البث المباشر

الإمام الجواد ( عليه السلام ) والإمامة المبكرة

الإثنين 19 نوفمبر 2018 - 21:52 بتوقيت طهران
الإمام الجواد ( عليه السلام ) والإمامة المبكرة

أصبح الإمام الجواد (عليه السلام) خليفة الله تعالى في خلقه وإماماً لهم وهو لم يزل حديث السن، وذلك ما اقتضته مشيئة الله - جلّ جلاله - مثلما اقتضت ذلك مع عيسى وسليمان (عليهما السلام).

وقد أثارت حداثة سنة (عليه السلام) استغراب بعض الناس وتشكيكهم، الأمر الذي دعا الإمام الجواد (عليه السلام) الى توضيح الامر لهم، وهو ما نجده في الروايات الآتية:

قال الراوي: قلت له ( لأبي جعفر الثاني (عليه السلام)): انهم يقولون في حداثة سنك، فقال: «ان الله تعالى أوحى الى داود أن يستخلف سليمان وهو صبي يرعى الغنم، فأنكر ذلك عبّاد بني اسرائيل وعلماؤهم، فأوحى الله الى داود(عليه السلام) أن خذ عصي المتكلمين وعصا سليمان واجعلها في بيت واختم عليها بخواتيم القوم فاذا كان من الغد، فمن كانت عصاه قد أورقت وأثمرت فهو الخليفة، فأخبرهم داود (عليه السلام) فقالوا: قد رضينا وسلَّمنا»[1].

قال الراوي: رأيت أبا جعفر (عليه السلام) وقد خرج عليّ فأخذت أنظر اليه وجعلت انظر الى رأسه ورجليه، لأصف قامته لأصحابنا بمصر، فبينا أنا كذلك حتى قعد، فقال: «يا عليّ ! ان الله احتج في الإمامة بمثل ما احتج به في النبوة، فقال: ( وآتيناه الحكم صبياً )[2] ( ولمّا بلغ اشده )[3] ( وبلغ اربعين سنة )[4] فقد يجوز أن يؤتى الحكمة وهو صبي ويجوز أن يؤتاها وهو ابن الأربعين سنة»[5].

رواية تسلمه الامامة

وعندما كان الإمام الجواد عليه السلام في الخامسة من عمره جاءت رسل المأمون ‏العباسي تحث والده الإمام الرضا عليه السلام ليهاجر الى العاصمة للبلاد الاسلامية ‏وهي خراسان، ويكون ولي العهد وذلك بعدما قتل المأمون اخاه الأمين، وكانت ‏الظروف تكره الامام على بن موسي عليه السلام على أن يغادر المدينة الى ‏خراسان عاصمة‌المسلمين الجديدة، حيث ان الحرب التي قامت بين الأخوين ‏العباسيين، الأمين والمأمون، كانت قد صرفت كثيراً من طاقات المسلمين وجعلتها ‏وقوداً مشتعلاً لها، بل قامت ثورة خراسان على كتف الشيعة هناك الذين استخدموا ‏في ثورة العباسيين الأولي ضد الحكم الأموي، ثم سرقت ثورتهم بانحراف ‏القادة‌وذهبت مساعيهم ادراج الرياح، وهذه الثورة الثانية قامت كرد فعل قوى ‏لانحراف دفة الحكم عن آل بيت الرسول، اصحابه الشرعيين، والمأمون كان ممن ‏تشيع ظاهراً ونادي مباديء الشيعة صريحاً في باكورة امره، وأكره الامام الرضا ‏عليه السلام على الرحيل الى خراسان ليثبت فكرة تشيعه في قلوب التابعين ثم يصنع ‏ما يشاء.‏

استعد الامام الرضا عليه السلام للرحيل ولكنه كان يعلم يقيناً بما سوف يحدث له بعد سفره، انها ‏رحلة‌ واضحة المعالم،‌ولكنها خطة يجب ان يسير عليها الامام حسب الظروف ‏وحسب التعاليم الظاهرية للدين الاسلامي، يجب عليه ان يبلغ فيعذر، ويعمل حسب ‏مقدرته على بث الوعي الصحيح للمسلمين وان كان ذلك سوف يؤدي بحياته ‏الكريمة، ثم ودع اهله وجعل الخليفة عليهم ابنه الجواد، وهو ابن الخامسة فقط، لما ‏كان يعرف منه من الكفاءة الموهوبة، وراح الرضا يخترق السهل والجبل الى ‏خراسان حيث تستقبله الجماهير المؤمنة ويجعلونه ولياً لعهدهم، تنتقل اليه الخلافة ‏الاسلامية بعد المأمون، وكانت الرسائل تربط بين الوالد والولد، فترد تباعاً بشأن ‏الأمور الخاصة او العامة.‏

أما الإمام الرضا عليه السلام فقد كان معجباً بنجله ايما اعجاب، فاذا جاءت رسالة ‏عن الجواد عليه السلام واراد ان يخبر شيعته بها قال: كتب لي ابو جعفر او كتبت ‏الى ابي جعفر، فلا يقول ابني ولا يرضي باسمه الخاص، بل يكنيه اجلالاً واحتراماً.‏
واما ولده التقي في المدينة فقد كان يختلف اليه الشيعة اختلافهم الى والده الرضا ‏عليه السلام، لأنهم كانوا يعرفون انه امامهم في المستقبل، وعلى حد تعبير هم ‏‏(امامهم الصامت).‏

وذات يوم والشيعة في حضرة الجواد عليه السلام وفي مشهده اذ تغير حاله واخذ ‏يبكي، وعندما جاء الخادم، امره باقامة الماتم...‏
‏-عزاء من؟ ومأتم لمن؟ جعلت فداك.‏
‏-ماتم أبي الحسن الرضا عليه السلام، فقد استشهد الساعة في خراسان.‏
‏-بأبي أنت وأمي، خراسان قطر يبتعد عن المدينة آلاف الأميال، وتفصل بينهما ‏سهول وجبال.‏
‏-نعم، دخلني ذل من الله عز وجل لم أكن أعرفه، فعرفت ان ابي قد توفي 5.‏


الإمامة جعل الهي

الإمامة في عقيدة الشيعة القائلين بها تختلف عنها في منطق الاخرين كثيراً. فان ‏الكلمة تعني عند الشيعة الخلافة المطلقة لشخص الرسول ولعلومه ومعارفه ‏ومؤهلاته وصلاحياته ومسؤولياته، وبتعبير آخر «صورة كاملة للنبوة»، بفارق ‏واحد فقط هو أن الامام لا يوحي إليه، بينما النبي يوحي اليه، فلا نبي بغير وحي، ‏ولكن الامام بدونه.‏

والنبوة –في منطق الاسلام- صلاحية فريدة في نوعها ومتميزة عن صلاحيات ‏سائر البشر، يهبها الله تعالى الى فرد يختاره ويجعله وسيطاً يتلقي الوحى منه ‏وينشره بين قومه، واذا تمت هذه الفكرة عن النبي تتم عن الامام بنفس الملاك ونفس ‏الحجة، وكما انه إذا صح القول بأنه من الممكن ان يغتدي الصبي نبياً وهو في المهد ‏رضيع، صح ذلك في الامام عليه السلام.‏

والعمر وان كان مقياساً للناس في الأغلب ولكنه ليس بمقياس عند الله، فليس الأكبر ‏سناً أعظم عند الله دائماً، وربً شيخ يغيض عند ربه ولرب شاب او طفل محبوب ‏عند بارئه. العمل الصالح والنية الطيبه والامكانيات الموهوبة وما الى ذلك مما يهب ‏الفرد قيمة وتقديراً هو المقياس الأول عند الاسلام وفي منطق القرآن، اضف الى ‏ذلك ان القول بالنبوة والامامة لا يمكن الا بعد الايمان الكامل بقدرة‌ الله تعالى على‌ ‏ان يجعل من فرد واحد مجمعاً للفضائل، ومرجعاً للمعارف، وقدوة للناس واسوة ‏للخلق، فالاعتقاد بالنبوة يفرض على الانسان الايمان بالمعجزة (والتي هي ما يتعدي ‏طاقة الانسان) وله ميزة على سائر البشر حتى يمكنه ان يقودهم ويقول لهم انني ‏نذير من الله.‏

واذا كانت المعجزة تعني شيئاً خارجاً‌ عن الطبيعة الجارية في سائر الخلق، فلا فرق ‏بين أن يكون الفرد الذي تتجلي فيه المعجزة كبيراً أو صغيراً، غنياً أو فقيراً.‏

وطالما زعمت الامم السالفة: ان النبي يجب ان يكون له مال وثراء عريض، ويكون ‏سيداً في قومه ورئيساً مهيباً، فأفهمهم انبياؤهم عليه السلام بأن الله اذا اراد ان ينزل ‏رحمته في فرد لا تتوفر فيه هذه الشروط ويجعله نبياً، فهل في ذلك من بأس؟ قال ‏تعالى:‏
‏{اهم يفسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم ‏فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً‌ ورحمت ربك خير مما يجمعون} ‏‏(الزخرف 32)‏

ولطالما اعجبت الامم ودهشت حينما رأت أن الله قد بعث اليها صبياً نبياً، ولكن ربنا ‏أبرز لهم أن فعله ذلك انما كان تعمداً ليعرفهم معني النبوة، وانها ليست موهبة عادية ‏تبرز في فرد دون فرد، تبعاً للبيئة والتربية، وانما هو نبوء عن عادة الخلق، وخرق ‏لسنة الكون، ونداء‌جديد ليس يشابهه نداء المخلوقات، بان الله هو القادر وانه اليه ‏المصير، يقول على‌بن اسباط في حديث له عن الامامة: رأيت أبا جعفر الجواد عليه ‏السلام قد خرج الى فأحددت النظر اليه، والى رأسه والى رجله لأصف قامته ‏لأصحابنا بمصر فخر ساجداً وقال: ان الله احتج في الامامة بمثل ما احتج في النبوة، ‏قال تعالى:‏
‏{وءاتيناه الحكم صبياً} (مريم /12)‏
وقال الله سبحانه وتعالى:‏
‏{ولما بلغ اشده} (يوسف /22)‏
وقال: ‏
‏{وبلغ اربعين سنة} (الاحقاف/15)‏
فقد يجوز ان يؤتي الحكمة وهو صبي ويجوز ان يوتي وهو ابن اربعين سنة 6.‏
اجل اذا كانت النبوة معجزة الله تعالى، او كانت آية الابتداع فسواء –اذاً- ان تظهر ‏في كبير او صغير.‏
وعن بعض الرواة انه قال: كنت وافقاً عند ابي الحسن الرضا عليه السلام بخراسان ‏فقال قائل: يا سيدي... ان كان كون فالى من؟ (يريد: اذا مت فمن الامام بعدك؟)‏
قال: الى ابي جعفر ابني... وكان القائل استصغر سن ابي جعفر.‏
فقال ابو الحسن عليه السلام: ان الله سبحانه بعث عيسي رسولاً نبياً صاحب شريعة ‏مبتدئة في اصغر من السن الذي فيه ابو جعفر عليه السلام 7.‏
نعم: ليس هناك اي استبعاد لما يشاؤه الله ويفعله، فقد يجعل عيسى نبياً في اول ‏صباه... ويهب محمد بن علي الامامة صبياً ايضاً.‏

كان للامام ابي عبد الله الصادق عليه السلام ولد كان يدعي على بن جعفر وكان ‏وجيهاً محترماً لدى الشيعة الامامية، وكان يفد اليه الناس، وينهلون من علومه التي ‏تلقاها مباشرة عن ابيه الصادق عليه السلام... واخيه موسي بن جعفر عليه ‏السلام... فيروي بعض المحدثين: انه كنت عند على بن جعفر بن محمد عليه السلام ‏جالساً بالمدينة، وكنت اقمت عنده سنتين اكتب عنه ما سمعه من اخيه يعني موسي ‏بن جعفر عليه السلام اذ دخل عليه ابو جعفر محمد بن علي بن موسي عليه السلام ‏المسجد –مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوثب على بن جعفر بلا رداء ‏ولا حذاء، فقبل يده وعظمه، فقال له ابو جعفر عليه السلام: يا عم اجلس رحمك الله.‏
قال: يا سيدي كيف اجلس وانت قائم.‏
فلما رجع على بن جعفر الى مجلسه جعل اصحابه يوبخونه ويقولون انت عم ابيه ‏وانت تفعل هذا الفعل؟
فقال: اسكتوا، اذا كان الله عزوجل- وقبض على لحيته- لم يؤهل هذه الشيبة واهل ‏هذا الفتي ووضعه حيث وضعه، أنكر فضله! نعوذ بالله مما تقولون بل انا له عبد8.‏

 


[1] اُصول الكافي: 1 / 314.
[2] مريم (19): 12.
[3] القصص (28): 14.
[4] الأحقاف (46): 15.
[5] اُصول الكافي: 1 / 315.

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة