ايها الاخوة والاخوات السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. في الاخلاص لله نقاء وصفاء واستعداد لتلقى جمال التوحيد، والاخلاص في العبودية لله تعالى عمل جاد يمضي بالانسان نحو الطهر الباطني والظاهري ويخلصه من علائق الامراض الروحية الشائعة التي تجعل اعمار البشر هباءاً لا خير فيه، والاخلاص له مراتب ودرجات وهو مرحلة من مراحل الدين ومقام من مقامات الموقنين ولا يصل اليه المرء الا بتوفيق من الله تعالى وتأييد.
ان العبودية بدون اخلاص ما هي بعبودية على الاطلاق ذلك ان العبودية لا تتحقق الا بالاخلاص والعبودية بمختلف صورها متى خلت من الاخلاص لله سبحانه وتعالى فهي عبودية لغير الله، ولقيمة هذه المسألة المهمة تحدث عنها القرآن الكريم في مناسبات عديدة وباساليب متنوعة ينبغي لنا ان نتأمل فيها ونتدبر من اجل تصحيح السلوك ومن اجل تقوية المسيرة المعنوية الصاعدة الى الله تعالى واستمرار هذه المسيرة.
في سورة الزمر المباركة نقرأ في هذا الاتجاه قول الحق تبارك وتعالى «قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ»، وفي سورة البينة«وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء»، وهذه سورة المؤمن يقول فيها الحق تعالى «هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ».
الدعوة الى الاخلاص بينة يا اخي في هذه الآيات المباركات بأعتباره موضوعاً ضرورياً لصدق حركة الانسان في طريق العبودية لله ذلك ان الدين والاخلاص متلا زمان ومن اراد ان يتحقق بحقيقة الدين فأن عليه ان يتلبس صادقاً بحقيقة الاخلاص «أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ» كما يقول الحق في سورة الزمر.
والاخلاص في العبودية له ارتباط وثيق بالقصد والنية بمعنى انه ينبغي ان لا يكون للانسان في حركتة العبودية من قصد وغاية الا الله تبارك وتعالى، ان حركة العبودية والقيام بأي عبادة ينبغي ان يكون لها قصد واحد وغاية واحدة وهذه الغاية يقتضي ان تكون حاضرة قبل اداء العبادة وفي اثناءها وان تكون مستديمة بعد اتمام العبادة ايضاً، لا يفسدها شيء من النيات الدخيلة والمقاصد المزورة، وهذه النية الواحدة والغاية الواحدة ليست شيئاً غير امتثال امر الحق عزوجل والتقرب اليه وطلب رضوانه وابتغاء وجهه وارادة لقاء الله تعالى.
كما يرتبط الاخلاص يا اخي بالنية والقصد كذلك يرتبط بالنية والقصد ما يخالف الاخلاص وهو الرياء، ومن يراجع قلبة ويدقق النظر في زواياه يعرف مدى اخلاصه في الدوافع والنيات وتستبين له الاغراض الاخرى المستخفية في اطواء الدوافع الاصلية سواء كانت قبل العمل ام في خلاله ام بعد الفراغ منه، وليس معنى هذا ان تشخيص القصد والنية امر ميسور لكل احد فبعض صور الرياء متلابسة معقدة يصعب تمييزها ولكن صوراً اخرى يمكن للمرء ان يفهمها ويدركها ومن كان داخلاً في ميدان المجاهدات وغير متساهل في قضية النية ساعياً لتنقية مقاصده ودوافعه فأنه عادة ما يحظى بتوفيق الهي، يبصره بالامور ويريه الحقائق، كما قال عزوجل في سورة العنكبوت «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا» ولكن التهاون يا اخي في موضوع تصفية النية والاهتمام بظاهر العمل اكثر من الاهتمام بدوافعه ومجاهده اهواء النفس، كل هذا من شأنه ان يحرم الانسان من التوفق للتشخيص الدقيق لدوافعه ونياته وتفوت عليه معرفة الدوافع النزيهة والدوافع غير النزيهة اذا اختلطت في العمل الواحد مما يعني ان المرء يفتقد حينئذ الاخلاص في العبودية ترى ما الذي يعنيه هذا بالنسبة الينا؟ لا ريب ان هذا يعني ان نأخذ مسألة النية مأخذ الجد وان ننظر الى اخلاص النية وتنقية القصد على انه من اهم الواجبات ذلك ان معالجة النية القلبية مرحلة متقدمة تسبق المجاهدات العملية فمن البين الجلي ان العمل الصالح يتأسس على نية صالحة نقية وبالنية الخالصة يرتقي الانسان ويصعد في الطريق المعنوي الى الله عزوجل.
نقرأ في اصول الكافي رواية عن الامام الصادق (عليه السلام) حول قوله تعالى: «لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً».
قال (عليه السلام): ليس يعني اكثر عملاً ولكن اصوبكم عملاً، وانما الاصابة خشية الله والنية الصادقة الحسنة.
ثم قال: الابقاء على العمل حتى يخلص اشد من العمل والعمل الخالص الذي لا تريد ان يحمدك عليه احد الا الله عزوجل والنية افضل من العمل، الا وان النية هي العمل.
ثم تلى قوله عزوجل: «قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ» يعني على نيته، هذا الحديث المبارك يعلمنا اشياء عديدة منها ان الله سبحانه لا ينظر الى كثرة العمل ولا الى ظاهره بل ينظر الى قلب المرء الذي قام بالعمل، ماذا يخطر فيه وماذا يقصد من وراء عمله وماذا يريد، انه تعالى لينظر الى خشية الانسان في حال مجاهدته في مقام العبودية بنية خالصة ظاهرة.
والثبات على النية الخالصة وصونها من التلوث الى آخر العمل هي من القضايا المهمة ايضاً، الابقاء على العمل حتى يخلص اشد من العمل، ويعلمنا الحديث ايضاً ان عمل الانسان مبني على نيته فهو يمضي حيث تمضي النية ارتفاعاً وهبوطاً استقامة وانحرافاً فمن كانت نيته خالصة لله كانت حركته نحو الله ومن كان يريد في عمله غير الله كان قلبه متحركاً صوب الاغيار فوكله الله الى هؤلاء الاغيار.
عزيزي المستمع في اصول الكافي ايضاً عن الامام الصادق (عليه السلام) انه قال لعباد بن كثير البصري: «ويلك يا عباد اياك والرياء فأنه من عمل لغير الله وكله الله الى من عمل له» ان المحور الاساس يا اخي هي النية والانسان يمضي حيث تمضي نيته وما يحقق العمل الظاهري ويثبته هو النبة كما قال الصادق (سلام الله عليه): «الا وان النية هي العمل». الى اللقاء آخر من هذا البرنامج استودعكم الله والسلام عليكم.
*******