البث المباشر

الاعجاب بالنفس غير الثقة بها

الخميس 24 يناير 2019 - 17:20 بتوقيت طهران

الحلقة 52

ايها الاخوة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. من الحواجز المرهقة التي تعيق حركة الانسان على الصراط المستقيم حاجز العجب بالنفس والرضى عنها بكل حال، والواقع يا اخي المستمع ان العجب بالنفس هو رذيلة خطيرة لها صور ومظاهر كثيرة ينبغي التنبه لها والخلاص منها قبل ان تقوى في داخل النفس وتستفحل فيصعب التخلص منها ولا تتيسر التوبة منها الا بمشقة كبيرة وبجهد جهيد.
نعرف اصحاب البصائر بجلاء ان صفة الاعجاب بالنفس التي يبتلى بها المرء انما تستمد وجودها من حالة الشرك الخفي والمؤسف ان كثيراً من الناس غير مبرء منها وهو متورط بشكل او بآخر في ظلامها ذلك ان صاحب العجب يرى في نفسه كمالاً فهو راضي عن نفسه معجب بها بحيث انه يرى لها قيمة وشأناً خاصاً غافلاً عن المؤثر الحقيقي سبحانه وتعالى في الوجود.
المصاب بداء العجب يعاني من وهم مزدوج فهو يرى لعباداته واعماله شأناً في مقام التعبد والعبودية فيجد نفسه مؤهلاً للدخول في ساحة القدس الالهي من جهة ومن جهة اخرى انه ينظر الى عباداته واعماله وحالاته الروحية على انها صادرة منه هو ومنبعثة من ذاته فهو الذي اجتهد في تحصيل العبادات وهو الذي سعى وثابر بجهده للفوز بالسعادات والحق ان صاحب هذا الظن هو اخطأ في الحالتين، اخطأ خطاءاً نابعاً من جهله ومن سوء تقديره فلا عباداته ولا اعماله ومجاهداته تليق بساحة القدس الالهي وهو من اكتسب الخير واتى نفسه الفضائل، انه لا شيء من عبادة العباد يليق بجلال الله سبحانه ولا شيء منها يؤدي حق العبودية لله تعالى وانه لا تصدر عبادة ولا مجاهدة من تلقاء العبد نفسه ابداً. انه لا كمال لعبد الا إذا تفضل الله تعالى به عليه فكل توفيق في العبادة وكل مقام صالح وكل انجذاب وشوق وكل اقبال على الله وانقطاع اليه كله هبة من الحق جل جلاله ولطف منه وفضل وعطف انه كما في الدعاء «ليس لنا من الامر الا ما قضيت ولا من الخير الا ما اعطيت».
من الغفلة يا اخي المستمع ان نقطع الخير عن مصدره الاصلي وننسبه الى انفسنا فلا ننظر الى الله في هذه الحالة بأعتباره مصدر الخير والتوفيق في كل لحظة من اللحظات بل تعظم انفسنا وننسب اليها ما بنا من خير ومن فعل هذا فقد انزلق الى مهاوي الخسران والبوار واداه عجبه بنفسه الى الطرد من ساحة الحق والى الحرمان.
ولا ريب ان من يكثر العودة الى نفسه معجباً بها ناسياً الله تعالى فأنما هو داخل في اودية الظلمات ومن نسي الله فأن الله عزوجل يهمله فلا يلقى الا الهلاك المستديم.
والمرء قبل ان يصاب بداء العجب يكون مبتعداً عن ظلمات نفسه الى حد ما ومتوجهاً تلقاء الحق تعالى فتشمله الالطاف الالهية لكنه حين ينزلق الى هذا الداء تشتمل عليه حجب غليظة تمنع وصول نور الحق اليه وفي هذا السياق يقول الامام الصادق (عليه السلام) من دخله العجب هلك.
وهكذا الامر بالقياس الى من يرى عباداته وحالاته الروحية والحسنة منبعثة من داخل نفسه وانه قال حصل عليها بسبب مجاهداته وصبره فهو راضي عن نفسه مسرور بها مستأنس بما ناله بجده واجتهاده وهذا في الواقع عزيزي المستمع جهل شنيع وعمى فضيع ينطوي على كثير من سوء الادب مع الله تبارك وتعالى.
ان الذي يذنب ذنباً ثم يندم عليه ويتوب منه بأشفاق وانكسار وحياء لهو خير من المتعبد المبتلى بداء العجب وهذا كشف نفيس اخر يقدمه الامام الصادق (عليه السلام) قال: «اتى عالم عابداً.
فقال له: كيف صلاتك؟
فقال العابد: مثلي يسأل عن صلاته وانا اعبد الله منذ كذا وكذا؟
قال العالم: فكيف بكاءك؟
فقال العابد: ابكي حتى تجري دموعي.
فقال له العالم: فأن ضحكك وانت خائف افضل من بكاءك وانت مدل، ان المدل لا يصعد من عمله شيئاً».
ولا ريب ان العبادة كلما كانت صحيحة ازدات معرفة العبد بالحق عزوجل وكلما ازدادت المعرفة بمقام الربوبية وتكاملت استصغر العبد عبادته وشعر في نفسه بالتقصير واستحيا من الله حتى يقر بعجزه عن اداء حق العبودية ويظل مترقباً حذراً خائفاً حتى يفتح الله له باباً من عنده وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
قال عبد الرحمن بن الحجاج للامام الصادق (عليه السلام): «الرجل يعمل العمل وهو خائف مشفق ثم يعمل شيئاً من البر فيدخله شبه العجب به».
فقال الصادق (عليه السلام): «هو في حاله الاولى وهو خائف احسن حالاً منه في حال عجبه».
ومن المخاطر التي تعترض سبيل المعجب بنفسه انه لا ينتبه الى ما يصدر منه في حاله العجب من خطأ او ذنب ولا يلتفت الى ما يبدر منه من معصية ذلك لانه مأخوذ بنفسه فرح بما عنده فلا يتفطن الى عيوبه ونقائصه وهذا من شأنه ان يحرم المرء من الاقبال المعنوي على الله تعالى ويسلبه الخير الكثير ويقعده على قارعة الخسران والحرمان.
روى الامام الصادق (سلام الله عليه) في سياق محاورة النبي موسى (عليه السلام) للشيطان فقال: «فقال موسى فأخبرني بالذنب الذي اذا اذنبه ابن ادم استحوذت عليه».
قال: «اذا اعجبته نفسه واستكثر عمله وصغر في عينه ذنبه».
نسأل الله سبحانه ان يعصمنا من مزالق العجب وان يرزقنا العبودية الصادقة له حتى لا نرى مؤثراً في الوجود غير الله. الى حلقة اخرى استودعكم الله والسلام عليكم.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة