وما أحوج المسلمين اليوم إلى الاخذ بها، والسير على هداها، ليستعيدوا ماضيهم المجيد، ويسترجعوا مجدهم التليد.
نسجل في هذه الباب بعض وصاياه (عليه السلام):
1- وصيته الى الإمام الرضا (عليه السلام)
أوصى الإمام الكاظم (عليه السلام) ولده الإمام الرضا (عليه السلام) وعهد إليه بالأمر من بعده وقد أوصاه بوصية تتضمن ولايته على صدقاته، ونيابته عنه في شؤونه الخاصة والعامة. وقد أشهد عليها جماعة من المؤمنين الأعلام، وقبل أن يدلي بها ويسجلها أمر بإحضار الشهود وهم:
إبراهيم بن محمد الجعفري، وإسحاق بن محمد الجعفري، وإسحاق بن جعفر بن محمد، وجعفر بن صالح، ومحمد الجعفري، ويحيى بن الحسين بن زيد، وسعد بن عمران الأنصاري ومحمد بن الحارث الأنصاري، ويزيد بن سليط الأنصاري، ومحمد بن جعفر سعد الأسلمي ـ وهو كاتب الوصية ـ ولما حضر هؤلاء شرع بذكر وصيته، وهذا نصها:
(إن موسى يشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وإن محمداً عبده ورسوله، وإن الساعة آتية لا ريب فيها، وإن الله يبعث من في القبور، وإن البعث من بعد الموت حق، وأن الوعد حق، وإن الحساب حق، والقضاء حق، وإن الوقوف بين يدي الله حق، وأن ما جاء به محمد (صلّى الله عليه وآله) حق، وأن ما أنزل به الروح الأمين حق، على ذلك أحيى وعليه أموت، وعليه أبعث إن شاء الله، وأشهدهم أن هذه وصيتي بخطي، وقد نسخت وصية جدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ووصية محمد بن علي قبل ذلك نسختها حرفاً بحرف، ووصية جعفر بن محمد، على مثل ذلك، وإني قد أوصيت بها إلى علي وبني بعده معه إن شاء وآنس منهم رشداً، وأحب أن يقرهم فذاك له، ولا أمر لهم معه، وأوصيت إليه بصدقاتي وأموالي ومواليّ وصبياني الذي خلفت وولدي إلى إبراهيم والعباس وقاسم وإسماعيل وأحمد وأم أحمد، وإلى علي أمر نسائي دونهم، وثلث صدقة أبي وثلثي يضعه حيث يرى، ويجعل فيه ما يجعل ذو المال في ماله، فإن أحب أن يبيع أو يهب أو ينحل أو يتصدّق بها على من سمّيت له وعلى غير من سمّيت فذاك له، وهو أنا في وصيتي في مالي، وفي أهلي وولدي وإن يرى أن يقر أخوته الذين سميتهم في كتابي هذا أقربهم، وإن كره فله أن يخرجهم غير مثرب(1) عليه، ولا مردود، فإن آنس منهم غير الذي فارقتهم عليه فأحب أن يردهم في ولاية فذاك له،
وإن أراد رجل منهم أن يزوج أخته فليس له أن يزوجها إلا بإذنه وأمره فإنه أعرف بمناكح قومه، وأي سلطان أو أحد من الناس كفه عن شيء أو حال بينه وبين شيء ممّا ذكرت فهو من الله ومن رسوله بريء، والله ورسوله منه براء، وعليه لعنة الله وغضبه ولعنة اللاعنين والملائكة المقربين والنبيين والمرسلين وجماعة المؤمنين، وليس لأحد من السلاطين أن يكفه عن شيء، وليس لي عنده تبعة، ولا تباعة، ولا لأحد من ولدي وله قبلي مال، فهو مصدق فيما ذكر، فإن أقل فهو أعلم، وإن أكثر فهو الصادق كذلك، وإنما أردت بإدخال الذين أدخلتهم معه من ولدي التنويه بأسمائهم، والتشريف لهم، وأمهات أولادي من أقامت منهنّ في منزلها وحجابها فلها ما كان يجري عليها في حياتي، إن رأى ذلك. ومن خرجت منهنّ إلى زوج فليس لها أن ترجع إلى محواي(2) إلا أن يرى عليّ غير ذلك، وبناتي بمثل ذلك، ولا يزوّج بناتي أحد من إخوتهن، من أمهاتهن، ولا سلطان ولا عم إلا برأيه ومشورته، فإن فعلوا غير ذلك فقد خالفوا الله ورسوله، وجاهدوا في ملكه، وهو أعرف بمناكح قومه، فإن أراد أن يزوّج زوّج وإن أراد أن يترك ترك، وقد أوصيتهنّ بما ذكرت في كتابي هذا،
وجعلت الله عزّ وجلّ عليهنّ شهيداً، وهو وأم أحمد شاهدان وليس لأحد أن يكشف وصيتي، ولا ينشرها، وهو منها على غير ما ذكرت وسمّيت، فمن أساء فعليه، ومن أحسن فلنفسه، وما ربّك بظلاّم للعبيد، وصلّى الله على محمد وعلى آله، وليس لأحد من سلطان ولا غيره أن يفض كتابي هذا الذي ختمت عليه الأسفل، فمن فعل ذلك فعليه لعنة الله وغضبه ولعنة اللاعنين، والملائكة المقربين، وجماعة المرسلين والمؤمنين، وعلى من فضّ كتابي هذا)(3).
ووقع عليه السلام الوصية وختمها، وكذلك وقّع عليها الشهود السالفة أسماؤهم. وواضح أن وصيّه والحجة من بعده ولده الإمام الرضا (عليه السلام) فقد فوّض إليه جميع شؤونه، وألزم أبناءه بإتباعه والانصياع لأوامره. كما أمر (عليه السلام) أن يكون زواج كريماته بيد الإمام الرضا (عليه السلام) وتحت مشورته ورأيه فإنه أعرف بمناكح قومه من غيره فإنّهنّ ودائع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وكريماته فينبغي أن لا يتزوّجن إلا بمؤمن تقي يعرف مكانتهنّ ويقدّر منزلتهنّ ولا يعرف الكفؤ لهنّ إلا ولده الرضا. وأكبر الظن أنه إنما أمر بإخفاء وصيته وعدم ذيوعها خوفاً على ولده من السلطة العباسية التي لم تقصر أبداً في محاربة أهل البيت (عليهم السلام) لذلك أراد إخفاءها خوفاً من نقمتهم عليه وتنكيلهم به.
2- من وصية له (عليه السلام) إلى بعض ولده:
يا بني اياك ان يراك الله في معصية نهاك عنها، واياك أن يفقدك الله عند طاعة أمرك بهاـ، وعليك بالجد، ولا تخرجن نفسك من التقصير في عبادة الله وطاعته، فإن الله لا يعبد حق عبادته، واياك والمزاح فإنه يذهب بنور إيمانك، ويستخف بمرؤتك، وإياك والضجر والكسل، فإنهما يمنعان حظك من الدنيا والآخرة(4).
3- من وصية له (عليه السلام):
أي فلان اتق الله وقل الحق وان كان فيه هلاكك فإن فيه نجاتك، أي فلان اتق الله ودع الباطل وان كان فيه نجاتك، فان فيه هلاكك(5).
اجعلوا لأنفسكم حظاً من الدنيا باعطائها ما تشتهي من الحلال، ومالا يثلم المرؤة وما لا سرف فيه، واستعينوا بذلك على أمور الدين، فإنه روي: ليس منا من ترك دنياه لدينه، أو ترك دينه لدنياه(6).
تفقهوا في الدين، فإن الفقه مفتاح البصيرة، وتمام العبادة، والسبب إلى المنازل الرفيعة، والرتب الجليلة في الدين والدنيا، وفضل الفقيه على العباد، كفضل الشمس على الكواكب، ومن لم يتفقه في دينه لم يرض الله له عملا(7).
1- مثرب، مأخوذ من التثريب وهو التوبيخ والتعبير.
2- المحوى، اسم المكان الذي يحوي الشيء أي الذي يضمه.
3- أصول الكافي، ج1، ص316-317 والبحار.
4- بحار الأنوار 17/203.
5- تحف العقول 301.
6- موسوعة العتبات المقدسة 217.
7- بحار الأنوار 17/203.