الآن، هم بحاجة إلى مراقبة أي ضوء أو إشعاع صادر عن هذا الانفجار الكارثي.
علماء الفلك الذين تلقوا التنبيهات عبر رسائل نصية ورسائل بريد إلكتروني، تخلوا عن كل شيء من أجل الانضمام لهذا البحث.
وفي غضون ساعات قليلة، شاهدوا الانفجار في مجرة كانت غامضة في السابق وتدعى إن جي سي 4993، باستخدام عدد من أجهزة التلسكوب المركبة في الأماكن المناسبة في شيلي.
وعلى مدى الأسابيع القليلة التالية، إثرها، استطاع 70 مرصدا توليد بيانات تؤكد وتعزز النتائج الأصلية.
من بين هذا الكنز الدفين من الاكتشافات العلمية التي تم التوصل إليها، ربما كان أكبر اكتشاف لافت للنظر هو أن تلك الصدامات بين النجوم النيوترونية هي في الحقيقة المنجم الكوني، الذي تجري فيه صناعة الذهب وغيره من المعادن الثمينة، قبل أن يتم قذفها إلى الكون، فهي تفسر في الأساس مصدر الذهب على الأرض.
تقول كيت ماجواير من كلية كوين في جامعة بلفاست، وهي واحدة من الباحثين الذين يزيد عددهم على ثلاثة آلاف باحث وباحثة في كل أنحاء العالم، ممن سارعوا للمشاركة في هذا المشروع: "كان الأمر مثيرا جدا، الطريقة التي حصلنا من خلالها على التنبيه، ومن ثم عثورنا على مصدر الضوء المقابل للموجات الجاذبية".
"موجات الجاذبية التي تنبأ بها في الأصل ألبرت آينشتاين في عام 1916، هي عبارة عن انقباض وانبساط طفيف لنسيج المكان-الزمان، يتولد بسبب الكتل المتسارعة، التي تتحرك إلى الخارج من مصدرها بسرعة الضوء".
بعد تحليل الأطوال الموجية المختلفة لطيف الانفجار، الذي يكشف عن طبيعة المواد الكيميائية التي ترسل الضوء، أصبح من الواضح أن الأنقاض الصادرة عن الصدام الانفجاري، تشتمل على معادن ثمينة على رأسها الذهب.
التصادم الانفجاري بين النجوم النيوترونية المذكورة - يشتمل كل نجم منها على مادة بقدر ما تحويه الشمس، محصورة في كرة يبلغ قطرها عشرة كيلو مترات فحسب - أدى إلى صدور حطام متوهج قُذف إلى الفضاء بسرعة 300 مليون كيلو متر في الساعة، أي ما يعادل نحو ثلث سرعة الضوء.
على الرغم من أن هذه السرعة القصوى تعمل على قذف المعادن الثقيلة إلى الكون ومن ثم إلى الأرض، وهو ما يجعل من الصعب تحديد العناصر المنفردة ضمن تلك المقذوفات، إلا أن من الواضح أن الذهب كان موجودا ضمن تلك التوليفة، بلا شك.
يقول الأستاذ أندرو ليفان من جامعة وورويك، عضو رائد آخر في الفريق الكبير من علماء الفلك الذين يتولون تحليل تلك الحادثة "في تقديرنا أن التصادم قد أدى إلى إيجاد كتلة من الذهب بحجم كتلة الأرض".
بمعنى آخر، يمكن تشكيل كرة أرضية مصنوعة من الذهب الخالص – كتلتها ستة آلاف مليون مليون مليون طن "رقم 6 وأمامه 20 صفرا" - من مخلفات ذلك الاصطدام.
على سبيل المقارنة، يبلغ إجمالي حجم الذهب المستخلص والمستخدم من قبل البشر منذ بداية الحضارة نحو 187 ألف طن، وفقا لمجلس الذهب العالمي.
ويقدر معهد الدراسات الجيولوجية في الولايات المتحدة حجم الناتج العالمي الحالي من مناجم الذهب بنحو 3100 طن سنويا.
يقول الأستاذ ستيفان سمارت زميل السيدة ماجواير في جامعة بلفاست "عندما ظهر الطيف على شاشاتنا، أدركت أن ذلك كان أغرب وميض في السماء شاهدناه في حياتنا".
لتقدير الآلية التي تتبعها الطبيعة لإنتاج الذهب، بحن بحاجة إلى معرفة آلية عمل نواة العناصر الكيميائية. هذه النواة، التي تحدد هوية العنصر، مكونة من أجزائها الأساسية، بروتونات مشحونة بشحنات موجبة ونيوترونات متعادلة كهربائيا. يوجد الذهب بشكل واحد مستقر وثابت، مع نواة تشتمل على 79 بروتونا و118 نيوترونا.
الانفجار الكبير الذي بدأ فيه الكون، شكل فقط العناصر الثلاثة الأخف وزنا: الهيدروجين والهيليوم وقليل من الليثيوم.
تركيب العناصر الأثقل كان عليه الانتظار نحو 500 مليون سنة حتى بدأت النجوم الأولى في الظهور، وتواصل ظهورها إلى اليوم.
المرجل النووي-الحراري داخل النجوم يجمع النويات معا لإنتاج كل العناصر في الجدول الدوري حتى عنصر الحديد.
ومن ثم، عندما يستهلك النجم وقوده النووي بعد احتراقه لمليارات السنين، فإنه عند انفجاره لحظة الموت يباشر توزيع تلك العناصر عبر المجرة - التي يمكن إدماجها لتشكل أجيالا جديدة من النجوم.
إلا أن الحديد الذي تشتمل نواته على 26 بروتونا و30 نيوترونا، يشكل ثلث المسافة على سلم الجدول الدوري. لا يزال أمامنا كثير من البناء.
وبما أن النجوم العادية لا تنتج ما يكفي من الطاقة - أو ما يكفي من النيوترونات - لدفع العملية لتصل إلى العناصر التي تقع وراء الحديد، يحتاج علماء الفيزياء إلى تفسيرات أخرى تتعلق بوجود الذهب وغيره من العناصر الثقيلة الأخرى، في الفضاء.
على مدى عدة عقود، كان التفسير المفضل هو السوبرنوفا، أعنف الانفجارات المعروفة في حقل العلم، الذي ينهي حياة النجوم الضخمة "تلك التي تكون أثقل من الشمس بما لا يقل عن عشرة أضعاف".
وهي بالتأكيد تنتج كميات هائلة من الطاقة، بعض علماء الفيزياء طعنوا فيما إذا كان تدفق النيوترونات داخل السوبرنوفا، كافيا لتشكيل عناصر ثقيلة بالكمية المطلوبة.
نظريا، كان البديل المناسب هو حدوث تصادم انفجاري بين نجمين نيوترونيين. النجم النيوتروني هو الباطن المنهار الذي يبقى بعد أن تتعرض النجوم العملاقة لانفجار السوبرنوفا، الذي يتألف من نيوترونات نقية متجمعة معا بكثافة لا يمكن تصورها – ملء ملعقة منها يمكن أن يصل وزنه إلى مليارات الأطنان.
كانت المشكلة هي أن علماء الفلك لم يكن لديهم أي دليل على حدوث تصادم فعلي بين النجوم النيوترونية - حتى آب (أغسطس) الماضي.
يستذكر البروفيسور ليفان من "وورويك" قائلا "شعرنا بالهول كوننا اكتشفنا شيئا بدا وكأنه يطابق النظرية بشكل كبير جدا، لكننا شعرنا أيضا بشيء من القلق في اليوم الأول أو نحو ذلك، إزاء ما إذا كان ذلك حقا هو الجرم الصحيح.
سرعان ما أصبحنا أكثر ثقة لأن ذلك كان أكثر خفوتا من السوبرنوفا، ولم يكن موجودا قبل بضعة أيام - وكان هنالك ذلك الطيف الغريب".
يحصل إنتاج العناصر الثقيلة بشكل رئيسي من خلال ما يسميه علماء الفيزياء "عملية التركيب النووي السريع"، وهذا يتطلب وجود "نواة البذرة"، مثل الحديد، لتكون في مثل هذه البيئة الغنية بالنيوترونات، بحيث تستولي على أعداد كبيرة من النيوترونات - العشرات أو حتى المئات منه - بسرعة كبيرة جدا.
ومن ثم تتعرض تلك النيوترونات لعملية تفكك إشعاعي سريع لتصبح بروتونات، وإذا تغير الرقم الصحيح بهذه الصورة، يتحول الحديد "26 بروتونا و30 نيوترونا" ذهباً "79 بروتونا و118 نيوترونا".
على الرغم من أن عمليات التصادم بين النجوم النيوترونية تحصل مرة واحدة نحو كل عشرة آلاف عام في مجرة درب التبانة – هنالك في المقابل عملية سوبرنوفا تحصل مرة واحدة نحو كل 100 عام - إلا أن ظروفها مواتية جدا لعملية التركيب النووي السريع، بحيث إن من المحتمل أن تصبح المصدر الرئيسي للذهب، وغيره من العناصر الثقيلة الأخرى.
يقول البروفيسور ليفان "يمكننا إنتاج ما يكفي من الذهب من خلال تصادمات النجوم النيوترونية، بحيث تكون السوبرنوفا هي المصدر. ينبغي أن نكتشف ذلك بالتأكيد في غضون العامين المقبلين. لا تزال هنالك أمور غامضة كبيرة".
عند الأخذ بعين الاعتبار كامل الكون الذي يمكن ملاحظته، الذي يشتمل على مئات المليارات من المجرات، من المحتمل أن يكون هنالك نحو تصادم واحد بين النجوم النيوترونية كل دقيقة أو دقيقتين.
لذلك، باستطاعة العلماء التطلع قدما لتلقي مزيد من المشاهدات لهذه الظاهرة، في الوقت الذي يتقدم فيه علم فلك الموجات الجاذبية.
حتى عام 2015، كانت جميع المشاهدات الفضائية تعتمد بشكل كلي على الإشعاع الكهرومغناطيسي، الذي يتجلى على شكل أشعة إكس وجاما، والأشعة فوق البنفسجية والمرئية والأشعة تحت الحمراء، والموجات الدقيقة وموجات الراديو.
الآن، تم تأسيس مرصد الموجات الجاذبية التداخلية للأشعة الليزرية أي ليجو، بما لديه من جهازي كشف يبعدان عن بعضهما بعضاً مسافة ثلاثة آلاف كيلو متر في ولايتي لويزيانا وواشنطن، لرصد الموجات الجاذبية، وهي ظاهرة مختلفة تماما.
في ذلك العام، تمكن مرصد ليجو من اكتشاف امتداد وانقباض ضئيل للمكان ناجم عن التصادم والاندماج بين اثنين من الثقوب السوداء الضخمة، التي تبعد عنا أكثر من مليار سنة ضوئية.
تصادمات الثقوب السوداء واحدة من الظواهر الأكثر عنفا في الكون - أقوى حتى من تصادمات النجوم النيوترونية - وتمكن مرصد ليجو حتى الآن من اكتشاف أربعة ثقوب سوداء أخرى.
العام الماضي، انضم إلى الحفلة جهاز كاشف ثان للموجات الجاذبية، وهو أداة مماثلة تدعى فيرجو ومبنية بالقرب من بيزا في إيطاليا.
عندما يتم دمج المشاهدات الواردة من مرصدي فيرجو وليجو، كما حصل مع التصادم الذي حصل في آب (أغسطس) بين النجمين النيوترونيين، يستفيد علماء الفلك بشكل هائل.
وجود ثلاثة كواشف للموجات الجاذبية "واحد في مرصد فيرجو واثنان في مرصد ليجو" يساعد على تحديد موقع هذا الحدث في السماء من خلال مبدأ التثليث، ما يمكن أجهزة التلسكوب البصرية من العثور على مصدرها ومراقبته بشكل أسرع.
لا يعمل مرصدا ليجو وفيرجو الآن بسبب إجراء تحديثات لتحسين الحساسية. من المتوقع أن تؤدي جولة رصد جديدة، من المقرر البدء فيها في خريف العام 2018، إلى تدفق ثابت ومستمر من اكتشافات الموجات الجاذبية، بما في ذلك مزيد من تصادمات النجوم النيوترونية.
سينطلق علم فلك الموجات الجاذبية في الثلاثينيات من القرن الحالي وفق ما تخطط له وكالة الفضاء الأوروبية، لتأسيس مرصد في الفضاء يدعى ليزا، وسيتكون المرصد من ثلاث مركبات فضائية تشكل مثلثا في المدار مع "أذرع" بطول 2.5 مليون كيلو متر، مقارنة ببضعة كيلو مترات في المراصد الأرضية، في الوقت الحاضر.
ما الذي يحدث مع الذهب والذرات الأخرى التي تتخلق نتيجة الاصطدامات النيوترونية؟ وتتخلق احتمالاً في انفجارات السوبرنوفا كذلك؟
الانفجار الأولي يقذف الذرات إلى الفضاء بسرعة 300 مليون كيلو متر في الساعة، على شكل سحابة مشتعلة من الغاز، مخلفا وراءه ثقبا أسود في موقع الانفجار.
يقول الأستاذ سمارت "على مدى عشرات الآلاف من السنين تنحل السحابة تدريجيا في الوسط بين النجوم، بما يؤدي في النهاية إلى تخليق الجيل الثاني من النجوم".
تشكلت المنظومة الشمسية قبل خمسة مليارات عام، في الوقت الذي عملت فيه قوى الجاذبية على تجميع سحابة دوارة من الغاز والغبار الموجود بين النجوم، لتصبح الشمس والكواكب والأقمار المحيطة بالكواكب، وعدد لا يحصى من الأجسام الأصغر مثل الكويكبات والمذنبات.
بعد ذلك يأتي دور عمليات الجيوكيمياء المعقدة، التي قسمت الذهب بشكل غير متناسب نهائيا عبر الأجزاء المختلفة من المنظومة الشمسية – وفي داخل الأرض.
على القشرة الصخرية للأرض، الذهب نادر للغاية، حيث يبلغ تركيزه في المتوسط جزءا من مليار جزء، بحسب ما يقول بيرني وود، أستاذ علم المعادن في جامعة أكسفورد.
مع ذلك، فإن أكثر النيازك الحجرية بدائية، التي تعطينا أفضل صورة عن تركيب المنظومة الشمسية في مراحلها المبكرة، تشتمل على كميات من الذهب أكبر من ذلك بكثير، حيث تبلغ النسبة ضمنها في العادة 200 جزء من مليار جزء.
السبب الرئيسي في ندرة الذهب القريب من سطح الأرض، هو أن كامل كمية الذهب التي قذَفت إلى الفضاء نتيجة الاصطدامات النجمية النيوترونية الأولى، قد غرقت في كميات الحديد المصهور في باطن الكوكب، بعد فترة قصيرة من تشكلها.
في الوقت نفسه تسربت بعض ذرات الذهب إلى الخارج، حيث تبخرت في الفضاء من الكوكب المنصهر.
كان هناك قدر من العزاء للتعويض عن خسارة الذهب الذي ذاب في الباطن وخرج إلى الفضاء، وهو أن كوكب الأرض عانى قصفا متواصلا من الكويكبات والنيازك الغنية بالمعادن حتى قبل أربعة مليارات سنة، بعد أن تشكل باطن الكوكب، ما جلب معظم الذهب الذي محل التعدين، في الوقت الحاضر.
يقول الأستاذ وود "هذا القصف من النيازك أضاف ما بين 0.5 في المائة إلى 2 في المائة إلى كتلة الأرض، بعد أن أصبحت كوكبا مكتمل النمو، ونتيجة لذلك فإن استنزاف "الذهب القابل للاستخراج بالقرب من السطح" ليس كبيرا كما كان من الممكن أن يكون خلافا لذلك.
وحتى في هذه الحالة فإن 99.5 في المائة من الذهب الموجود في الأرض – أي نحو 2000 تريليون طن – موجود في باطن الأرض.
هذه الكمية تكفي لطلاء قسم اليابسة من الكرة الأرضية بطبقة من الذهب سمكها نصف متر. هذا هو كل ما لدينا فيما يخص احتياطيات الذهب في الأرض.
وعلى الرغم من أن كميات الذهب المتولدة من اصطدامات النجوم النيوترونية التي شوهدت في آب (أغسطس) الماضي، ستغذي المنظومات الكوكبية المستقبلية التي ستتشكل بعد مئات الملايين أو مليارات السنين في المستقبل، فإن أحفادنا لن يروا شيئا منها.
ولعل أفضل أمل لديهم للثراء هو المبادرة بالسفر إلى داخل المنظومة الشمسية، وتعدين الكويكبات المعدنية المذكورة، التي تشتمل على الذهب، وليس انتظار القذف به من الفضاء إلى الأرض.