لقد تخرج من تحت يد الامام الصادق عليه السلام علماء عليهم الاعتماد والمعول في أمر الدين فكانوا جهابذة العلم وافذاذ قلَّ نظيرهم فحملوا العلم ممزوجاً بالعمل والتقوى وخدموا دينهم خدمة جليلة تشهد بها الكتب الى اليوم.
يقول هشام بن سالم كنا عند ابي عبدالله عليه السلام جماعة من أصحابه فورد رجل من أهل الشام فاستأذن بالجلوس فأذن له، فلما دخل سّلم فأمره ابو عبدالله عليه السلام بالجلوس ثم قال له: ماحاجتك أيها الرجل؟ قال: بلغني أنك عالم بكل ما تسأل عنه فصرت اليك لأناضرك، فقال ابو عبدالله عليه السلام فيماذا؟ قال: في القرآن، فقال ابو عبدالله عليه السلام يا حمران بن أعين دونك الرجل، فقال الرجل: انما اريدك انت لا حمران. فقال ابو عبدالله عليه السلام: إن غلبت حمران فقد غلبتني فأقبل الشامي يسأل حمران حتى ضجر وملّ وحمران يجيبه، فقال ابو عبدالله عليه السلام كيف رأيت يا شامي؟ قال: رأيته حاذقاً ما سألته عن شيء إلا أجابني، ثم قال الشامي: اريد ان اناظرك في العربية، فالتفت ابو عبدالله عليه السلام فقال: يا أبان بن تغلب ناظره، فناظره حتى غلبه.
فقال الشامي: اريد ان أناظرك في الفقه فقال ابو عبدالله: يا زرارة ناظره، فناظر حتى غلبه، فقال الشامي: اريد ان أناظرك في الكلام فقال الامام عليه السلام: يا مؤمن الطاق ناظره، فناظره فغلبه، ثم قال: اُريد ان أناظرك في الاستطاعة فقال الامام عليه السلام: يا هشام بن سالم كلمه فكلمه فغلبه، ثم قال: اريد ان اتكلم في الامامة فقال الامام عليه السلام: لهشام بن الحكم كلمه، فغلبه ايضاً فحارَّ الرجل وسكت. واخذ الامام يضحك فقال الشامي له: كأنك اُردت ان تخبرني أن في شيعتك مثل هؤلاء الرجال؟ فقال الامام عليه السلام: هو ذلك، نعم كان هؤلاء ابطال العلم فى ميدان العمل كل واحد منهم يمثل الشموخ الشيعي في بلدته وزمانه.
ومن اصحابه عليه السلام ابو اسحاق ابراهيم حبيب الفزاري المتوفي عام(161 هـ777 م)، وهو أول من عمل الاصطرلاب في الاسلام ، وأول من ألف فيه. والاصطرلاب لفظة يونانية مأخوذة من كلمة(الاصطرلابون)، ومعناها مرآة النجم(اصطر: النجم، لابون: مرآة). وقيل أنها لفظة فارسية أصلها(ستارة باب) أي كاشف النجم. وهذا أحمد بن الحسن بن أبي الحسن الفلكي الطوسي، تخصص في علم الفلك حتى اشتهر به، ووضع كتاب(المنار) وكتاب(شرح التهذيب في الامامة) وله في النجوم والفلك كتاب(ريحان المجالس وتحفة المؤانس)، وقد نقل عنه السيد ابن طاووس. وهذا محمد بن مسعود العياشي التميمي، وصفه ابن النديم بقوله: من فقهاء الشيعة الامامية. أوحد أهل دهره وزمانه في غزارة العلم، له كتاب(النجوم والفأر) و... وهذا أبو علي الحسن بن فضال من اصحاب الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام، وله كتاب(النجوم) و(كتاب الطب) .
تلاميذه من آعلام السنة
أخذ عنه عدّة من أعلام السنّة وأئمتهم، وما كان أخذهم عنه كما يأخذ التلميذ عن الاُستاذ، بل لم يأخذوا عنه إلاّ وهم متّفقون على إمامته وجلالته وسيادته، كما يقول الشيخ سليمان في الينابيع، والنووي في تهذيب الأسماء واللغات، بل عدّوا أخذهم عنه منقبة شرّفوا بها، وفضيلة اكتسبوها كما يقول الشافعي في مطالب السؤل، ومنهم:
أبو حنيفة
حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي من الموالي وأصله من كابل ولد بالكوفة، وبها نشأ ودرس، وكانت له فيها حوزة وانتقل الى بغداد وبها مات عام 150، وقبره بها معروف، وهو أحد المذاهب الأربعة عند أهل السنّة، وحاله أشهر من أن يذكر. وأخذه عن الصادق عليه السلام معروف، وممّن ذكر ذلك الشبلنجي في نور الأبصار، وابن حجر في الصواعق، والشيخ سليمان في الينابيع، وابن الصبّاغ في الفصول، الى غير هؤلاء، وقال الآلوسي في مختصر التحفة الاثني عشرية(ص8): وهذا أبو حنيفة وهو بين أهل السنّة كان يفتخر ويقول بأفصح لسان:"لولا السنتان لهلك النعمان" يريد السنتين اللتين صحب فيها لأخذ العلم من الإمام جعفر الصادق عليه السلام.
مالك بن أنس
قال ابن النديم في الفهرست: هو ابن أبي عامر من حمير وعداده في بني تيم بن مرّة من قريش، وحمل به ثلاث سنين، وقال: وسعى به الى جعفر بن سليمان العبّاسي وكان والي المدينة فقيل له: إنّه لا يرى ايمان بيعتكم. فدعى به وجرّده وضربه أسواطاً ومدّده فانخلع كتفه وتوفى عام(179 هـ) عن (84) سنة، وذكر مثله ابن خلكان. وأخذه عن أبي عبدالله عليه السلام معلوم مشهور، وممّن أشار الى ذلك النووي في التهذيب، والشبلنجي في نور الأبصار، والسبط في التذكرة، والشافعي في المطالب، وابن حجر في الصواعق، والشيخ سليمان في الينابيع، وأبو نعيم في الحلية، وابن الصبّاغ في الفصول، الى ما سوى هؤلاء.
سفيان الثوري
سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، ورد بغداد عدّة مرّات، وروى عن الصادق عليه السلام جملة أشياء، وأوصاه الصادق باُمور ثمينة مرّت في الوصايا، وناظر الصادق في الزهد كما سلف، وارتحل الى البصرة وبها مات (161 هـ)، وولادته في نيف وتسعين، قيل شهد وقعة زيد الشهيد وكان في شرطة هشام بن عبدالملك. جاء أخذه عن الصادق عليه السلام في التهذيب، ونور الأبصار، والتذكرة، والمطالب، والصواعق، والينابيع، والحلية، والفصول المهمة، وغيرها، وذكره الرجاليون من الشيعة في رجاله عليه السلام.
سفيان بن عيينة
سفيان بن عيينة بن أبي عمران الكوفي المكّي ولد بالكوفة عام (107 هـ) ومات بمكّة عام(198 هـ)، ودخل الكوفة وهو شاب على عهد أبي حنيفة. ذكر أخذه عن الصادق عليه السلام في التهذيب، ونور الأبصار، والمطالب، والصواعق، والينابيع، والحلية، والفصول، وما سواها، وذكر ذلك الرجاليون من الشيعة أيضاً.
يحيى بن سعيد الأنصاري
يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري من بني النجّار تابعي، كان قاضياً للمنصور في المدينة، ثم قاضي القضاة، مات بالهاشميّة عام(143 هـ). انظر المصادر المتقدّمة في روايته عن الصادق عليه السلام وما عداها كما ذكر ذلك الرجاليّون من الشيعة.
ابن جريح
عبدالملك بن عبدالعزيز بن جريح المكّي، سمع جمعاً كثيراً من العلماء، وكان من علماء العامّة، الذين يرون حلية المتعة كما رأى حلّيتها آخرون منهم، وجاء في طريق الصدوق في باب ما يُقبل من الدعاوى بغير بيّنة، وجاء في الكافي في باب ما أحلّ الله من المتعة سؤال أحدهم من الصادق عليه السلام عن المتعة فقال: "الق عبدالملك بن جريح فاسأله عنها فإنّ عنده منها علماً"، فأتاه فأملى عليه شيئاً كثيراً عن المتعة وحلّيتها. وقال ابن خلكان: عبدالملك أحد العلماء المشهورين، وكانت ولادته سنة(80 هـ) وقدم بغداد على أبي جعفر المنصو، وتوفى سنة(149 هـ) وقيل(150 هـ)، وقيل(151 هـ). وذكرت المصادر السابقة أخذه عن الصادق عليه السلام، كما ذكرته رجال الشيعة.
القطّان
أبو سعيد يحيى بن سعيد القطّان البصري، كان من أئمة الحديث بل عُدّ محدّث زمانه، واحتجّ به أصحاب الصحاح الستة وغيرهم، توفى عام(198 هـ)، وحكي عن ابن قتيبة عداده في رجال الشيعة، ولكن الشيعة لا تعرفه من رجالها. ذكره في رجال الصادق عليه السلام التهذيب، والينابيع، وغيرهما من السنّة، والشيخ، وابن داود، والنجاشي، وغيرهم من الشيعة.
محمّد بن إسحاق
محمّد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي والسير، ومدنيّ سكن مكّة، أثنى عليه ابن خلكان كثيراً، وكان بينه وبين مالك عداء، فكان كلّ منهما يطعن في الآخر، قدم الحيرة على المنصور فكتب له المغازي. وقدم بغداد وبها مات عام(151 هـ) على المشهور، ذكر أخذه عن الصادق عليه السلام في التهذيب، والينابيع، وغيرهما من السنّة، والشيخ في رجاله، والعلاّمة في الخلاصة، والكشي في رجاله، وغيرهم من الشيعة.
شعبة بن الحجّاج
شعبة بن الحجّاج الأزدي كان من أئمة السنّة وأعلامهم وكان يفتي بالخروج مع إبراهيم بن عبدالله بن الحسن، وقيل كان ممّن خرج من أصحاب الحديث مع إبراهيم بن عبدالله. وعدّه في أصحاب الصادق عليه السلام جماعة من السنّة منهم صاحب التهذيب، والصواعق، والحلية، والينابيع، والفصول، والتذكرة وغيرها، وذكرته كتب الشيعة في رجاله أيضاً.
أيوب السجستاني
أيوب بن أبي تميمة السجستاني البصري، وقيل السختياني، والأول أشهر، مولى عمّار بن ياسر وعدّوه في كبار الفقهاء التابعين، مات عام(131 هـ) بالطاعون بالبصرة عن(65 هـ) سنة. عدّه في رجال الصادق عليه السلام في نور الأبصار، والتذكرة، والمطالب، والصواعق، والحلية، والفصول، وغيرها، وذكرته كتب رجال الشيعة في أصحابه أيضاً. وهؤلاء بعض من نسبوه الى تلمذة الصادق عليه السلام من أعلام السنّة وفقهائهم البارزين، وقد عدّوا غير هؤلاء فيهم أيضاً، انظر في ذلك حلية الأولياء، على أن غير أبي نعيم أشار الى غير هؤلاء بقوله وغيرهم، أو ما سوى ذلك ممّا يؤدّي هذا المفاد".