تذبذب بايدن يعود الى الخطأ الفادح الذي ارتكبه سلفه دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي، وفشله في تركيع ايران عبر استخدام سياسة الضغوط القصوى. ويعود ايضا الى إعتقاده إن بالامكان، الحصول على تنازلات من ايران، اتكالا على تلك الضغوط، ولكن بعد استقطاب الموقف الاوروبي الى جانب امريكا، وهو موقف، كما يعتقد بايدن، قد ضحى به ترامب ، بسبب سياسته الاستفزازية.
تجربة ترامب الفاشلة تشجع وتدفع بايدن نحو العودة الى الاتفاق النووي، بينما اعتقاده بامكانية استغلال الحظر عبر التعاون مع اوروبا، يدفعه الى التفكير بالحصول على تنازلات من ايران والتوصل الى اتفاق اشمل من الاتفاق الحالي.
من مظاهر التذبذب في مواقف ادارة بايدن، كان البيان المشترك الذي صدر عن اجتماع وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وامريكا، حيث اعرب الوزراء، عما وصفوه بـ"قلقهم من تحركات إيران الأخيرة لإنتاج اليورانيوم المخصب بدرجة نقاء تصل إلى 20 بالمائة"، وحثوا ايران على "عدم اتخاذ أي إجراءات أخرى لا سيما تعليق البروتوكول الإضافي وتقليص أنشطة التفتيش".
اللافت في البيان الرباعي، انه لم يشر لا من قريب ولا من بعيد، الى السبب الذي دعا ايران الى تقليص التزاماتها بالاتفاق النووي، وهو الانسحاب الامريكي من الاتفاق، وكذلك الانتهاك الاوروبي الصارخ لبنود الاتفاق، بعد ان رفضت الدول الاوروبية الالتزام بما تعهدت به في الاتفاق.
اي ان امريكا والترويكا الاوروبية، وبدلا من معالجتهم العلة، وهي انسحاب امريكا، التي كانت السبب في ظهور المعلول، وهو تقليص ايران التزاماتها، تركوا العلة وظلوا يدورون حول المعلول، وبطريقة تنم عن تغابي فاضح ، من اجل التوصل الى حل للازمة!!.
اما آخر مظاهر تذبذب بايدن، ازاء قضية عودة بلاده الى الاتفاق النووي، كانت كلمته امام مؤتمر ميونخ للامن ، حيث قال إن إدارته مستعدة للانخراط مجددا مع شركاء دوليين بشأن برنامج إيران النووي. وهو ما رأى فيه البعض تأكيدا جديدا من بايدن على رغبته بالعودة الى الاتفاق النووي.
من الواضح ، ان بايدن بحاجة الى كمية ضخمة من الغباء، ليواصل النهج الفاشل للمعتوه ترامب مع ايران. وبحاجة الى كميات اكبر من الغباء، ليعتقد ان بامكانه ان يحصل على ما لم يحصل عليه ترامب من ايران، عبر كسب الموقف الاوروبي. ان تعويل بايدن على الموقف الاوروبي، في غير محله، فهذا الموقف، لم ولن يؤثر على الموقف الايراني، لسبب بسيط وهو، ان اوروبا لم تقف الى جانب ايران في عهد ترامب، حتى تخشى من فقدان هذا الموقف في عهد بايدن، فاوروبا كانت ومازالت تابع لامريكا، لانها لا تمتلك المقومات التي يمكن ان تجعل منها لاعبا دوليا مستقلا، فأوروبا كانت الى جانب امريكا ترامب ، وهي اليوم الى جانب امريكا بايدن، ولم ولن تكون يوما الى جانب ايران.
ليس هناك وقت طويل لينهي بايدن حالة التذبذب والضبابية التي يعيشها ازاء موقفه من عودة بلاده الى الاتفاق النووي، فهذا الموقف سيتضح وبشكل لا لبس فيه، بعد ان تزيح ايران من امام عينيه الضباب، عبر وقفها التنفيذ الطوعي للبروتوكول الاضافي وعمليات التفتيش التي تجري في اطار هذا البروتوكول، في 23 شباط /فبراير الجاري. عندها فقط سيعلم بايدن، حجم الكلفة التي يجب ان يدفعها، اذا ما واصل نهج المعتوه ترامب.
إيرانيا، لا تغير في موقف طهران، وهو موقف جاء واضحا وحازما، على لسان قائد الثورة الاسلامية اية الله السيد على خامنئي، وهو:"ان من يحق له وضع الشروط لاستمرار الاتفاق النووي هو ايران.. وقد وضعنا هذا الشرط ولن يعدل عنه احد، وهو انهم إذا أرادوا ان تعود ايران الى تنفيذ التزاماتها النووية، فيجب ان تقوم أميركا بإلغاء كل حالات الحظر؛ وذلك ليس فقط بالكلام وعلى الورق، بل عليها ان تلغي الحظر من الناحية العملية وأن نختبر مصداقية ذلك ونشعر اننا لمسنا إلغاء الحظر حقا، عند ذاك سنعود الى تنفيذ التزاماتنا بالاتفاق النووي، وهذه هي السياسة المؤكدة للجمهورية الاسلامية وقد أجمع عليها مسؤولو البلاد، ولن نتراجع عن هذه السياسة".
سعيد محمد - العالم