البث المباشر

شرح فقرة: يا من هو في عهده وفي

الأحد 18 أغسطس 2019 - 09:37 بتوقيت طهران

إذاعة طهران - ينابيع الرحمة: شرح فقرة: " يا من هو في عهده وفي " من دعاء الجوشن الكبير.

 

نتابع حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها: دعاء (الجوشن الكبير)، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، وانتهينا من ذلك الى مقطع ورد فيه: (يا من هو في عهده وفيّ، يا من هو في وفائه قويّ، يا من هو في قوته عليّ،...). 
هذا المقطع من الدعاء يتضمن ـ كما هو سائر مقاطع الدعاء ـ عشرة مظاهر او عشر صفات من صفاته تعالى، تبدأ بعبارة (يا من هو في عهده وفي). هنا قبل ان نحدثك عن العبارة المتقدمة، نلفت نظرك الى ان مقاطع دعاء الجوشن بعضها: يتضمن صفة مفردة مثل (يا وفي)، والبعض الثاني يتضمن صفة مزدوجة مثل (يا وفي العهد)، والبعض الثالث يتضمن صفة تضمنية ـ اذا صح التعبير ـ مثل العبارة التي نحدثك عنها الآن، وهي (يا من هو في عهده وفي). والمهم ان كل حالة من الاشكال المتقدمة: لها سياقها الذي ترد فيه. 
ان الله تعالى (وفيّ) بالنحو المطلق، اي لا حدود لعظمة وفائه، واما (العهد) فهو احد مصاديق الوفاء، حيث يعني الميثاق او الكلام الذي يعطيه الله تعالى لعباده: كالمغفرة مثلاً والعبارة تستهدف الاشارة الى ان الله تعالى بعهده لعباده، طبيعياً، ان الله تعالى لا ترديد في وفائه للعهد الذي يعطيه لعباده بيد ان قارئ الدعاء يستثمر مثل هذه القراءة ليتعلم من اخلاق الله تعالى، فضلاً عن ضرورة معرفته بصفات الله تعالى. 
العبارة الثانية من المقطع تقول: (يا من هو في وفائه قوي). هنا نستهدف الاشارة الى احد وجوه الكمال البلاغي او الفني او التعبيري في النصوص الشرعية، حيث نكتشف بعداً بلاغياً ذا اهمية، وهو: ان مقطع الدعاء يتمثل في كونه مجسداً تتفرع منها صفات اخرى، او تشكل كل صبغة امتداداً تفريعياً لصفة اخرى، وهذا ما نلحظه في مقطع الدعاء فانت تلاحظ بان العبارة الاولى تتحدث عن وفاء الله تعالى لعهده، اي: تتحدث عن (العهد) وهو صفة من صفاته تعالى وتصفه بانه تعالى (وفيّ) في عهده، اما العبارة الثانية فتصف (الوفاء) الذي اتسم به (عهد) الله تعالى، فوسمته بانه تعالى (من وفائه قويّ)، اي: ان الدعاء تحدث اولاً عن (العهد) عند الله تعالى من حيث كونه متسماً بالوفاء، وتحدث معه ذلك عن الوفاء نفسه، فوصفه بانه (قوي)، وسيتحدث الدعاء في الفقرة الثالثة عن (قوي) والصفة المترتبة او المتفرعة منه، وهكذا وهذا هو ـ كما قلنا ـ احد نكات التعبير البلاغي الفائق في الادعية. 
والسؤال الجديد هو: ماذا نستلهم من عبارة (يا من هو في وفائه قوي)؟ 
من الواضح، ان كل سمة (بالنسبة الى التجارب البشرية) تظل متفاوتة الدرجة، فهي قد تكون قوية او شديدة مثل درجة (۱۰۰)، وقد تكون وسط مثل درجة (٥۰)، وقد تكون ضعيفة كدرجة (۲٥) مثلاً، ومن الطبيعي، المفروض ان تكون السمة في اعلى درجتها، يليها ما هو متوسط، ثم ما هو الضعيف. 
ولكن بالنسبة الى التعامل مع صفات الله تعالى فان الصفة دائماً تكتسب طابعاً مطلقاً، اي: لا حدود لدرجة ذلك بل هي مطلقة، وتتسم بما هو اقوى في ميدان المقارنة بين ما هو بشري مثلاً وبين ما هو الهي، حيث نعرف تماماً باننا عندما نقول بان الله تعالى قوي في وفائه، لا يعني ذلك ان هناك موجودات لها وفاء (ذاتي) مستقل عن ارادة الله تعالى، بل يظل الموضوع خاضعاً لمجرد الفرضية (كما لو افترضنا شيئاً لا وجود له في الواقع)، كالمثيل او الشبيه مثلاً: تعالى تعالى عن ذلك. 

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة