نتابع حديثنا عن الادعية المباركة ومنها الدعاء الموسوم بـ "علقمة" او صفوان حيث يقرأ بعد زيارة عاشوراء المشهورة وزيارة الامام علي(ع) والامام الحسين(ع).
وقد حدثناك عن المقطع الاول منه، وهو المقطع الاستهلالي الذي بدأ بعبارة (يا الله يا الله يا الله، يا مجيب دعوة المضطرين، يا كاشف كرب المكروبين، يا غياث المستغيثين، يا صريخ المستصرخين)، هذه الفقرات حدثناك عنها في لقائنا السابق اما الان نتحدث عن عبارات تليها وهي (ويا من هو اقرب الي من حبل الوريد ويا من يحول بين المرء وقلبه، ويا من هو بالمنظر الاعلى وبالافق المبين)، ان هذه العبارات تتجسد في كونها مجموعة صور بلاغية او فنية صيغت لتقريب او لتوضيح او لتعميق المعنى الذي يستهدف النص في صفات الله تعالى من حيث علاقتها او انسحابها على العبد، فهو تعالى اقرب من حبل الوريد ويحول بين المرء وقلبه، وهو بالمنظر الاعلى وبالافق المبين، هنا نلفت نظرك الى ان هذه العبارات حزمة صور ادبية كما قلنا ولكنها تضطلع بتعميق ما تستهدفه من المعنى، ولنقف عند كل واحدة منها.
الصورة الاولى من المقطع المتقدم هي صورة تشبيهية وهي تنتسب الى ما نطلق عليه مصطلح التشبيه المتفاوت أي التشبيه الذي يتفاوت طرفاه نحو الاعلى او الادنى من الاخر، فعندما يقول النص القرآني الكريم عن اليهود وقلوبهم «فهي كالحجارة او اشد قسوة»، يكون بذلك قد استند الى تشبيه متفاوت هو الاعلى والاشد والاقوى من طرف المشبه به فالقلب اليهودي هو اقسى من الحجارة، كما قرر القرآن الكريم وكذلك عندما يشبه الامام علي(ع) بان الدنيا اهون عنده من شسع نعل او ورقة يقضمها فم جرادة يكون بذلك قد استند الى تشبيه متفاوت هو الادنى من طرف المشبه به فالدنيا وزينتها وزخرفها اهون عند الامام علي(ع) من شسع نعله او ورقة مقضومة بفم جرادة.
وعندما نعود الى ما نحن بصدده وهو عبارة (ويا من هو اقرب الي من حبل الوريد)، انما يستخدم التشبيه المتفاوت حيث ينظر الى اقربية الله تعالى من حبل الوريد بالنسبة الى مناجاة عبده اياه، والسؤال هو ما هي الاستخلاصات التي يمكن لقارئ الدعاء ان يستلهمها من التشبيه المذكور؟
سلفاً تنبغي الاشارة الى ان هذا التشبيه هو تضمين او اقتباس او التناص كما تقرر اللغة المعاصرة مستخلص من الآية القرآنية الكريمة التي وردت في سورة "ق" وجاء فيها «ونعلم ما توسوس به نفسه، ونحن اقرب اليه من حبل الوريد»، والوريد هو عرق يحتل موقعاً عضوياً مهماً حياً وما دام يحتفظ بهذه الاهمية الحياتية فان الدعاء الذي نحن بصدده حينما يقتبس من الآية الكريمة عبارة اقرب الي من حبل الوريد، انما يلفت نظرنا الى قربه تعالى من العبد ولكن سنرى ان العبارة الثالثة تتناول بدورها هذا الجانب حينما تقول: (ويا من يحول بين المرء وقلبه)، كذلك ما بعدهما من العبارة القائلة: (ويا من هو بالمنظر الاعلى وبالافق المبين)، حيث تصب جميعاً في دلالة مشتركة هي قرب الله تعالى من العبد ولكن الفارق هو ان الاقربية تتفاوت بالنسبة الى تفاوت العباد انفسهم من جانب، ونمط الاقربية تبعاً لانماط الحاجات البشرية التي يتجهون اليها من جانب آخر.
ان هذه الصورة صورة يا من هو اقرب الي من حبل الوريد لو قارناها مع صورة يا من يحول بين المرء وقلبه، وجدناهما ينصبان في رافد واحد، ويتشعبان الى رافدين مستقلين الى الآن ذاته، كيف ذلك؟
ان حبل الوريد كما ورد في التفسير يتصل بالقلب كما ورد تفسير يقرر بان الوريدين هما ما يرتبطان بالنحر بحيث اذا قطعا تنتهي حياة الانسان والسؤال هو للمرة الجديدة لماذا هذا التشبيه مثلاً؟ نحن نحتمل فحسب والعلم عند الله تعالى بطبيعة الحال، بما ان الاقربية من الحبل المتصل بحياة الانسان تعني الحضور الالهي تعالى وفعاليته التي تكمن وراء حركة الوجود جميعاً ومنها ما يتصل بالبشر حينئذ فان الهدف من ذلك هو تحسيس الشخصية بان الله تعالى قريب منه بل اقرب مما يتصوره الانسان انه تعالى حياة الانسان اذا اتجه اليه باخلاص والعكس هو الصحيح ايضاً، لان الطاعة والمعصية احداهما حياة والاخرى موت كما هو واضح.
وهذا بالنسبة الى اقربية الله تعالى من حبل الوريد ولكنه ماذا بالنسبة الى عبارة يحول بين المرء وقلبه، الدلالة المتقدمة نلحظها هنا الا ان الفارقية هي ان الفاعلية الوحيدة هي لله تعالى بحيث اذا اراد الانسان شيئاً فان الله تعالى يحول بينه وبين الشيء المذكور مما يعني في النهاية ان العبد اذا اتجه الى الله تعالى فانه يحقق له من خلال الاستجابة ما هو لصالحه في المطاف الاخير.
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى اقربيته منا، وينتخب لنا الصالح، ويوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.