التحديات التي واجهتها المفاوضات وحالت دون نجاحها وأدت الى وأدها وتوقفها كانت كبيرة، و قد شرحتُها للمشاهدين عبر قناتين فضائيتين حاورتاني اليوم، وذكرتُ أبرزها :
1/ نشوب الحرب في اوكرانيا واندفاع الدول الغربية في فرض عقوبات مشددة وغير مسبوقة على موسكو، وهذه العقوبات تجعل روسيا الطرف الخاسر الوحيد في أي اتفاق ايراني/ اوروبي/امريكي، لعدم امكانية استفادة روسيا من السوق الايرانية؛ تجارياً وعسكرياً، وتعيق قيامها بالإستثمار في أي مشروع ايراني، بسبب العقوبات الغربية المشددة، فلماذا تؤيد موسكو إذن التوصل لاتفاق بفيينا والتوقيع عليه؟ وما مصلحتها فيه؟
2/ ترتب على ذلك مطالبة الوفد الروسي والخارجية الروسية من الاطراف الغربية الاربعة[ المانيا وفرنسا وبريطانيا وامريكا] ضمانات موثّقة بعدم شمول العقوبات الغربية على موسكو (بسبب الحرب في اوكرانيا) لأي تعاون اقتصادي وتجاري مستقبلي مع ايران، وإلا ستكون موسكو وبكين الطرفين الخاسرين بعد توقيع اتفاق فيينا، بينما تحظى الدول والشركات الغربية بحصة الأسد وتغدو هي الرابح والمستفيد الوحيد من الاتفاق المرتقب في فيينا والذي كان وشيك التوقيع، فتوقف.
3/ العنصر الثالث لتجميد المفاوضات امتناع امريكا عن إعطاء ضمانات مستقبلية لإيران وروسيا بسبب تذرعها بأن الدستور الأمريكي يمنع الرئيس الحالي من فرض قراره على الرئيس التالي وإلزامه بإلتزامات معيّنة.
4/ ايران طالبت بأن لا يشمل إلغاء او تجميد العقوبات تلك التي فرضت فقط على الملف النووي بل ينبغي أن تلغى كل انواع العقوبات الامريكية التي شملت ملف البرنامج الصاروخي الايراني وملف حقوق الانسان والنفوذ الاقليمي، بينما تذرعت واشنطن بعدم امكانية إلغاء عقوبات فرضها ترامب نظرا لبقية الملفات، لأن طهران رفضت فتحها أصلاً، ومنعت مناقشتها من الاساس، ولا يمكن الإستجابة لما تشتهي طهران دون مناقشة تلك الملفات في المفاوضات الحالية او لاحقاً.
5/ الوفد الايراني يطالب بإلغاء كل العقوبات عن حرس الثورة الاسلامية وشطب اسمه من لائحة المنظمات الارهابية المسلحة بينما الدول الغربية الأربع رفضت هذا المطلب لأنه خارج اساساً عن دائرة المفاوضات وهي مركّزة فقط على الملف النووي في الأصل.
6/ اللوبي الصهيوني مدعوماً بضغوط بعض دول المنطقة (وروسيا مؤخراً) بذلت جهداً كبيراً في افشال الاتفاق الايراني الغربي توجساً من حصول ايران على عشرات المليارات من أموالها المجمدة في البنوك العالمية وعودتها الى سوق تصدير النفط العالمية وتدفق الشركات الغربية والشرقية الى السوق الايرانية مما ينعش قدرات ايران، ويمكّنها من استعادة عافية الاقتصاد الايراني المتضرر بشدة من العقوبات، وترميم قيمة العملة المحلية الايرانية.
هذه الهواجس والتحركات الاسرائيلية، وشضايا الحرب الجارية في اوكرانيا، والعقوبات المترتبة عليها، ناهيك عن عوائق وعراقيل داخلية ايرانية عديدة ايضاً كلها قصمت ظهر المفاوضات الايرانية مع 4+1، وجمّدتها، وأعادت المفاوضين الى دولهم، ربما حتى إشعار آخر، ولكن لا أحد يعلم متى تقتنع الأطراف المتفاوضة بالعودة الى فندق كوبورغ النمساوي.
وكنا قد نوهنا سابقاً بأن أي تقارب أو تفاهم إيراني/ امريكي/ غربي هو ليس من مصلحة روسيا ولا الصين، ولذلك فإن موسكو وبكين الآن تستغلان هذه القضية لتسوية خلافاتهما مع أمريكا والغرب، والإستمرار في استغلال حاجة طهران لهما إذ:
بِذا قضت الأيامُ ما بين أهلِها مصائبُ قومٍ عند قومٍ فوائدُ
بقلم: د.رعدهادي جبارة
باحث سياسي ودبلوماسي سابق