البث المباشر

علي شريعتي.. الباحث والمفكر المناضل الحر

الإثنين 20 يونيو 2022 - 10:17 بتوقيت طهران
علي شريعتي.. الباحث والمفكر المناضل الحر

الدكتور علي شريعتي من أبرز مفكري حقبة النهضة والثورة الإسلامية والتحرر من الاستبداد، ترك إرثا مهما من الأفكار أسهمت في التمهيد لإسقاط نظام الشاه،

ولد علي شريعتي في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1933، في قرية مزينان التابعة لمدينة سبزوار بالقرب من مدينة مشهد، لأسرةٍ عريقةٍ في الثقافة والمعارف الإسلامية.

كان والده الشيخ محمد تقي شريعتي عالم دينٍ حيث تأثر الابن بفكر والده الذي أسس “مجمع الأبحاث القرآنية في خراسان”، والذي كان يرى في الإسلام حركة اجتماعية – تاريخية تهدف إلى تحقيق العدالة والحرية والمساواة في المجتمع الإنساني.

أنهى شريعتي دراسته الثانوية في مشهد ثم التحق بمعهد إعداد المعلمين، وتخرج عام 1953 ليصبح معلماً للمرحلة الابتدائية في إحدى القرى في عمر الثامنة عشرة، ثم تابع عام 1955 المراحل الأكاديمية في كلية الآداب بجامعة مشهد، لينال درجة ممتازة في الأدب عام 1958.

بعدها أُرسل في بعثة دراسية إلى جامعة سوربون في فرنسا، حيث درس علم الاجتماع والأدب، وحصل على شهادتي الدكتوراه في تاريخ الإسلام وعلم الاجتماع عام 1959.

تزوج شريعتي من زميلته في جامعة مشهد السيدة بوران شريعت رضوي عام 1956.

كانت تنحدر شريعت رضوي من عائلة معروفة بنشاطها في الجبهة الوطنية وفي معارضة سياسات الشاه آنذاك. باتت زوجته رفيقة له في تنقله بين فرنسا وإيران وإنجلترا، وقد أنجبا أربعة أبناء هم إحسان وسوسن وسارة ومونا.

بعد رحيله انكبت رضوي على التأليف، وترأست إدارة مؤسسة شريعتي الثقافية التي نشرت قسمًا كبيرًا من إرث المفكر الإيراني للعالم، وأصدرت كتاباً عن زوجها تحت عنوان “صورة من حياة” عام 2007.

نشاطه السياسي

بدأ شريعتي نشاطه السياسي باكرًا، فأثناء دراسته الثانوية شارك في النشاطات الطلابية الداعمة لحركة محمد مصدق قبل أن يصبح رئيساً للوزراء.

وبعد انقلاب عام 1953 انضوى شريعتي تحت لواء “حركة المقاومة الوطنية الإيرانية”، وبات مسؤولاً تنظيمياً في مدينة مشهد. في تلك الفترة اعتقله نظام الشاه مرتين، الأولى عام 1953 والثانية عام1957 واستمرت لثمانية أشهر.

بعد عودته من باريس عام 1965 ساهم شريعتي في تعبئة الجماهير الإيرانية، من أجل تحقيق الاستقلال والعدالة الاجتماعية والحرية. جماهير مؤمنة بالثورة. كان رأيه السياسي أن بلاد العالم الثالث ومن ضمنها إيران بحاجة إلى ثورتين مترابطتين ومتزامنتين هما: ثورة وطنية تنهي كل أشكال السيطرة الإمبريالية، وأخرى اجتماعية تُنهي كل أشكال الفقر وتجتث الفقر والرأسمالية.

شريعتي استقطبه آية الله مرتضى مطهري لإلقاء محاضراته في حسينة الإرشاد بطهران، حيث سعيا من خلالها إلى إرشاد الناس، وإحياء رسالة الإمام الحسين بن علي (ع) فكرياً وعملياً.

من هذه الحسينية طرح شريعتي رؤيته للإسلام بأسلوب جدي، مستندًا إلى علم الاجتماع. أدخل بُعد العلوم الاجتماعية ساحة التحقيق وشرح الإسلام، ومن خلاله نجح شريعتي في استقطاب الشباب المتأثرين بمذاهب فكرية أخرى، فتعلقوا به. كان يحضر دروسه وخطبه نحو ستة آلاف من الطلبة الجامعيين والخريجين.

ترك شريعتي إرثا مهما من الأفكار أسهمت في التمهيد لإسقاط نظام الشاه، اذ بلغ مجموع ما طبع له في السبعينيات 15 مليون نسخة وعدد الطلاب الجامعيين الذين سجلوا في محاضراته تجاوز خمسين ألف طالب وانتشر كتابه "الولاية" أكثر من مليون نسخة.

نشاطات شريعتي واجهتها فئة من علماء الدين. شنوا عليه حملاتٍ تشهيرية واتهموه بالزندقة، وتشويه الإسلام الحق، إلى أن أدرك مخابرات الشاه السافاك خطورة أفكار شريعتي الثورية على النظام الحاكم، وسرعة انتشارها في أوساط الشباب والمثقفين، فعمد إلى إغلاق حسينية الإرشاد عام 1973 ما كلفه مع والده 18 شهراً من التعذيب في سجون النظام قبل أن ترضخ السلطات للضغط الداخلي والخارجي خصوصاً بعد تدخل مسؤولين جزائريين لتفرج عنه عام 1975. لكنها ضيقت عليه ووضعته تحت المراقبة ومُنع من ممارسة أي نشاط.

وفي آذار 1977 سُمح له بالسفر إلى لندن، وبعد شهر عُثر عليه مقتولا في شقته في ظروف غامضة، واتهم كثيرون مخابرات الشاه بالوقوف وراء تصفيته بنفس الطريقة التي كانت تصفي المعارضين.

لم تسمح السلطة بدفن جثمان الدكتور شريعتي في إيران، فنُقِل إلى دمشق حيث دفن في مقام السيدة زينب، وصلى على جنازته الإمام موسى الصدر، وأقام له حفلا تأبينياً في بيروت ما أدى الى سحب الجنسية الإيرانية منه.

آثاره

ترك شريعتي العديد من الكتب المختصة بدراسة الفكر الإسلامي، وعلم الاجتماع، والفلسفة، والأدب، حتى بلغ أعماله أكثر من مئةٍ وخمسين كتابا، وترجم معظمها إلى العديد من اللغات الأجنبية.

كما أن العديد منها كان محاضرات ارتجالية ألقاها في حسينية الإرشاد وتم تسجيلها وتفريغها دون زيادة أو نقصان أو تعديل.

من أشهر كتبه: طريق معرفة الإسلام والعودة إلى الذات والحسين وارث آدم والدعاء والإسلام والإنسان والتشيع العلوي والتشيع الصفوي وفاطمة هي فاطمة والنباهة والاستحمار ومسؤولية المثقف وبناء الذات الثورية والتشيع مسؤولية وسيماء محمد والشهادة وأبي.. أمي.. نحن متهمون والأمة والإمامة ومسؤولية المرأة ودين ضد دين والفريضة الخامسة والإسلام ومدارس الغرب والإنسان والتاريخ.

من أقواله:

إذا لم يكن الشعب على وعي وثقافة قبل الثورة، فلا يلوموا أحداً عندما تسرق ثورتهم.

انهم يخشون من عقلك ان تفهم ولا يخشون من جسدك ان تكون قويا.

إن الحضارة الاستهلاكية هي أسوأ أو أقبح من الوحشية والهمجية ! نعم ان الذي يتحضر في الاستهلاك فقط فانه دون الوحشي، لماذا ؟ لأن الوحشي لا يعدم الأمل في تحضره عن طريق الإنتاج، لكن المستهلك من غير إنتاج يعدم الأمل به طبيعيا.

الحرية الفردية أداة تخدير كبرى لإغفال الحرية الاجتماعية، حيث النباهة الاجتماعية القضية ذات الأهمية الكبرى.

إن الدين الذي لا ينفع الإنسان قبل الموت لا ينفعه بعد الموت أيضاً.

في الحياة ليس العدو الحاقد المسلح بأخطر وأشد ضررا للشيخ من مريد متعصب متفان لكن لاعقل له.

المرأة التي تقضي سنة تتحدث بشأن جهازها وتساوم في مهرها والجواهر التي تُهدى إليها وفخامة حفل الزفاف، لا تزال جارية بالمعنى الكامل للكلمة.

الاستحمار هو طلسمة الذهن والهائه عن الشعور الانساني والاجتماعي وأشغاله بحق أو بباطل، مقدس أو غير مقدس.

إن شئت التمرد على الديكتاتورية وعدم الرضوخ للظلم، ما عليك سوى أن تقرأ وتقرأ وتقرأ.

إذا كنت لا تستطيع رفع الظلم، فأخبر عنه الجميع على الأقل.

عندما تقرر الوقوف ضد الظلم، توقع أنك سوف تُشتم ثم تتخون ثم تتكفر لكن إياك أن تسكت عن الظلم من أجل أن يقال عنك أنك رجل سلام.

الأفكار مشلولة .. العقول مخدرة .. الأوفياء يعيشون الوحدة .. الشباب يائس ومنحرف .. كسروا الأقلام .. كمموا الأفواه .. هذه سمات هذا العصر.

يقول عنه الدكتور دسوقي الشتا في تقديمه لترجمة كتابه "العودة إلى الذات": "كان شريعتي يستطيع آنذاك أن يكون أستاذاً مثل بقية الأساتذة، مفكراً مزيفاً.. ودليلاً متطوعاً للتنوير والتغريب... عاد شريعتي وبدلاً من أن يقوم بترجمة "الوجود والعدم" لسارتر… ترجم "سلمان الفارسي" لماسينيون. وبدلاً من أن يكتب عن أقطاب الغرب، كتب عن أبي ذر الغفاري …".

سعى على شريعتي كما يقول فاضل رسول إلى إخراج الدين من صومعة الانعزال، وجعله من جديد دين الحياة والكفاح الاجتماعي، ودعا إلى الثورة السياسية والاجتماعية كأفضل تعبير عن الإيمان والالتزام بمبادئ الإسلام، وأخيراً تصفية الإسلام من الخرافات والبدع وصيانته بالوقت نفسه من التغرب والخضوع للهيمنة على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية والأخلاقية، ورغم هاجسه الوطني والديني، إلا أن صاحب مقولة: "أن يكرهك الناس لصراحتك خير لك من أن يحبوك لنفاقك" تجاوز بأفكاره هذه الحدود إلى آفاق الإنسانية الرحبة، ويكفي أن نقرأ ما قاله في حقه الفيلسوف الوجودي الفرنسي جان بول سارتر: "أنا لا دين لي لكن لو خُيّرت، سوف أختار دين علي شريعتي".

وقال عنه الشيخ محمد يعقوب الإمام الصدر : في زمن الكساد والطقس الدنيء والردة على الأبواب، كان شريعتي فعل عطاء ورمز انبعاث وارتقاء، رعدا في عالم من السكون وسراجا منيرا في بحر من الظلام. في زمن التسول الفكري والغيبوبة الروحية كان علي شريعتي خط جهاد وفيض رسالة، لغة إلهية يحوكها على نول الوجود التزاما وأصالة، من معجن السماء خبز الفقراء ومن صحراء محمد (ص) لهيب الرجاء، ومن نهج علي عدالة وعزيمة ومضاء، ومن طيف الحسين شهادة ومنطق فداء.

انطفأت حياة علي شريعتي لكن جذوته لم تنطفئ؛ فقد هيأت أفكاره وكتبه ومحاضراته الأرض في إيران لقيام ثورة أطاحت بنظام الشاه بعد وفاة شريعتي بسنتين فقط.

ورغم مرور عشرات السنوات على رحيل علي شريعتي، إلا أن أفكاره عن المثقف والدين والمجتمع والاستعمار وغيرها ما زالت درسًا صالحًا لمجتمعاتنا التي هي بكل تأكيد في أمس الحاجة إلى الأسس الفكرية والأدوات المعرفية التي تنقذها من أوضاعها الراهنة.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة