يصدر منه يسقطه ويرديه فيحل به غضب الجبار فيصاب بالاخفاق ويرجع بالخيبة والخسران، اما اذا كانت وقاية عاصمة فأنه يكون في مأمن من غضب الله وفي حرز من الحرمان والخذلان مما يهديه الى التوفيق في مسيره الايماني متقدماً فيه الى الامام، ان خصلة الحلم والاستعلاء على الغيظ الشخصي والغضب هي في الواقع وقاية وصيانة للانسان وعصمة وامن وامان.
جاء في حديث للامام الصادق (عليه السلام): «اوحى الله عزوجل الى بعض انبياءه، يابن آدم اذكر في في غضبك اذكرك في غضبي، لا محقك فيمن امحق».
وفي رواية اخرى عن الباقر (عليه السلام): «مكتوب في التوراة فيما ناجى الله عزوجل موسى (عليه السلام)، يا موسى امسك غضبك عمن ملكتك عليه اكف عنك غضبي». بعد هذه وذاك يا اخي فالحلم وكظم الغيظ من لوازم الطريق ومن علائم الصدق في السلوك، يقول الحق جل وعلا في سورة آل عمران «الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ». الى حلقة اخرى استودعكم الله والسلام عليكم.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة