سلوك ترامب باعتباره رئيس دولة تاجرا كانت تشير منذ البداية الى انه لا يرغب ابدا بتقديم ولي العهد السعودي على انه المتهم باصدار اوامر قتل خاشقجي. وعلى هذا الاساس سعى خلال الايام الاولى من هذه الجريمة الى اتخاذ مواقف حذرة واطلاق تصريحات غامضة وضبابية، وبالطبع من خلال اتهام مجموعة غير منضبطة بتورطها في هذه الجريمة، طمأن ولي العهد السعودي الغر حيال دعمه له.
اعتماد سياسة المماطلة الى جانب التظاهر بالجدية في متابعة الجريمة وتقديم القاتل للعدالة كانت تتبع من قبل ترامب بشكل متزامن، في حين أنه كان يحاول التقليل من اهمية الجريمة المروعة عبر التصريح بان مسالة قتل كاتب وصحفي ليست بقدر من الاهمية لتحرم امريكا من خدمات ومواهب بقرة حلوب باسم السعودية، كما انه وفي ضوء الظروف الجديدة حصل ترامب على مأخذ من ابن سلمان وهو اصدار الاخير امرا بارتكاب جريمة قتل مروعة، تلك الجريمة التي كان بامكانها أن تسقط النظام السلماني وترغم السعودية على الخنوع والخضوع لامريكا الى آخر عمرها.
ترامب وبعد التطبيل لوعده بشأن الاعلان عن قاتل خاشقجي، اكتفى في بيانه الذي اصدره امس بالاعلان عن امكانية علم ابن سلمان بجريمة القتل. ترامب ومن خلال موقفه الغامض هذا سعى الى الحيلولة دون تشويه صورة وكالة المخابرات المركزية الامريكية "سي اي ايه" من جهة والحصول على صك خنوع وانبطاح من السعودية من جهة اخرى. فهو تجاهل وبشكل متعمد، موضوع العلاقة بين الاطلاع على جريمة قتل خاشقجي واصدار الاوامر بتنفيذها، ليركز على اهمية تجارة الاسلحة مع السعودية والتظاهر بان ما يهمه هو اقتصاد وامن امريكا ولا شيء آخر، وبذلك حسم موقفه مع اعضاء الكونغرس الذين يشددون على ضرورة معاقبة ابن سلمان من جهة، ووأد حساسية الراي العام العالمي حيال هذا الملف من جهة اخرى.
ترامب اكد في بيانه ان جريمة خاشقجي مروعة وادعى بان امريكا لا تسعى الى التستر على هذه الجريمة، لكن ما قام به ناقض تصريحاته، لماذا؟ الجواب واضح ويمكن تلخيصه في عدة نقاط.
الاولى هي ان هدف ترامب من هذا التستر هو استمرار صفقات الاسلحة الرابحة مع السعودية والتي بلغت قيمة احداها فقط 450 مليار دولار .
الثانية، ان تستر ترامب على هذا الملف جاء بهدف حسم "صفقة القرن" فيما يخص القضية الفلسطينية، تلك الصفقة التي تعقد اجتماعات بشانها في واشنطن لوضع اللمسات الاخيرة عليها بمشاركة كل من بومبيو، كوشنير، غرينبلات وفريدمان . ترامب اعلن بكل صراحة في بيانه ان دعمه للرياض هو لصيانة منافع امريكا و"اسرائيل" .
الثالثة، ترامب تستر لانه من المفترض ان يقوم ابن سلمان القاتل بمساعدته في السيطرة على اسواق النفط، واحيانا القضاء على "اوبك" بمساعدة امريكا كما قضى على خاشقجي. طبعا وان كانت صفقة ملف قتل خاشقجي، صفقة مربحة لامريكا ولكن السعودية ايضا لم تحرم من بعض الارباح. فبناءا على هذه الصفقة سيتم مساعدة السعودية للخروج من مستنقع اليمن بشكل يحفظ لها ماء وجهها، وان تجري عملية نقل السلطة من سلمان الى ولي عهده بلا اي هواجس وبالتالي تعزيز اقتدار وسطوة ابن سلمان في مواجهة منافسيه على السلطة وكذالك معارضيه اللدودين.
ختاما ينبغي القول ان المؤشرات تشير الى ابرام صفقة محتملة خلف الكواليس بين امريكا وتركيا والسعودية في خصوص التستر على مشاركة ابن سلمان في قتل خاشقجي. وخير دليل على ذلك تصريح رئيس تحرير صحيفة "يني شفق" التركية الذي تحدث قبل يومين عن تسجيل صوتي يثبت اصدار اوامر قتل خاشقجي من قبل ابن سلمان ووعد بنشره، ليخرج وزير الدفاع التركي في وقت لاحق ويعلن عدم نشره. فهل هناك علاقة بين هذا التخبط التركي مع الزيارة المفاجئة التي قام بها جاويش اوغلو الى واشنطن؟، واحيانا الصفقات التي تجري خلف الكواليس بشان الشمال السوري او وجود شخص باسم فتح الله غولن أو .. هذا ما يجب أن ننتظر لتكشف عنه قابل الايام.
ابو رضا صالح - العالم