واعتبر فوكوياما ان الهجوم على الكونغرس والذي تلى الانتخابات الرئاسية وبتحريض من ترامب أوجد " بدعة مشؤومة " في التاريخ السياسي الأمريكي، حسب تعبيره.
ويقول انه ومنذ الحرب الداخلية الامريكية لم تخفق الولايات المتحدة في الانتقال السلمي للسلطة ولم يتحدى أي مرشح في السابق بشكل متعمد نتائج الانتخابات "التي تتصف بالشفافية"، حسب قوله.
المنظر الامريكي الشهير أورد ان الهجوم على الكونغرس في يناير ترك تأثيرا واسعا على الصعيد الدولي ويعتبر مؤشرا على الأفول المحسوس للسلطة والهيمنة الأمريكية في العالم، قائلا ان حادثة الهجوم على الكونغرس "يجب النظر اليها من منظار الأزمة الأكبر والأوسع التي تضرب الليبرالية الغربية في العالم".
ويدعي فوكوياما انه ومنذ منتصف سبعينيات القرن الماضي وحتى الأزمة المالية العالمية في عام 2008 فان عدد ما أسماهم "الأنظمة الديمقراطية ارتفع من 35 دولة الى 110 دولة حيث كانت أمريكا تعتبر نفسها مسؤولا عن توفير الأمن لحلفائها "الديمقراطييين" في أوروبا وشرق آسيا وقامت بتعزيز هيمنتها الاقتصادية الشاملة بشكل متزايد على الاقتصاد العالمي ونجحت في مضاعفة أرباحها بمعدل أربعة اضعاف خلال تلك الحقبة الزمنية.
المنظر الغربي يورد ان البنية التحتية لما يسميه "الديمقراطية" في العالم كانت "نجاح واستمرار الديمقراطية في داخل الولايات المتحدة" وهذا ما أسماه المنظر الشهير الآخر جوزيف ناي بـ "القوة الناعمة" لكن فوكوياما بات يعترف الآن ان "الديمقراطية" بشكلها الامريكي تمضي نحو الأفول ولذلك عدة أسباب ومنها العولمة وظهور الانترنت.
مضيفا بأن العولمة والتحولات الاقتصادية التي حدثت في العالم أدت الى تراجع اقتصادي لدى الكثير من شعوب العالم كما ان الانترنت قد أنهى سيطرة النخب على مسار نشر المعلومات في العالم قائلا "نحن كنا نختلف مع الكثيرين حول القيم والمبادئ لكننا اليوم نعيش في عالم يشهد واقعا مختلفا تعتبر فيه الرغبة في التمسك بالوطنية والتمسك بالعزة أقوى من المصالح الاقتصادية".
ويورد فوكوياما في مقاله ان صورة العالم قد تغيرت كثيرا مما كانت عليه قبل 30 عاما ابان انهيار الاتحاد السوفيتي، معترفا بالأخطاء التي ارتكبها حين طرح نظريته الموسومة بـ "نهاية التاريخ" ومضى يقول "لقد تجاهلت في حينه دور العاملين المهمين وهما صعوبة انشاء الديمقراطيات وقيام دول حديثة ومتطورة واحتمال التراجع السياسي في الديمقراطيات المتقدمة" حسب قوله.
ويؤكد ان أنموذج الحكم الامريكي قد بدأ في الأفول منذ وقت طويل أي منذ بداية التسعينيات حيث اتسمت السياسات الأمريكية بـ "القطبية الحادة" وواجهت طرقا مسدودة كثيرة ومستمرة تعذر فيها العمل الحكومي مثل اقرار ميزانية الدولة وما شابه ذلك.
ويقول المنظر الامريكي فوكوياما ان المؤسسات الامريكية تواجه مشاكل واضحة مثل هيمنة المال على السياسة ووجود نظام اقتراع انتخاباتي غير متجانس مع الديمقراطية لكن الادارات الامريكية فشلت في اصلاح هذا الواقع، مضيفا "ان من أخذ بزمام الامور في أمريكا منذ بداية القرن الحادي والعشرين هم ساسة مخادعون للرأي العام وعوام الشعب" وان ما حدث في يناير العام الماضي من هجوم انصار ترامب على الكونغرس يدل على ان جزءا كبيرا من الامريكيين مستعدون لادارة ظهرهم لـ "الديمقراطية الامريكية" وانتهاج العنف من اجل تحقيق أهدافهم.
ويعتبر فوكوياما في مقاله ان أحداث يناير شكلت "جرس انذار" لـ "الديمقراطية الأمريكية" بسبب قيام الحزب الجمهوري باعتبار احداث الشعب والاستيلاء على الكونغرس أمرا عاديا بدلا من شجبها والتنديد بمرتكبيها.
ويعتقد كاتب المقال ان هجوم انصار ترامب على الكونغرس لها تأثير وانعكاسات على الصعيد العالمي فقبل تلك الاحداث كانت امريكا تندد بالحكومات التي تتهم بتزوير الانتخابات لكن الآن هذا الأمر قد حدث في أمريكا نفسها و تم تحطيم الانموذج "الديمقراطي" الأمريكي في العالم.
فوكوياما يضيف بأن خصوم امريكا كالصين وروسيا باتوا يشاهدون الاحداث في امريكا بفرح وسرور كبيرين، مضيفا "عندما نرى بأن قضايا كحملة تطعيم لقاح ووضع الكمامات أصبحت سياسية وموضع خلاف كبير (في امريكا) فكيف بالقضايا الأخرى مثل تقديم الدعم العسكري لاوكرانيا أو تايوان أو عدم تقديمه؟ ان ترامب قد أضعف بشدة الدعم الامريكي للنظم الليبرالي في العالم كما فشل بايدن في اعادة احيائه".
وفي ختام مقاله يقول المنظر الامريكي فوكوياما: بأن التفرقة الداخلية هو اكبر نقطة ضعف للولايات المتحدة الامريكية وان عدم وجود اجماع سياسي يمنع استخدام القوة الاقتصادية والعسكرية الامريكية الواسعة لدعم الدور الأمريكي على الساحة الدولية، مضيفا بأن احداث يناير قد فاقمت الخلافات الداخلية ورسختها وان تأثير ذلك على الصعيد الدولي سيظهر خلال الأعوام القادمة.