البث المباشر

من منجزات الإمام الجواد ( عليه السلام ) العامة

الإثنين 19 نوفمبر 2018 - 21:46 بتوقيت طهران
من منجزات الإمام الجواد ( عليه السلام ) العامة

 أهل البيت (عليه السلام) والقيادة الرسالية

لم يستطع المأمون العبّاسي أن يحقّق نواياه الخفية في تسقيط شخصية الإمام الرضا(عليه السلام) واخراجها من القلوب العامرة بحب أهل البيت(عليهم السلام)، لأنّ الإمام الرضا(عليه السلام) استطاع أن يخترق العقول والنفوس على مستوى اجتماعي عام، فتلألأت شخصيته العملية وتجلّت ذاته السامية للقريب والبعيد.

ولم يجد المأمون لنفسه طريقاً إلاّ أن يتخلّص من تواجد الإمام وحضوره الفاعل في الساحة الإسلامية من خلال تصفيته الجسديّة; لأن ترك الإمام ليرجع الى المدينة بعدما طار صيته وتلألأت شخصيته سوف يطيح بعرش المأمون والعباسيين بسرعة، وبقاؤه في عاصمة الخلافة لم يكن بأقل تأثيراً من إبعاده الى المدينة من حيث الآثار السلبية على عرش المأمون والآثار الايجابية لصالح خط الإمام الرسالي.

والنقطة الثانية التي جدّ فيها العباسيون بشكل عام وتجلّت في سلوك المأمون السياسي بشكل خاص هي قلقهم من قضية الإمام المهدي الموعود والمنتظر الذي قد وعد الله به الاُمم ليرأب به الصدع ويلمّ به الشعث ويقضي به على أعمدة الجور والطغيان، فالخطر الذي قد أنذر به الرسول(صلى الله عليه وآله) الحكّام الطغاة وبشّر به المؤمنين والمستضعفين بدأ يقترب منهم، لما أفصح به النبي(صلى الله عليه وآله) من بيان نسب الإمام المهدي(عليه السلام) وموقعه القيادي حين نصّ على أنه التاسع من ولد الحسين(عليه السلام) حتى ذكر اسمه واسم أبيه ومجموعة من صفاته وخصائصه وعلائمه.

ومثل هذا الإخبار من النبي(صلى الله عليه وآله) لا يدع الظالمين في راحة واطمئنان; لأن الرسول(صلى الله عليه وآله) مرتبط بالوحي ومسدّد من السماء، ولا تكون إخباراته سُدىً.
ومثل هذا الإخبار من منجّم عادي أومحترف يكفي لزعزعة الاستقرار النفسي الذي يبحث عنه الحكّام الظالمون فكيف وهم يسمعون هذا الإخبار من نبي مرسل يدّعون الانتساب إليه؟!
ولا سيّما وهم يبحثون عن كلّ شيء لإحكام ملكهم ويحسبون لما يزعزعه ألف حساب، فكيف لا يتهيّؤون لدرء الخطر الداهم؟

والعدد الذي ذكره النبي(صلى الله عليه وآله) لأهل بيته الطاهرين المسؤولين عن حمل مشعل الرسالة عدد مضبوط محدود، فهم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش ومن بني هاشم وهم علي بن أبي طالب(عليه السلام) وأحد عشر من ولده الأبرار الأطهار.
وهاهو الرضا(عليه السلام) كان الثامن من الاثني عشر المنصوص علهيم من قبل الرسول(صلى الله عليه وآله) وهو الخامس من ولد الحسين(عليه السلام) فضلاً عن النصوص عليهم من سائر الأئمة الطاهرين.

ولا نستبعد وجود عناصر مرتبطة بالجهاز الحاكم كانت تحاول اختراق الجماعة الصالحة التي حرصت على حفظ تراث أهل البيت(عليهم السلام) وعلومهم الربّانية والتي استودعوها اسرارهم، وهي الأسرار التي لا يتحملها إلاّ مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان.
والحكّام العباسيّون إن لم يستطيعوا السيطرة على الجماعة الصالحة فلا أقل من اختراقها والحصول على المعلومات التي تخدمهم للتعرّف على الخط المناوئ لهم.

ومع شعورهم بقرب ولادة المهدي(عليه السلام) مع جهلهم بزمان ولادته وظهوره، لابد وأنهم يحاولون صد أهل البيت(عليهم السلام) من انجاب الإمام المهدي(عليه السلام) قبل كل شيء كما حدث لفرعون مع موسى النبي(عليه السلام).

ومن أجل تحقيق هذه المهمة والحيلولة دون ولادة من يقلقهم ذكره ووجوده شدّدوا المراقبة على أهل البيت(عليهم السلام) ودخلوا الى أعماق حياتهم الشخصية فجعلوا الرقيب الخاص على تصرّفاتهم كما يبدو من إصرار المأمون لتزويج ابنته اُم الفضل من الإمام الجواد(عليه السلام) بل حدّدوهم حتّى من حيث الزواج والانجاب، ويشهد لذلك قلّة عدد أبناء الأئمة(عليهم السلام) بعد الإمام الرضا(عليه السلام) بشكل ملفت للنظر،إذا ما قسناهم مع من سبق الإمام الرضا(عليه السلام) من الأئمة من حيث الأبناء والأزواج.

كما حاولوا طرح البديل عن الإمام المهدي المنتظر للاُمة الإسلامية بتسمية بعض أبنائهم بالمهدي والمهتدي تمويهاً وتغريراً لعامّة الناس بأنهم هم المقصودون بهذه النصوص النبوية. ولكن حبل الكذب قصير والحقيقة لابدّ أن تنجلي والطغاة لا يستطيعون أن يتظاهروا بمظهر الحق على مدى طويل فلا يطول التظاهر منهم ماداموا غير متلبسين حقيقةً بلباس الحق ومادامت شخصيتهم لم تنشأ في بيئة طاهرة تتّسم بالحق وبالقيم الربّانية الفريدة.
ومن هنا نجد أن هذا التمويه لم يستطيع أن يحقق الغرض الذي من أجله ارتكبوه وهو التغطية على حقيقة المهدي المنتظر(عليه السلام).

وتبقى الخطوة الأخيرة الممكنة لهم وهي أنهم إن لم يستطيعوا أن يحولوا بين أهل البيت(عليهم السلام) وبين انجاب الإمام المهدي(عليه السلام) ولا التمويه على جمهور المسلمين فعليهم أن يكتشفوه، أي أنّ عليهم أن يترصّدوا ولادته ليقضوا عليه ويريحوا أنفسهم من هذا الكابوس الذي يُخيّم عليهم وهو كابوس المهدي المنتقم الذي يزعزع عروش الطغاة لا محالة.

نعم لا ضرورة للاعتقاد البات من قبل الخلفاء بهذه الحقيقة بل يكفي لديهم احتمالها ليبادروا لاتخاذ الاجراءات الصارمة أمام الخطر الداهم أو المحتمل الذي قد يحدق بهم عن قريب.

وهكذا كانت الساحة السياسية العامّة من جهة والحاجة العامة للمسلمين تتطلب بقاء الأمل كبيراً بانجلاء غياهب الجور والطغيان على يدي الإمام القائم بالسيف من أهل بيت النبوّة والذي بشّر به الرسول(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرون. وكان من الضروري استمرار شعلة هذا الأمل والحيلولة دون انطفائها لأنها تهزّ عروش الظالمين والمستكبرين وتسلب الأمان والحياة الرغيدة منهم إن هذه المفردة حاجة واقعية للاُمة ومهمّة رسالية لأهل البيت(عليهم السلام) الذين لم تسمح لهم الظروف بالقيام بدور الإمام المهدي(عليه السلام) المرتقب، غير أنهم يستطيعون التمهيد لولادته ومن ثم بقائه حيّاً ليدبّر شؤون المسلمين من وراء ستار كيما تتهيأ له ظروف الثورة المباركة التي بشّر بها القرآن الكريم وأيّدتها نصوص الرسول العظيم.

وفي مقابل هذه الحاجة العامّة نجد محاولات العباسيين للحيلولة دون ولادة القائم المهدي من آل محمد(صلى الله عليه وآله) أصبحت جادّة وقوية وسريعة، لأن الخطر بدأ يقترب منهم. فالإمام الجواد ومن سيأتي بعده من الأئمة(عليهم السلام) بين مهمّتين: مهمّة حفظ الأمل الكبير واستمرار شعلته، ومهمّة التعتيم على السلطة تجاه ولادة المهدي(عليه السلام) والحيلولة بينهم وبين الاقتراب من المهدي(عليه السلام) لئلاّ تناله أيديهم الأثيمة ولئلاّ يصادروا آخر قيادة ربّانية قد نذرت نفسها لله لتحمل لواء الحق وراية الإسلام المحمدي وتحقق كل آمال الأنبياء على مدى القرون والأعصار، كما صادروا قيادة آبائه من قبل وأحكموا الحصار على من تبقّى منهم.

وقد استطاع الأئمة من أهل البيت(عليهم السلام) فضح الحكّام المنحرفين من خلال سيرتهم المباركة التي شكّلت تحدّياً عملياً و علمياً وأخلاقياً صارخاً فاتّضحت للاُمة جملة من الفواصل الكبيرة بين الخط الحاكم والخط الذي ينبغي له أن يتولّى شؤون الحكم والزعامة الإسلامية.

والاُمة لازالت بحاجة للتعرّف على مزيد من الفواصل المعنوية بين الخطّين، كما أنها لابدّ أن تقف على حقيقة الأقنعة الزائفة التي يقبع تحتها الحكّام الظالمون.
واستطاع المأمون أن يقترب من الإمام الجواد(عليه السلام) ويتقرّب منه شيئاً ما بتقريبه له وتزويجه لابنته لترصد تحركات الإمام ولتستطيع أن تمنعه من الانجاب منها [1] وممّن سواها، إذا كان ذلك مقصوداً للمأمون تحقيقاً لجملة من الأهداف التي لاحظناها في هذا البحث.

واستمرّ الحكّام من بعده على نفس هذا المنهج الدقيق لأنّهم لا يرون بديلاً له بعد ما فضح المأمون نفسه باغتيال الإمام الرضا(عليه السلام) حيث تخلّص من رقيب كبير كان يهدد ملكه ولكنه قد اُبتلي برقيب جديد يفوقه في التحديوارغام اُنوف الظالمين.

ومن هنا كانت ظروف الإمام الجواد(عليه السلام) لا سيّما وهو في التاسعة من سني عمره، تشكل سؤالاً أسياسياً للمأمون أوّلاً ولعامة الناس ثانياً، ولبعض شيعة أهل البيت ثالثاً، والسؤال هو مدى جدارة هذا الصبي للقيام بمهمة الإمامة والقيادة الربانية المفترضة الطاعة التي لابد لها أن تخترق كل الحجب السياسية والاجتماعية الموجودة.

وهكذا كان الإمام الجواد(عليه السلام) حين تسلّمه زمام القيادة الرسالية أمام تساؤل كبير قد طرح نفسه لأوّل مرة على مستويات ثلاثة، ولابدّ للإمام الجواد(عليه السلام) من أن يثبت جدارته للجميع، وإن كان ذلك يكلّفه حياته فيما بعد; لأن بقاء هذا الخط الربّاني وإثبات حقّانية خط أهل البيت ورسالته الربانية هما فوق كل شيء. ومن هنا كان لابدّ للإمام الجواد(عليه السلام) أن يتصدّى للردّ على كل هذه الأسئلة ويتحدّى كل القوى السياسية والعلمية التي تنطوي عليها الساحة الإسلامية ليتسنى له القيام بسائر مهامّه الرسالية الاُخرى في الحقلين العام والخاص معاً.

إذاً فقد كان إثبات الإمامة على المستويين العام والخاص اُولى مهام الإمام الرسالية في مرحلته التي عاشها بعد استشهاد أبيه الإمام الرضا (عليه السلام) الذي كان قد نصّ عليه وعرّفه لأصحابه واتباعه ; لأنّ الإمام الرضا(عليه السلام) كان قد عاصر خطط المأمون وعرف عن كثب اهدافه الخفية من اُطروحة ولاية العهد الخبيثة والتي استطاع الإمام أن يستثمرها لصالح الإسلام رغم قصر الفترة الزمنية ورغم ما كلّفته من حياته الغالية والتي قدمها رخيصة في ذات الله تعالى.

وتأتي إجابات الإمام الجواد(عليه السلام) في المجالس العامة للخلفاء على الأسئلة الموجّهة اليه خطوة موفّقة لإثبات أحقيّة خط أهل البيت(عليهم السلام) الرسالي وإثبات امامة محمد الجواد(عليه السلام) وجدارته العلمية وشخصيته القيادية لعامّة المسلمين إتماماً للحجة عليهم وعلى الخلفاء والعلماء المحيطين بهم.

وهي في نفس الوقت تشكّل تحدّياً عملياً للخلفاء وعلمائهم الذين كانوا يشكّلون الرصيد العلمي والخلفية الثقافية والشرعية في منظار مجموعة من أبناء المجتمع الذين نشأوا في مجتمع منحرف عن خط الرسالة المحمدية الأصيلة ممّن اغترّوا بالمظاهر والشعارات ولم ينفذوا بعقولهم الى عمق الأحداث والتيارات المتحكّمة في المجتمع الإسلامي آنذاك.
كما أنها كانت ردّاً على محاولات التسقيط والاستفزاز التي كان يستهدفها الحكّام بالنسبة لأهل البيت(عليهم السلام) الذين كانوا يشكّلون المعارضة الصامتة والخطّ المخالف للخلفاء المستبدين بالأمر والمتربّعين على كرسيّ الحكم دون إذن ونصّ الهي، كما هي عقيدة أهل البيت(عليهم السلام) بالنسبة للإمامة حيث إن الإمام(عليه السلام) لابد أن يكون معصوماً ومنصوصاً عليه من الله تعالى ورسوله.

2- الساحة الإسلامية وظاهرة الإمامة المبكّرة في مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)

يشكّل وجود الإمام الجواد (عليه السلام) ـ كما أشرنا ـ برهاناً على صحة عقيدة أهل البيت (عليهم السلام) في الإمامة.

وذلك لأن ظاهرة تولّي شخص في سنّ الطفولة لمنصب الإمامة وما رافقها من شؤون تستطيع أن تقدم لنا دليلاً قاطعاً على سلامة هذه العقيدة التي يتميز بها مذهب أهل البيت (عليهم السلام) عمّا سواه من المذاهب في قضية الإمامة باعتبارها منصباً ربّانياً لا يكون على اساس الانتخاب والترشيح البشري وإنما يكون على أساس التعيين والنصب الإلهي لشخص تجتمع في وجوده كل عناصر الكفاءة والقدرة الحقيقية لإدارة هذا المنصب الربّاني من قيادة فكرية علمية ودينية وعملية للمؤمنين بإمامته بل للمسلمين جميعاً.

لقد أجمع المؤرخون على أن الإمام الجواد (عليه السلام) قد توفّي أبوه (عليه السلام) وعمره لا يزيد على سبع سنين، وتولّى منصب الإمامة بعد أبيه وهو في هذه السن من سنيّ الطفولة بحسب ظاهر الحال.
وهذه الظاهرة هي أوّل ظاهرة من نوعها في حياة أئمة أهل البيت (عليهم السلام).

ولو درسنا هذه الظاهرة على اساس المعايير الإلهية من جانب والوقائع التاريخية، لوجدناها كافية لوحدها للاقتناع بحقّانية مدرسة الإمام الجواد وخط أهل البيت (عليهم السلام) الذي كان يمثّله الإمام الجواد (عليه السلام).
إذ كيف يمكن أن نفترض فرضاً آخر غير فرض الإمامة الواقعية الربّانية في شخص لا يزيد عمره عن سبع سنين ويقوم فعلاً بقيادة وهداية هذه الطائفة في كل المجالات الروحية والفكرية والدينية الفقهية وغير الفقهية.
والفروض الاُخرى التي لا يمكن افتراضها وقبولها هنا هي كما يلي:

الفرض الأول:

ان الطائفة الشيعية التي آمنت بإمامة هذا الشخص لم ينكشف لديها بوضوح أن هذا المدعي للإمامة هو صبي.
وهذا الفرض غير صحيح لأن زعامة الإمام من أهل البيت (عليهم السلام) لم تكن زعامة محاطة بالشرطة والجيش وابّهة الملك والسلطان بحيث يحجب الزعيم عن رعيّته.
ولم تكن زعامة دعوة سرّية من قبيل الدعوات الصوفية وغيرها من الدعوات الباطنية كالفاطمية التي تحجب بين القمة والقاعدة بها.
إن الإمام الجواد مثل غيره من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) كان مكشوفاً أمام الطائفة وكانت الطائفة بكل طبقاتها تتفاعل معه مباشرة في مسائلها الدينية وفي قضاياها الروحية والأخلاقية.
إن الإمام الجواد (عليه السلام) نفسه كان قد أصرّ على المأمون حينما استقدمه إلى بغداد في أن يسمح له بالرجوع إلى المدينة وسمح له بالرجوع الى المدينة فرجع وقضى بقية عمره أو اكثر عمره فيها.
وهكذا بقي الإمام الجواد (عليه السلام) مكشوفاً أمام مختلف طبقات المسلمين بما فيهم الشيعة المؤمنون بزعامته وإمامته.
فافتراض أنه لم يكن مكشوفاً أمام شيعته بالخصوص خلاف طبيعة العلاقة التي اُنشئت منذ البداية بين أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وقواعدهم الشعبية هذا أوّلاً.
وثانياً أن الإمام الجواد (عليه السلام) كان قد سُلّطت عليه أضواء خاصة من قبل الخليفة العباسي كما لاحظنا في القصة المعروفة عن تزويجه باُمّ الفضل، وهكذا رصد العباسيين له(عليه السلام) للرد على موقف المأمون منه، وهو شاهد آخر على بطلان احتمال عدم انكشافه أمام المسلمين.

الفرض الثاني:

ان المستوى الفكري والعلمي للطائفة الشيعية التي آمنت بالإمام (عليه السلام) وقتئذ لم يكن بالمستوى المطلوب الذي تستطيع من خلاله أن تميّز الخطأ من الصواب في مجال الإيمان بإمامة طفل يدّعي الإمامة وهو ليس بإمام.
وهذا الافتراض أيضاً مما يكذّبه الواقع التأريخي لهذه الطائفة مع ما وصلت إليه من مستوى علميّ وفقهيّ.
فإنّ هذه الطائفة قد تربت على أيدي الإمام الباقر والصادق (عليهما السلام) وكان فيها اكبر مدرسة للفكر الاسلامي في العالم الإسلامي على الإطلاق وهذه المدرسة تتكوّن من جيلين متعاقبين: جيل تلامذة الإمام الصادق والكاظم (عليهما السلام)، وجيل تلامذة تلامذتهم.
وكان هذان الجيلان على رأس هذه الطائفة متميزين في ميادين الفقه والتفسير والكلام والحديث والأخلاق بل كل جوانب المعرفة الإسلامية.
إذاً فالمستوى الفكري والعلمي لهذه الطائفة ما كان ليمكن أن يُمرّر عليه مثل هذا الاعتقاد ما لم يكن له رصيد واقعي ودليل منطقي ومعقول ومُلزم لمعتنقيه بالايمان بهذه الإمامة المبكّرة التي تشكل تحدّياً لكل الظروف والواقع المعاش الذي لا يستفيد معتنقيه من الايمان به غير التحديد والضغط والمطاردة والقتل والتهديد.

وإن أمكن لشخص أن يتصوّر أنّ رجلاً عالماً كبيراً مُحيطاً مطّلعاً بلغ الخمسين أو الستّين يستطيع أن يقنع مجموعة من الناس بإمامته وهو ليس بإمام لمجرد أنه يتصف بدرجة كبيرة من العلم والمعرفة والذكاء والاطلاع فليس بالإمكان أن نفترض ذلك في شخص لم يبلغ العاشرة من عمره، إذ كيف يستطيع أن يقنع طائفة كبرى بإمامته كذباً وهو مكشوف أمامها وهذه الطائفة ذات مدرسة فكرية من أضخم المدارس الفكرية التي وجدت في العالم الإسلامي يومئذ. وهي مدرسة بعض عناصرها في الكوفة وبعضها في قم وبعضها في المدينة، فهي مدرسة موزّعة في حواضر العالم الإسلامي وكانت على صلة مباشرة بالإمام الجواد(عليه السلام) تستفتيه وتسأله وتنقل إليه الأموال من مختلف الأطراف من شيعته.
فمثل هذه المدرسة لا يمكن أن نتصوّر أنّها تغفل عن حقيقة طفل لا يكون إماماً.

الفرض الثالث:

إن مفهوم الإمام والإمامة لم يكن واضحاً عند الطائفة الشيعية بل إنها كانت تتصوّر أن الإمامة مجرد تسلسل نسبي ووراثي ولم تكن تعرف ما هو الإمام وما هي قيمة الإمام وما هي شروط الإمام.
وهذا الافتراض يكذّبه واقع التراث المتواتر من أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الإمام الرضا (عليه السلام) عن شروط الإمامة وحقيقتها وعلامات الإمام عند هذه الطائفة بنحو يميّزها عما سواها من الطوائف والمذاهب التي تجعل الامامة منصباً بشرياً لا يصعب لكثير من الناس التسلق إليه وانتحالها وادعائها.
بينما قام التشيّع على المفهوم الإلهي المعمّق للإمامة وهو من المفاهيم الاُولى والبديهية للتشيّع، فإنّ الإمام في المفهوم الشيعي إنسان فذّ فريد في معارفه وأخلاقه وأقواله وأعماله. وهذا المفهوم قد بشّرت به مجموعة كبيرة من عهد أمير المؤمنين(عليه السلام) الى عهد الإمام الرضا (عليه السلام). [2]
وقد أصبحت كل التفاصيل والخصوصيات بالتدريج واضحة ومرتكزة عند الطائفة الشيعية.
يقول الراوي: دخلت المدينة بعد وفاة الإمام الرضا (عليه السلام) أسأل عن الخليفة بعد الإمام الرضا (عليه السلام). فقيل: إن الخليفة في قرية قريبة من المدينة فخرجت الى تلك القرية ودخلت القرية وكان فيها بيت للامام موسى بن جعفر انتقل الى أولاده. فرأيت البيت غاصّاً بالناس ورأيت أحد إخوة الإمام الرضا (عليه السلام) كان جالساً يتصدّر المجلس إلاّ أن الناس يقولون إن هذا ليس هو الإمام بعد الرضا (عليه السلام) لأننا سمعنا من الأئمة أن الإمامة لا تكون في أخوين بعد الحسن والحسين.
نعم كل هذه التفاصيل والخصوصيات النسبية والمعنوية كانت واضحة ومحدّدة عند الطائفة.
إذاً فهذا الافتراض الثالث أيضاً يكذّبه واقع التراث الثابت والمتواتر عن الأئمة السابقين على الإمام الجواد (عليه السلام).

الفرض الرابع:

أن يكون هناك بين أبناء الطائفة الشيعية نوع من التواطؤ على الزور والباطل.
وهذا الافتراض أيضاً يكذّبه الواقع. لا لإيماننا الشخصي فقط بورع هذه الطائفة وقدسيّتها، بل لأن الظرف الموضوعي لهذه الطائفة هو الذي يكذب هذا الافتراض.
فإن التشيع لم يكن في يوم من الأيام في حياة هذه الطائفة طريقاً إلى الأمجاد والى المال والجاه والسلطان والمقامات العالية، بل التشيع طيلة هذه المدّة كان طريقاً الى التعرض للتعذيب والسجون والحرمان والويل والدمار.

لقد كان التشيع طريقاً شائكاً مزروعاً بالألغام، فالخوف والتقية والذل كانت هي مظاهر وثمار هذا الطريق فما الفائدة المادية في التواطؤ على هذا الزور والباطل في الإمامة ما دام التشيع ليس سبيلاً لتحقيق أي مطمع مادي أو مطمع دنيوي آنئذ.
فلماذا يتواطأعقلاء الطائفة الشيعية ووجهاؤها وعلماؤها على إمامة باطلة مع أن ثباتهم عليها يكلفهم كثيراً من ألوان الحرمان والعذاب، وأيّ عقل يستسيغ مثل هذه التبعات إذا كان مجرّد تباني على أمر باطل.

انّ هذه الظروف الموضوعية ألا تكون شاهداً ودليلاً على أن هذا الاعتقاد إنما كان ناشئاً عن حقيقة ثابتة وملزمة لأبناء الطائفة قد وعوها وآمنوا بها واستسلموا للوازمها وآثارها بالرغم من أنها كانت تكلّفهم حياتهم المادية على طول الخط.

اذن لا يبقى إلاّ القبول بالافتراض الأخير وهو أن الإمام الجواد (عليه السلام) بدعواه الإمامة المبكرة وتحدّيه لكل من وقف أمامه، وصموده أمام كل الإثارات والتساؤلات والاختبارات شكّل دليلاً تأريخياً علمياً قاطعاً على حقّانية دعواه ومذهبه وخطّه وهو خط أهل البيت (عليهم السلام) الذي كان يمثّله الإمام الجواد(عليه السلام) في مجال إمامة المسلمين وزعامة الاُمة الإسلامية التي بدأت بالقيادة النبوية تلك الاُمة التي خلّفها الرسول (صلى الله عليه وآله) لتتكامل وتؤسّس الحضارة الإسلامية على أسس الهية وقيم ربّانية.
وإن التراث القيّم الذي تركه لنا هذا الإمام العظيم لدليل قاطع على عظمة الدور الذي قام به هذا الإمام في تبلور العقيدة الشيعية في مجال القيادة الاسلامية التي أكّدتها الآيات القرآنية والنصوص النبوية الشريفة.[3]

3- الإمام الجواد(عليه السلام) والمفاهيم المنحرفة عند الاُمة

لم يتخذ الغلو لوناً واحداً بل كانت ثمة الوان متعددة، منها الغلو بالصحابة، وفي حوار مفتوح للامام الجواد (عليه السلام) مع يحيى بن الأكثم أمام جماعة كبيرة من الناس منهم المأمون العبّاسي فنّد الإمام الجواد(عليه السلام) التوجهات المغالية في شأن الصحابة، وإليك نص الحديث:
«روي ان المأمون بعد ما زوّج ابنته اُمّ الفضل أبا جعفر (عليه السلام) كان في مجلس وعنده أبو جعفر (عليه السلام) ويحيى بن الأكثم وجماعة كثيرة.
فقال له يحيى بن الأكثم: ما تقول يابن رسول الله في ا لخبر الذي روي: أنه نزل جبرئيل (عليه السلام) على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: يامحمد ! ان الله عزوجل يُقرئك السلام ويقول لك: سل أبا بكر هل هو عنّي راض فإني عنه راض.

فقال أبو جعفر (عليه السلام): «لست بمنكر فضل أبي بكر ولكن يجب على صاحب هذا الخبر أن يأخذ مثال الخبر الذي قاله رسول الله(صلى الله عليه وآله) في حجّة الوداع: قد كثرت عليّ الكذابة وستكثر بعدي فمن كذب عليّ متعمّداً فليتبوأ مقعده من النار فاذا أتاكم الحديث عني فاعرضوه على كتاب الله عزوجل وسنتي، فما وافق كتاب الله وسنتي فخذوا به، وما خالف كتاب الله وسنتي فلا تأخذوا به وليس يوافق هذا الخبر كتاب الله، قال الله تعالى: ( ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن اقرب اليه من حبل الوريد )[4]. فالله عزوجل خفي عليه رضاء أبي بكر من سخطه حتى يسأل عن مكنون سره، هذا مستحيل في العقول».
ثم قال يحيى بن الأكثم: وقد روي: أن مثل أبي بكر وعمر في الارض كمثل جبرئيل وميكائيل في السماء.
فقال (عليه السلام): «وهذا أيضاً يجب أن ينظر فيه; لأن جبرئيل وميكائيل ملكان لله مقرّبان لم يعصيا الله قط، ولم يفارقا طاعته لحظة واحدة، وهما قد أشركا بالله عزّوجلّ وإن أسلما بعد الشرك. فكان أكثر أيّامهما الشرك بالله فمحال أن يشبّههما بهما».
قال يحيى: وقد روي أيضاً: أنهما سيدا كهول أهل الجنة. فما تقول فيه؟
فقال (عليه السلام): وهذا الخبر محال أيضاً، لان أهل الجنة كلهم يكونون شبّاناً ولا يكون فيهم كهل وهذا الخبر وضعه بنو اُمية لمضادة الخبر الذي قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الحسن والحسين (عليهما السلام) بأنهما « سيدا شباب اهل الجنة ».
فقال يحيى بن الأكثم: وروي ان عمر بن الخطاب سراج اهل الجنة.
فقال (عليه السلام): وهذا أيضا محال، لأن في الجنة ملائكة الله المقربين، وآدم ومحمد(صلى الله عليه وآله)، وجميع الانبياء والمرسلين. لا تضيء بأنوارهم حتى تضيء بنور عمر؟!
فقال يحيى بن الأكثم: وقد روي: أن السكينة تنطق على لسان عمر.
فقال (عليه السلام): لست بمنكر فضل عمر، ولكن أبا بكر أفضل من عمر.
فقال ـ على رأس المنبر ـ: إن لي شيطاناً يعتريني، فإذا ملت فسدّدوني. فقال يحيى: قد روي ان النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لو لم اُبعث لبُعث عمر.

قال (عليه السلام): كتاب الله أصدق من هذا الحديث، يقول الله في كتابه: ( واذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح )[5]، فقد أخذ الله ميثاق النبيين فكيف يمكن أن يبدل ميثاقه، وكان الانبياء (عليهم السلام) لم يشركوا بالله طرفة عين؟ فكيف يبعث بالنبوة من أشرك وكان اكثر أيامه مع الشرك بالله؟! وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «نبّئت وآدم بين الروح والجسد.»
فقال يحيى بن الأكثم: وقد روي أيضاً أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: ما احتبس عنّي الوحي قط الا ظننته قد نزل على آل الخطاب.
فقال (عليه السلام): وهذا محال أيضاً، لأنه لا يجوز ان يشك النبي(صلى الله عليه وآله) في نبوّته، قال الله تعالى: ( الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس ) [6] فكيف يمكن ان تنتقل النبوة ممن اصطفاه الله تعالى الى من أشرك به؟!
قال يحيى: روي ان النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لو نزل العذاب لما نجى منه إلاّ عمر.
فقال (عليه السلام): وهذا محال أيضاً، لأن الله تعالى يقول: (وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) [7]، فأخبر سبحانه انه لا يعذب أحداً ما دام فيهم رسول الله(صلى الله عليه وآله) وما داموا يستغفرون الله»[8].
وفي هذا النص شواهد كافية لمدى التحريف الذي سيطر على مجال الحديث والبدع التي اُدخلت على السنّة النبوية الشريفة في عصر الخلافة الاُموية والعباسية، ومدى نفوذها الى واقع الاُمة بالرغم من كونها تخالف النصوص الصريحة للقرآن الكريم. وهذا كاشف عن مدى هبوط مستوى الوعي والثقافة العامة عند علماء البلاط فضلاً عن عامة أتباعهم.
وهذا الحوار يكشف لنا عن مدى شجاعة الإمام(عليه السلام) وقوّة منطقه، ودوره الكبير في تصحيح هذه الانحرافات الخطيرة التي تشوّه حقائق الدين من أجل تصحيح أخطاء شخصيات استغلّت شرف الصحبة والصحابة، وقبع الحكام المنحرفون تحت هذه الأقنعة التي نسجت منهم شخصيات وهميّة على مدى التاريخ في أذهان عوامّ علماء المسلمين فضلاً عن أتباعهم.
 

4-  الإمام الجواد(عليه السلام) والتوجّه الى هموم أبناء الاُمة الإسلامية

اهتمّ الإمام الجواد (عليه السلام) بخدمة الناس وبدعوتهم الى الاسلام المحمدي الاصيل وكسبهم الى اهل البيت (عليهم السلام)، ومن امثلة ذلك:

1- لمّا انصرف أبو جعفر (عليه السلام) من عند المأمون ببغداد ومعه اُم الفضل إلى المدينة، صار إلى شارع باب الكوفة والناس يشيّعونه فانتهى الى دار المسيّب عند مغيب الشمس، فنزل ودخل المسجد، وكان في صحنه نبقة لم تحمل بعد، فدعا بكوز فيه ماء فتوضأ في اصل النبقة وقام وصلّى بالناس صلاة المغرب، فقرأ في الاُولى « الحمد » و « اذا جاء نصر الله » وفي الثانية « الحمد » و « قل هو الله أحد » وقنت قبل الركوع، وجلس بعد التسليم هنيئة يذكر الله تعالى، وقام من غير تعقيب فصلّى النوافل أربع ركعات، وعقّب بعدها، وسجد سجدتي الشكر ثم خرج، فلمّا انتهى الى النبقة رآها الناس وقد حملت حملاً كثيراً حسناً، فتعجبوا من ذلك، فأكلوا منها فوجدوه نبقاً حلواً لا عجم له، ومضى (عليه السلام) الى المدينة [9].
لقد قدّم الإمام الجواد (عليه السلام) للناس الدليل على إمامته (عليه السلام) بالاُمور المحسوسة.

علاوة على ذلك فإنّ اهتمام الإمام (عليه السلام) بخدمة الناس يعكس أهميّة هذا الأمر وفضله في الإسلام كما يكشف عن توجّهه (عليه السلام) لكسبهم بطريقة عملية وهدايتهم لاختيار منهج أهل البيت (عليهم السلام)، ونقتصر على بعض الأمثلة في هذا الصدد.
2- روي عن الشيخ أبي بكر بن اسماعيل أنه قال: «قلت لابي جعفر ابن الرضا(عليه السلام): ان لي جارية تشتكي من ريح بها، فقال: ائتني بها فأتيت بها فقال: ما تشتكين ياجارية؟ قالت: ريحاً في ركبتي، فمسح يده على ركبتها من وراء الثياب فخرجت الجارية من عنده ولم تشتك وجعاً بعد ذلك »[10].

3- وروي عن محمد بن عمير بن واقد الرازي أنه قال: «دخلت على أبي جعفر ابن الرضا (عليه السلام) ومعي أخي به بهر شديد فشكى اليه ذلك البهر [11]، فقال (عليه السلام): عافاك الله ممّا تشكو، فخرجنا من عنده وقد عوفي فما عاد إليه ذلك البهر إلى أن مات.
4- قال محمد بن عمير: «وكان يصيبني وجع في خاصرتي في كل اسبوع فيشتد ذلك الوجع بي أيّاماً وسألته ان يدعو لي بزواله عنّي، فقال: وأنت فعافاك الله فما عاد الى هذه الغاية ».[12]
5- وروي عن علي بن جرير قال: «كنت عند أبي جعفر ابن الرضا (عليه السلام) جالساً وقد ذهبت شاة لمولاة له فأخذوا بعض الجيران يجرّونهم اليه ويقولون: انتم سرقتم الشاة.
فقال أبو جعفر (عليه السلام): ويلكم خلّوا عن جيراننا فلم يسرقوا شاتكم، الشاة في دار فلان»، فاذهبوا فأخرجوها من داره، فخرجوا فوجدوها في داره، واخذوا الرجل وضربوه وخرقوا ثيابه، وهو يحلف انه لم يسرق هذه الشاة، الى ان صاروا الى أبي جعفر (عليه السلام) فقال: «ويحكم ظلمتم الرجل فانّ الشاة دخلت داره وهو لا يعلم بها، فدعاه فوهب له شيئاً بدل ما خرق من ثيابه وضربه»[13].

6- وروي عن القاسم بن الحسن، أنّه قال: «كنت فيما بين مكة والمدينة فمرّ بي أعرابي ضعيف الحال فسألني شيئاً فرحمته، فأخرجت له رغيفاً فناولته إيّاه فلمّا مضى عنّي هبّت ريح زوبعة، فذهبت بعمامتي من رأسي فلم أرها كيف ذهبت ولا أين مرّت، فلمّا دخلت المدينة صرت الى أبي جعفر ابن الرضا (عليه السلام) فقال لي: «ياأبا القاسم ذهبت عمامتك في الطريق؟ قلت: نعم، فقال: ياغلام أخرج اليه عمامته، فأخرج اليّ عمامتي بعينها، قلت: يا ابن رسول الله كيف صارت اليك؟ قال: تصدّقتَ على أعرابي فشكره الله لك، فردّ إليك عمامتك، وانّ الله لا يضيع أجر المحسنين»[14].

إنّ هذه الأعمال تدلّ على الأهمية الكبيرة التي كان يمنحها أهل البيت (عليهم السلام) لخدمة الناس. ولا يخفى على الناظر المتأمل ما تتركه مثل هذه الأعمال من أثر كبير على الناس باعتبار أنّ لغة العمل هي اللغة الاوضح عند الناس الإمام الجواد (عليه السلام) ومتطلّبات الجماعة الصالحة
والأشد تأثيراً عليهم كما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) في كلمته المعروفة عنه: « كونوا دعاة الناس بغير ألسنتكم ».


[1] إذا كان الإنجاب مقصوداً للمأمون فاحتواء ابن الإمام من قبل العباسيين يكون أمراً ممكناً بل متوقعاً وإذا لم يكن الانجاب مطلوباً لهم فسوف تكون مهمة أبنة المأمون الحيلولة دون إنجاب الإمام(عليه السلام) من طرفها وممّن سواها كما تلاحظ ذلك في غيرتها وشكايتها لأبيها من الإمام الجواد الذي كان من الطبيعي في ذلك المجتمع أن يتزوج من أمة من الإماء بالرغم من وجود زوجة عنده مثل ابنة المأمون.

[2] راجع في هذا الجانب بالخصوص الحديث التفصيلي الذي ورد عن الإمام الرضا (عليه السلام) حول الإمام والامامة في تحف العقول.
[3] اعتمدنا في هذا البحث على محاضرة للشهيد السعيد آية الله السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) حول الإمام الجواد (عليه السلام) وعرضناها بتصرّف.
[4] سورة ق (50): 16.
[5] الأحزاب (33): 7.
[6] الحج: (22): 75.
[7] الأنفال (8): 33.
[8] الاحتجاج: 2 / 477 ـ 480.
[9] إعلام الورى بأعلام الهدى: 2 / 105 ـ 106.
[10] بحار الانوار: 50 / 46 ـ 47.
[11] البُهرة بالضم تتابع النفس.
[12] مستدرك عوالم العلوم: 50 / 47.
[13] مستدرك عوالم العلوم: 50 / 47.
[14] مستدرك عوالم العلوم: 47 ـ 48.

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة