البث المباشر

كربلاء ومقاومة المستضعفين

الأربعاء 1 سبتمبر 2021 - 16:59 بتوقيت طهران
كربلاء ومقاومة المستضعفين

الثورة الحسينية المباركة هي مصدر إلهام وقوة للمقاومة الإسلامية في جنوب لبنان؛ فقد كانت لهم كاليد التي تشد على سواعد رجالها وأبطالها لتحقيق انتصاراتهم العظيمة في وجه الاحتلال الإسرائيلي، والذي عجزت الكثير من فصائل المقاومة عن تحقيقه.   

إن ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) هي الأولى في التاريخ التي ـ بعمق أبعادها ودقة أهدافها ـ وضعت المسار الصحيح للشعوب المستضعفة حيث مضى فيها المستضعفون قُدما نحو الطواغيت بكل ما يملكون من عزيمة التصدي والمجابهة، ثم واصلوا مضيهم دون تراجع من أجل تحقيق الأهداف السامية التي ساروا لأجلها، باعتبار أن كل ما يقدمونه من تضحيات هو قربان لنجاحها وانتصارها.

وهذه الثورة الحسينية التي خالفت كل معايير النهضات، وخالفت المألوف من الثورات، كانت بمثابة معركة الشرف والعزة والكرامة التي يُقاوَم فيها الظلم مهما كان نوعه.

ولذلك؛ فإن الحديث عن ثورة الإمام الحسين عليه السلام، حديث عن المدرسة التي سعت إلى تعليم دروس التضحية والفداء والدفاع المقدس وغرس كل القيم السامية النبيلة التي جاء بها الإسلام عن طريق أساتذتها ممن ينتمون إلى آل البيت عليهم السلام.

وهذه الثورة المباركة كانت نهضة لإحياء كل القيم الإسلامية الرفيعة، قدخلفت آثاراً وأبعاداً سياسية وفكرية ودينية هامة، لا تزال تخيّم على مجتمعاتنا، حيث أصبحت المحور والنقطة المركز في تبلور ثقافة الشعوب المستضعفة ضد الظلم ومقاومة الاستكبار بكل أشكاله.

وذلك لأنها كانت تحمل معاني كثيرة، كالتضحية والدفاع والحق والحرية وغيرها من المعاني التي كان لها دور كبير وفعال في الدعوة للكثير من الثورات التي تحمل نفس شعاراتها، وتسعى لتحقيق نفس مطالبها.

ولعل أحسن وأنجح نموذج لهذا الإفراز الطيب المثمر، كان الثورة الإسلامية الإيرانية، والتي كان لعاشوراء وواقعة كربلاء دور فعال في نجاحها، حيث وفرت الدوافع والإسقاطات المناسبة لتعبئة الشعب الإيراني بروح التصدي للنظام الطاغوتي الذي حكمه ولمئات السنين.

وذلك التصدي العظيم الذي شاركت فيه مختلف شرائح المستضعفين، وكلّ الطبقات الشعبيّة، العوام منهم والمثقفون والعلماء واعتمادهم، كلٌّ بحسب طاقته وقدرته وإمكاناته.

ومع أن تلك الثورة التي انطلقت من المبادئ الحسينية لم تلق أي دعم من قوى عالمية، أومن قوى المناطق المجاورة لها، بل على العكس فقد كان الإجماع قائماً على محاربتها، بل اعُتبرت من الثورات غير المسموح بها، لأنها تخالف منطق الهيمنة والاستعباد الذي يؤمن به المستكبرون.

لكن تلك المظاهرات المليونية والاحتجاجات الّتي ساهم فيها الشعب جلّه بكافّة قواه وفصائله، وقدَّم فيها عشرات الآلاف من الضحايا والشهداء.. والتي خرجت في طهران والمدن الإيرانية المختلفة أيام عاشوراء وغيرها، أجبرت الشاه البهلوي على الفرار من إيران، ومهدت السبيل إلى قيام النظام الإسلامي، والذي كان ثمرة للثورة الحسينية بكل ما تحمله من رمزية إسلامية.

وهكذا كانت الثورة الحسينية المباركة، مصدر الهام وقوة للمقاومة الإسلامية في جنوب لبنان؛ فقد كانت لهم كاليد التي تشد على سواعد رجالها وأبطالها لتحقيق انتصاراتهم العظيمة في وجه الاحتلال الإسرائيلي، والذي عجزت الكثير من فصائل المقاومة عن تحقيقه.         
                                                                                                   

وبعد هذا العرض الموجز عن الثورة الحسينية وآثارها وأبعادها الواقعية المعاصرة.. نتساءل عن باقي حركات المقاومة التي لم تعط لهذه الثورة حقها من الاهتمام، ومثلها الحركات الإسلامية التي تريد تحقيق الحاكمية الإلهية.. هل ستسير في هذا المسار، لتصل إلى ما وصلت إليه نظائرها؟، أم أن هذا المسار قاصر على البيئة الشيعية دون غيرها، مع كون الإمام الحسين(ع) أكبر من أن يمثل طائفة بعينها، لأنه ضمير الأمة جميعاًُ؟

وبعد هذا نتساءل عن الأبعاد الواقعية للثورة الحسينية والمرتبطة بسائر القيم.. فهل تجعلنا دراستنا وتأثرنا بهذه الثورة من الذين يحرصون على الاتعاظ والعبرة من الدروس التي قدمتها لنا كربلاء؟.. ألسنا نحن من يحق له أن يتعلم السلوك والسيرة الحسينية.. وأن يتعلم كيف يحيا وكيف يموت؟.. ألسنا نحن الأولى  بالحرص على ألا نلدغ من نفس جحر الطغاة مرتين؟

لو أجبنا على هذه الأسئلة في واقعنا الفردي والاجتماعي؛ فستتحق لنا بركات هذه الثورة في حياتنا بكل أبعادها.. ذلك أن كان هدفها إعادة الرسالة المحمدية الإسلاميّة إلى موقعها الحقيقي في حياة الأمة بجميع أفرادها.

ولذلك لا يزال إشعاعها مستمراً إلى أن تتحقق جميع آمال المستضعفين، وتتحقق معها وبها انتصاراتهم على قوى الاستكبار والشر؛ فذاك هوالوعد الصادق، وذاك هو الوعد الإلهي، كما قال تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [الأنفال: 26]، وقال: ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ  وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ  وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [آل عمران: 160]

الكاتبة والباحثة الجزائرية: نورا فرحات

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة