البث المباشر

شرح فقرة: "يا من انقادت الأمور بأزمتها طوعاً لأمره..."

الأحد 3 أكتوبر 2021 - 17:32 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- ينابيع الرحمة: الحلقة 10

 

بسم الله وله خالص الحمد والثناء المتفضل على خلقه بكريم العطاء ومتواتر الآلاء، وأطيب تحياته وصلواته وبركاته على صفوته الرحماء، حبيبه سيد الأنبياء وعترته الأوصياء.
السلام عليكم مستمعينا الأطائب ورحمة الله، بتوفيق الله نلتقيكم في حلقة أخرى من هذا البرنامج، لكي نستضيء معاً بفقرات أخرى من دعاء الحجب أو الإحتجاب الذي أورثه نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله) المؤمنين الى يوم القيامة كوسيلة للإلتجاء الى الله عزوجل في تيسير المتعسر من أمورهم وقضاء حوائجهم للدنيا والآخرة.
ولازلنا أيها الأكارم مع المقطع الأول من هذا الدعاء الشريف وهو: (اللهم إني أسألك يا من إحتجب بشعاع نوره عن نواظر خلقه، يا من تسربل بالجلال والعظمة، وإشتهر بالتجبر في قدسه، يا من تعالى بالجلال والكبرياء في تفرد مجده، يا من إنقادت الأمور بأزمتها طوعاً لأمره، يا من قامت السماوات والأرضون مجيبات لدعوته).
اعزاءنا الحديث عن هذا المقطع بلغ بنا العبارة التي يعلمنا النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أن نمهد لطلبنا الحوائج من ربنا الجليل والغني عن الثناء بأن نمدحه قائلين: (يا من إنقادت الأمور بأزمتها طوعاً لأمره)، فما الذي نستفيده من هذه العبارة؟
هذه العبارة تذكرنا أيها الأفاضل، بأن الأمور جميعاً منقادة لأمر الله عزوجل بأزمتها، فهو عزوجل مالك كل شيء وبيده الأمر كله.
والأزمة جمع زمام وهو ما تقاد به الدابة، ويستخدم مجازاً في إدارة الأمور وتسييرها بالإتجاه الذي يريده من بيده زمامها، والمعنى أن الله عزوجل هو الذي بيده تسيير كل الأمور شاء، فهي تنقاد طواعية لأمره تبارك وتعالى، وأمره هو واحدة كلمح بالبصر وإذا أراد شيئاً قال كن فيكون حسب التعبير القرآني.
وكمال العبودية هو أن يفوض العبد تدبير أموره لمشيئة الله جل جلاله كما يشير لذلك قول مولانا مولى الموحدين وأمير المؤمنين في دعاء الصباح المبارك حيث يقول: (... وبابك مفتوحٌ للطلب والوغول وانت غاية المسؤول ونهاية المأمول، الهي هذه أزمة نفسي عقلتها بعقال مشيتك، وهذه أعباء ذنوبي درأتها بعفوك ورحمتك وهذه أهوائي المضلة وكلتها الى جناب لطفك ورأفتك).
من هنا فإن الذي نستفيده من هذه المدحة لله عزوجل هو إستذكار أننا ندعو إلاهاً قادراً على شيء، بيده أزمة كل الأمور ولا يعترض مشيئته أو يستصعب عليها أي شيء، فما الذي يقدر على أن يمنع تحقق ما نطلبه منه تبارك وتعالى إذا شاء ذلك؟ كما أنه رحيم لطيف ودود فلماذا لا نلتجئ اليه؟!
إذن فهذه العبارة أيضاً تقوي في قلب الداعي اليقين بالإجابة وهذا من أهم شروط إستجابة الدعاء كما عرفنا من الأحاديث الشريف.
يضاف الى ذلك أن في هذه العبارة ما يقوي روح التوجه الى الله عزوجل بالدعاء والالتجاء إليه؛ خاصة فيما يرتبط بأصلاح النفس وتيسير المتعسر من أمور الإنسان.
والصفة الأخرى التي يذكرها هذا الدعاء الشريف لله عزوجل هي: (يا من قامت السموات والأرضون مجيبات لدعوته)، فما الذي تعنيه هذه المدحة؟
هذه المدحة مستمعينا الأكارم مقتبسة من القرآن الكريم حيث يقول جل جلاله في الآيتين ۱۱و۱۲ من سورة فصلت: «ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ، فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ».
وقال مولانا أمير المؤمنين في نهج البلاغة: (فمن شواهد خلقه خلق السموات موطدات بلا عمد قائمات بلا سند دعاهن فأجبن طائعات مذعنات غير متلكئات ولا مبطيات ولولا إقرارهن له بالربوبية وإذعانهن له بالطواعية لما جعلهن موضعاً لعرشه ولا مسكناً لملائكته ولا مصعداً للكلم الطيب والعمل الصالح من خلقه).
وروي في كتاب مصباح التهجد قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في بعض فقرات دعائه بعد النافلة: (الحمدلله الذي يسبح له ما في السموات والأرض طائعين غير مكرهين).
مستمعينا الأفاضل والمستفاد من هذه النصوص أن للسموات والأرضين مراتب من الإدراك والشعور والفهم بحيث تستجيب طواعية للأوامر والدعوات الإلهية كما يشير لذلك دعاء الحجب في العبارة المتقدمة.
وبذلك نفهم أن معرفة حقيقة أن قيام السموات والأرضون وسائر الأسباب الطبيعية بالإستجابة لدعوات الله عزوجل وأوامره، تمثل عاملاً أخر في تعزير اليقين لدى الداعي بثمار الإلتجاء الى الله جل جلاله، وتحقق ما يأمله من إستجابته تبارك وتعالى لأنه هو الإله الذي أقرت بربوبيته السموات والأرضون وهي تستجيب طواعية لأمره فالمانع من أن يسخرها لتحقيق ما يطلبه الداعون منه وهو أرحم الراحمين؟
يضاف الى ذلك أن في معرفة هذه الحقيقة ثمرة تربوية أخرى هي تقوية روح الطاعة الطوعية لله تبارك وتعالى التي إنقادت له كل الأمور طوعاً وأجابت السموات والأرضون دعوته.
وبهذا ننهي أيها الأكارم حلقة اليوم من برنامجكم (ينابيع الرحمة) إستمعتم له من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران شكراً لكم وفي أمان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة