نزل موكبُ سبايا آل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، في طريقه من كربلاء إلى الكوفة ومن ثمّ من الكوفة إلى الشام في مواقع ومشاهد عديدة، ومن تلك المشاهد التي بقيت شاخصةً ليومنا هذا هو مسجدُ الحنّانة، فعند وصول موكب السبايا إلى تخوم الكوفة ليل الثاني عشر من المحرّم، بات هناك ولم يدخل المدينة، لِحِرْصِ عبيدالله بن زياد على أن يكون دخولهم إلى المدينة استعراضيّاً بالجُند والسلاح ومظاهر الزينة.
يقع مسجدُ أو مشهدُ الحنّانة شمال شرق النجف على يسار الذاهب إلى الكوفة، ومن الثابت أنّه كان قديماً عبارة عن قائم، أي نصبٌ مبنيٌّ عموديّاً، في الموضع الذي أُودع فيه رأسُ الإمام الحسين (عليه السلام) قبل دخول موكب السبايا الكوفة.
وبحسب ما رواه أصحابُ السِيَر والمؤرِّخون أنّ "الحنّانة": وهي كلمةٌ مشتقّةٌ من الحنين، عندما مرّت سبايا الإمام الحسين (عليه السلام) بموضع الثويّة (تلٌّ بقرب تلّ قرب القائم المائل المسمّى بالحنّانة، وفيه قبورُ خواصّ أمير المؤمنين بضمنها مرقد الصحابيّ كميل بن زياد-رضوان الله عليه-)، إذ عبثوا برأسه الشريف ورؤوس أصحابه فصدرت أصواتٌ من الحنين جزعاً على ما حلّ بهم.
فالكلمةُ عربيّةُ الاشتقاق أصيلة، وقد تأتي من تحنَّنَ عليه: أي ترحَّمَ، والحنان: الرحمة، أو أنّ الكلمة مشتقّة من لفظة "حنّا"، و"حنا": ديرٌ نصرانيّ قديمٌ من أديرة الحيرة، كان في موضع المسجد عينه، وتطوّرت اللفظة من "حنّا" إلى "حنّانة" بمرور الزمن، ودير "حنّا" قد بناه المنذرُ الأوّل بن النعمان الأوّل الذي حكم بين 418 - 462 م، وكان ديراً عظيماً في أيّامه.
قال المفيدُ والسيّد [ابن طاوس] والشهيد [الأوّل] في باب زيارة أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): فإذا بلغتَ العَلم -وهي الحنّانة- فصلِّ هناك ركعتين.
فقد روى محمد بن أبي عمير عن مفضّل بن عمر قال: جازَ الصادق (عليه السلام) بالقائم المائل في طريق الغَريّ فصلّى ركعتين، فقِيل له: ما هذه الصلاة؟ فقال: هذا موضعُ رأس جدّي الحسين بن عليّ (عليهما السلام)، وضعوه هَهنا لمّا توجّهوا من كربلاء، ثمّ حملوه إلى عبيد الله بن زياد.
ومسجدُ الحنّانة من المساجد المعظّمة كبيرة الشأن، يُتبرّك به ويقصده المجاورون والزائرون، وهو أحد الأماكن الثلاثة التي صلّى فيها الإمام جعفر الصادق (عليه السلام).