فبعد أن كانت مشكلة الصين على مدى عقود هي الزيادة السكانية السريعة مما دفع الحكومات المتعاقبة إلى فرض سياسات صارمة للحد من النمو السكاني بلغت ذروتها بسياسة الطفل الواحد، التي لا تسمح لأي أسرة بإنجاب أكثر من طفل، أصبحت المشكلة الآن هي ارتفاع نسبة المسنين مع انخفاض معدلات الإنجاب، مما يهدد بشيخوخة المجتمع الصيني قبل أن تصبح البلاد قوة عظمى.
ويقول المحلل الإستراتيجي روني ساسميتا، كبير الباحثين في مؤسسة العمل الاقتصادي والإستراتيجية الإندونيسية، أن عدد الصينيين الذين يبلغون من العمر 65 عاماً أو أكثر قد يتضاعف خلال العقدين المقبلين، في حين تنكمش القوة العاملة في البلاد لتصبح الصين أكبر «مجتمع مُسِنّ» في العالم.
وتتوقع الحكومة الصينية أن يمثل كبار السن نحو ثلث إجمالي عدد سكان الصين بحلول 2050، إلى جانب الأطفال الذين لم يصلوا إلى سن العمل.
ويرى ساسميتا في تحليل نشرته مجلة «ناشيونال إنترست» الأميركية على موقعها الإلكتروني أن الأمر ينطوي بالفعل على مفارقة، وهي أن الصين أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان والبالغ 1.4 مليار نسمة تحتاج إلى مزيد من الأفراد حتى تحافظ على وتيرة نموها الاقتصادي السريع، وبخاصة لكي تتفوق على الولايات المتحدة. فالمشكلة بالنسبة للصين تكمن في ارتفاع نسبة كبار السنين في المجتمع، وهو ما يؤدي إلى انكماش الشريحة القادرة على الإنتاج فيه.
بمعنى آخر، يواجه الاقتصاد الصيني عدداً من الأعباء نتيجة ارتفاع عدد كبار السن الأقل إنتاجية، والذين يمثلون ضغطاً على النظام الصحي وصناديق التقاعد، في حين مازالت الصين تكافح لتحسين نظام الرعاية الصحية ونظم التقاعد لديها.
ويتوقع بحث حديث أن يكون ارتفاع نسبة كبار السن سبباً رئيسياً لفشل الصين في التفوق على الولايات المتحدة كقوة عظمى وأكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2050.
وحسب مارك ويليامز، مدير مؤسسة «كابيتال إيكونوميكس» للدراسات الاقتصادية في لندن، فإنه في ضوء الحقائق السكانية «من غير المحتمل أبدا أن يتفوق اقتصاد الصين على الاقتصاد الأميركي».
ففي عام 2020 فقط انخفض معدل المواليد في الصين بنسبة 20% مقارنة بالعقد السابق، ليصل إلى 20 مليون طفل فقط، وهو أقل رقم منذ عام 1961، لذلك دعا رئيس وزراء الصين لي كي شيانغ الحزب الشيوعي الحاكم إلى مراجعة السياسة السكانية التي أصبحت عبئاً على الاقتصاد.
ويقول ساسميتا أن الرئيس الصيني، شي جين بينغ، وقادة الحزب الشيوعي يدركون المشكلة جيدا، وربما لديهم حل معقول وهو اللجوء إلى الأتمتة.
فالصين تتحول حالياً إلى دولة ذات مكانة عالية في مجال التكنولوجيا المتقدمة. كما أن أكثر من 60% من عمليات التصنيع الآلي في العالم توجد في الصين.
ومن الناحية الاقتصادية توفر التكنولوجيا الحديثة عادة فرصاً أكبر لزيادة الإنتاجية وتقليل عبء ارتفاع تكلفة العمالة. في المقابل، هناك نتيجة أخرى للتوسع في الأتمتة وهي انتشار النمط الحضري في الصين بسبب جاذبية التصنيع في المناطق الحضرية. ونتيجة لذلك ترتفع تكلفة العمالة بنسبة كبيرة.
ولكن يجب إدراك أن الأتمتة لا تصلح لكل الأنشطة الإنتاجية والخدمية. كما أنه في عصر التكنولوجيا المتقدمة، تؤدي سياسات الأتمتة إلى زيادة الطلب على العمالة المتخصصة عالية التأهيل والتدريب. وفي هذا السياق تبدو الصين متخلفة بشدة عن الولايات المتحدة حيث مازالت نسبة الحاصلين على درجات جامعية في الصين أقل من 19% من السكان مقابل أكثر من 24% في الولايات المتحدة.
من ناحية أخرى، لن تؤدي الأتمتة إلى تحقيق المساواة وتقليل التفاوت في الدخول كما تعهد الحزب الشيوعي الصيني، بل ربما تؤدي إلى زيادة الفجوة.
ففي الولايات المتحدة تسيطر شركات التكنولوجيا المتقدمة العملاقة على جزء كبير من الاقتصاد، وساهمت في اتساع الفجوة في الدخول.
بمعنى آخر، تحتاج الصين إلى تطوير مجموعة سياسات متنوعة من أجل ضمان التوزيع العادل للدخل القومي، مع تحسين جودة إدارة نظام الرعاية الصحية والتقاعد. فبدون ذلك التفاوت في توزيع الدخل القومي في الصين ستكون مثل الولايات المتحدة، ولكن الصينيين الذين اعتادوا على النمط الشيوعي، قد يتعاملون مع هذا الوضع بطريقة مختلفة عن تعامل المجتمع الأميركي.
ويقول ساسميتا أنه بعد كل ذلك تطرح هذه الأسئلة نفسها: هل يمكن أن تتفوق الصين على الولايات المتحدة اقتصادياً في نهاية المطاف؟ أم هل ستدخل تدريجياً مرحلة التباطؤ قبل أن تصبح دولة غنية، وبالتالي تفشل في الانطلاق والخروج من دائرة الدول متوسطة الدخل؟
وهل من الممكن أن تصبح الصين دولة غنية ومُسِنّة في الوقت نفسه؟ يعتقد الكثير من المفكرين الاقتصاديين أن الصين ستواجه السيناريو الثالث وهو أن تكون غنية ومسنة في الوقت نفسه.
ويختتم ساسميتا تحليله بالقول أن المشكلة هي أن الصين قد تصبح مثل اليابان والتي دخلت مرحلة تباطؤ وفشلت في تجاوز الولايات المتحدة، لكنها ظلت دولة غنية ومزدهرة.
ومع ذلك فما زال الوقت مبكراً للحصول على إجابة قاطعة لهذه الأسئلة. فدخل الفرد في الصين نحو ربع دخل الأميركي. ومعنى ذلك أن الصين لم تصل حتى إلى مستوى الاتحاد السوفيتي قبل انهياره، حيث كان نصيب الفرد من الدخل القومي ثلث نصيب الفرد في أميركا.
ويختتم الخبير تحليله بالقول أن الطريق الذي ستمضي فيه الصين وتنتهي مازال شديد الغموض.
المصدر: د ب أ